حفلة خطوبة عماد ودانيه...فرحة ممزوجة بالحزن ودموع تكتمها الأمهات
تقرير: أسماء محسن
ليس غريباً على العائلة الفلسطينية أن تحبك خيوط الفرحة وتلملمها من بين الأحزان والمفاجآت الأليمة, لربما هي عادة كون لها تجارب مسبقة ولربما هي أمر جديد فيكون الحال أشد صعوبة..نفس الحال مع عائلتي الأسيرين القائد جمال أبو الهيجاء والوزير وصفي قبها, اللتان ربطتان على الجرح وواجهت السجان لتعلن عقد قران ابنيهما عماد ودانيه, بينما خلف القضبان كانت البداية وهناك صنعت فرحة أخرى تحت سقف السجن, وأعلنت الخطوبة وأقيم الحفل وامتزجت الأفراح بالأحزان.
"مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان", شارك في الحفل الذي كان عبارة عن تعاطف شعبي واسع داخل قاعة الحفل , وأعد التقرير التالي:
يسد مكان الوالد
تجد هناك كل معاني الإخوة والحب الذي جمع الأحباب احتفالاً بالعروسين وتقديراً للأبوين, كل منهم يريد أن يسد مكان والد أحد العروسين, كان هناك لفيف من الأسرى المحررين والأقارب والأحباب في قاعة الأفراح التي تم بها حفل عقد قرآن العريس عماد جمال أبو الهيجاء, وعروسه دانيه وصفي قبها.
الجميع تواجد في الحفل, إلا والدي العروسين كل من المهندس الوزير الأسير وصفي قبها الذي يحتفل في عقد قرآن ابنته البكر في سجن هداريم ، ووالد العريس الشيخ جمال ابو الهيجاء في سجن ايشل والذي يحتفل بعقد قرآن الولد الثالث داخل الأسر.
كانت الفرحة بمثابة مشاركة شعبية من قبل المحررين وذوي الأسرى والأقارب والأحباب, داخل قاعة الحفل الذي أقيم يوم السبت الموافق ل17 حزيران, وكانت عبارة عن رسالة حب ووفاء من كل من عرف الأبوين, وشهد لهما بالمواقف البطولية والرجولية.
وصفي قبها ما كان ليغيب في يوم من الأيام عن أي مناسبة تخص صديق من الأصدقاء, أو أسير محرر أو غير محرر, فهو الحاضر على الدوام في جميع المناسبات, ليس حضوراً فحسب, بل كان يقف ليستقبل المهنئين وكأنه هو صاحب المناسبة.
أما جمال أبو الهيجاء, عرف عنه حرصه الدائم والمعروف على سد دور من يغيب بالأسر في جميع المناسبات, واليوم الناس ترد له الجميل, ويدعون له بالإفراج ليشارك بنيه الفرحه.
فرحة ممزوجة بالضيق
تحول عقد القران إلى حالة تعاطف وانتماء وحب لكافة الأسرى المعتقلين في سجون الاحتلال, وخاصة الذين غيبوا قصراً عن مناسبة كهذه, "مركز أحرار " شارك أيضاً حفل عقد القران، ورصد مشاعر أهل العروسين و الأسرى المحررين في هذه اللحظات التي تمتزج فيها الفرحة بالألم، زوجة الأسير أم عبد السلام, كانت دمعاتها أسبق من كلماتها في التعبير وقد اختلطت معالم الفرحة والحزن الشديد في إيماءاتها, تقول: "هذه المرة أشعر أكثر من مره بغياب الشيخ, وكنت أتمنى حضوره, فأبو العبد لم يحضر عرس ابنته المحامية بنان, ولا عرس ولده البكر عبد السلام, وكل منهما رزق بولد ولم يتمكن من رؤية أحفاده, واليوم نزل عماد دون حضوره, فالشعور بغيابه كبير جداً ومؤلم هذه المرة