بسم الله الرّحمن الرّحيم
صور مضيئة من إكرام الإسلام للمرأة
لقد شُوِّه موقف الإسلام من المرأة حتى صار الدِّين عند الكثيرين متهماً يحتاج إلى من يدافع عنه ، ونحن نبتديء بذكر تلك الصور المضيئة من إكرام الإسلام لها ، مما لا مثيل له على الإطلاق في أي دين ، أو شريعة أو مجتمع ، فالمرأة في الإسلام ، هي تلك المخلوقة التي أكرمها الله بهذا الدين ، وحفظها بهذه الرسالة وشرّفها بهذه الشريعة الغراء ، إنها في أعلى مقامات التكريم أُماً كانت أو بنتاً أو زوجة ، أو امرأةً من سائر أفراد المجتمع .
فهي إن كانت أماً:
فقد قرنَ الله حقَّها بحقّه ، فقال: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياهُ وبالوالدين إحساناً} سورة الإسراء آية 23 ، وأي تكريم أعظم من أن يُقْرِن الله حقها بحقه.
وجعلها المصطفى صلى الله عليه وسلم أحقَّ الناس بحسن الصحبة وإسداء المعروف ، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : { جاء رجل فقال : يارسول الله من أحقُّ الناس بحسن صحابتي ؟؟ قال : أُمُّك ، قال : ثم مَنْ ؟ قال : أمك ، قال : ثم مَنْ ؟؟ قال أُمُّك ، قال ثم مَنْ ؟ قال : أبوك}.(1)
وقد تتشوق النفس إلأى الجهاد وتشرئب إلى منازل الشهداء ، وتَخِفُّ إلى مواقع النزال ، لكي تصرع في ميادين الكرامة أو تبقى في حياة السعداء ولكن حقَّ الأبوين في البقاء معهما ، والإحسان إليهما مقدم على ذلك كله مالم يتعين الجهاد روى أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : جئت أبايعك على الهجرة ، وتركت أبويَّ يبكيان ، (( قال : أرجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما )).(2)
وعنه - رضي الله عنه - قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم (( رضي الرب في رضى الوالد ، وسَخَطُ الربِّ في سَخَطِ الوالد )).(3)
وقد تغلبُك نفسك الأمارةُ بالسُّوء ، أو تغلبك الشياطين من الإنس والجنِّ فتلتمس أسباب التكفير لتلك الذنوب ، وموارد التطهير لتلك الأدناس ؛ ففي رضا والدتك أعظم معين على ذلك ، عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله إني أصبت ذنباً عظيماً ، فهل لي من توبة ؟؟ قال : (( هل لك من أُمٍّ قال : لا ، قال : (( هل لك من خالةٍ ؟؟ ، قال : نعم ، قال : ( فبرَّها ).(4)
ويتسع صدرُ المؤمن للإحسان لمن كانتْ سبباً في وجوده وإن خالفَتْه في الدِّين ، وتنكَّبتِ الصراط المستقيم ، فعن أسماء بن أبي بكر ، قالتْ : قدمت علىَّ أمي وهي مشركةٌ فاستفيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : قدمتْ أمي وهي راغبةٌ أفأَصِلُ أمي ؟؟ قال : (( نعم صِلي أمَّكِ )).(5)
وهي إن كانت بنتاً:
فحقها كحق أخيها في المعاملة الرحيمة ، والعطف الأبويِّ ؛ تحقيقاً لمبدأ العدالة : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } سورة النحل آية 90 . وقال تعالى : { اعدلوا هو أقربُ للتقوى } سورة المائدة آية 8 .
وفي حديث عن النعمان بن بشير – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اعدلوا بين أبنائكم ، اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم )).(6)
ولولا أن العدل فريضةٌ لازمةٌ ، وأمر محكم ، لكان النساء أحق بالتفضيل والتكريم من الأبناء ، وذلك لما رواه ابن عباس مرفوعاً : (( سَوُّوا بين أولادكم في العطية ، فلو كنت مُفَضِّلاً أحداً لفضلتُ النساء )).(7)
ولقد شنع القرآنُ على أصحاب العقائد المنحرفة الذين يبغضون الأنثى ، ويستنكفون عنها عند ولادتها ، فقال سبحانه : { وإذا بُشِّرَ أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء مابُشِّر به ، أيمسكهُ على هُونٍ أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون } .
وهاهو رسولُ الهدى صلى الله عليه وسلم ، يُعدّ من كبائر الذنوب تلك اليد التي تمتد للطفلة البريئة فتواريها في التراب بعد أن اغتالت عاطفة الأبوة الجياشة في ذاتِ مادّها .
يقول عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أيُّ الذنب أعظم؟ قال: (( أن تجعل لله نداً وهو خلقك )) قلت : إن ذلك لعظيم ، ثم أيُّ ؟ قال : (( أن تقتل ولدك مخافة أن يَطْعَم معك )).(
ويرغِّب صلى الله عليه وسلم في الإحسان إليهن ، فيقولُ : (( من كان له ثلاثُ بنات ، أو ثلاثُ أخواتٍ ، أو بنتان ، أو أختان ، فأحسن صحبتهن وصبر عليهن ، واتقى الله فيهن دخلَ الجنة )).(9)
ولقد أثر هذا الأدب النبوي على أدباء الإسلام حتى كتبوا فيه صيغ التهنئة المشهورة ، حيث يهنيء الأديب من رزق بنتاً من أصحابه ، فيقول له كما في هذه القطعة الأدبية الجميلة للصاحب ابن عباد – وكان أديباً - : أهلاً وسهلاً بعقيلة(10) النساء ، وأم الإبناء ، وجالبة الأصهار ، والأولاد والأطهار ، والمبشرة بأخوةٍ يتناسقون ، ونجباء يتلاحقون .
فلو كان النســـاء كمن ذكــــرن .............. لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب .............. وما التـذكير فخر للهـــــلال
والله تعالى يعرِّفُكَ البركة في مطلعها ، والسعادة بموقعها ، فأدَّرع اغتباطاً واستأنفْ نشاطاً ، فالدنيا مؤنثةٌ ، والرّجالُ يخدمونها ، والأرضُ مؤنثةٌ ، ومنها خلقت البرية ، ومنها كثرت الذرية ، والسماء مؤنثة وقد زُيِّنَت بالكواكب ، وحُلِّيَتْ بالنجم الثاقب ، والنفس مؤنثة وهو قِوامُ الأبدان ، وملاك الحيوان ، والجنةُ مؤنثةٌ ، وبها وُعِدَ المتقون ، وفيها ينعم المرسلون ، فهنيئاً لك بما أُوتيتِ ، وأوزعكِ الله شكر ما أُعطيتِ .
وهي إن كانت زوجاً:
فهي من نعم الله التي استحقت الإشارةُ والذكر { ولقد أرسلنا رسلاً من قبلكَ ، وجعلنا لهم أزواجاً } سورة الرعد آية 38 . وهي مسألةُ عبادِ الله الصالحين { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قُرة أعين } سورة الفرقان آية 74.
وهي في الإسلام عمادُ المجتمع ، وأساسُه المتينُ ، ومن التنطع الاستنكافُ عن الزوجة ؛ بل هو خلاف هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم أخشى الناس وأتقاهم ، وقد عدَّ رسول الهدى صلى الله عليه وسلم مثل هذا الفعل من التنطع والرغبة عن سنتهِ إذ هو القائلُ : (( هلك المتنطعون .... )) والقائل (( من رغب عن سنتي فليس مني )).(11)
وللزوجة على زوجها حقوقٌ يحميها الشرع ، وينفذها القضاء عند التَّشاحِ ، وليست تلك الحقوق موكولةً إلى ضمير الزوج فحسب وليس المقام مقام بسطها ، وإنما هي لمحة عابرة لبعض حقوقها عليه :
1- المهر : وهو عطيَّةٌ محضةٌ فرضها للمرأة ، ليست مقابل شيء ، يجب عليها بذلُهُ إلا الوفاء بحقوق الزوجية ، كما أنه لا يقبلُ الإسقاط ، ولو رضيتِ المرأةُ إلا بعد العقد { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ، فإن طِبْنَ لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً } سورة النساء آية 4 .
2- النفقة عليها بالمعروف : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } سورة البقرة آية 233 .
3- المسكن والملبس : { أسكنوهن من حيثُ سكنتم من وُجْدِكم } سورة الطلاق آية 6 .
وبجانب هذه الحقوق المادية ، لها حقوقٌ معنويةٌ أخرى :
* فهي حرة في اختيار الزوج : ليس لأبيها أن يُكْرهَهَا على ما لا تريد قال صلى الله عليه وسلم : (( لا تنكح البكر حتى تستأذن ، ولا الثيب حتى تستأمر )).(12)
* ويجب على زوجها أن يعلمها أصول دينها : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة } سورة التحريم آية 6 .
قال الألوسي – رحمه الله – (( أستدل بها على أنه يجب على الرجل تَعَلُّمُ ما يجب من الفرائض ، وتعليمهُ لهؤلاءِ )) وانظر إلى هذا التطبيق العمليِّ في سلوك إسماعيلُ عليه السلام ، { وكان يأمرُ أهله بالصلاة والزكاة ؛ وكان عند ربه مَرْضياًّ } سورة مريم آية 55 .
إن كثيراً منّا – ويا للأسف – مَنْ يغفل عن هذا الواجب ، فلا يقومُ به تجاه من هم أحقُّ الناس بالتعليم ، ويقتصر اهتمام هؤلاء على أداء واجب النفقة ، وما يتصلُ بها ، وما دَروْا أن هذا أعظم وأجلُّ .
* أن يغار عليها ويصونها من العيون الشريرة : والنفوس الشرهة ، فلا يوردها مشارع الفساد ، ولا يغشى بها دُور اللهو والخلاعة ، ولا ينزع حجابها بحجة المدنية والتطور .
* أن يترفع عن تلمس عثراتها وإحصاء سقطاتها : ولذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يكره أن يأتي الرجل أهله طُرُوقاً )).(13) والطُّرُوق : المجيء بالليل من سفر ، أو من غيره ، على غفلةٍ .
* وأخيراً فإن عليه أن يعاشرها بالمعروف والإحسان: فلا يَسْتفزُّه بعضُ خطئها ، أو يُنْسيه بعضُ إساءتها: {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ، ويجعل الله فيه خيراً كثيراً } سورة النساء آية 19 . ويقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (( لا يفرك مؤمن مؤمنةً ، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر )).(14)
وهي إن لم تكن أماً ولا بنتاً ولا زوجة:
فهي من عموم المسلمين ، يُبْذل لها من المعروف والإحسان ما يُبذل لكل مؤمن ، ولها على المسلمين من الحقوق مايجب للرجال .
هذه لمحة سريعة عن صور من إكرام الإسلام للمرأة ، لا يمكن أن توجد في أي مجتمع من المجتمعات بدون الإسلام ، بل الأعداء الذين جاءوا إلى بلاد المسلمين قد أقرُّوا بأنه لا يوجدُ دينٌ أكرم المرأةَ كما أكرمها الإسلامُ ، ولا شريعةٌ أعزََّت المرأة ورفعت من رأسها ، وأعطتها كامل حقوقها كما فعل الإسلامُ .
تقول الكاتبةُ ( آرنون ) : (( لأن يشتغل بناتنا في البيوت خوادمَ خيرٌ وأخفُّ بلاءً من اشتغالهن بالمعامل ، حيثُ تصبحُ المرأة ملوثةً بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد ، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة )).(15)
عن كتاب المرأة وكيد الأعداء، للدكتور عبد الله وكيل الشيخ
--------------------------------
1. صحيح البخاري ( فتح 10/401) ومسلم (2548) .
2. سنن أبي داود (2528) والنسائي (7/143) وابن ماجه (7282) .
3. رواه الترمذي مرفوعاً (1899) والحاكم (4/151) والبخاري في الأدب المفرد موقوفاً (ص18) .
4. رواه الترمذي 1968 ، وابن حبان ( موارد 496 ) والحاكم 4/155 .
5. صحيح البخاري ( فتح 5/323) ، ومسلم ( 1003 ) .
6. أخرجه البخاري ( الفتح 211/5 حديث 2587 ) ومسلم 1241 – 1244/3 حديث 9-19 وأبو داود 815 /3 واللفظ له .
7. سنن البيهقي 177/6 .
8. صحيح البخاري (فتح 8/163 ، ومسلم (86) .
9. رواه ابو داود (5147) والترمذي (1913) وابن حبان (2044) ( وفي سنده سعيد بن عبد الرحمن بن مكمل الأعشى لم يوثقه غير ابن حبان ) أ.هـ كلام الأرناؤط في جامع الأصول 1/413 ، ويراجع ( الصحيحة – تخريج حديث رقم (294) وحكم الألباني على هذا الحديث بالضعف ) . وفي الباب أحاديث كثيرة تغني عنه .
10. العقيلة : السيدة .
11. رواه مسلم (2670) .
12. صحيح البخاري ( فتح 9/104 ) ومسلم ( 1401 ) .
13. صحيح البخاري ( فتح 9/ 339) .
14. رواه مسلم 1469 ، يَفْرَك : يبغض : والفرك : البغض .
15. فتياتنا بين التغريب والعفاف ، للدكتور ناصر العمر ص 56 .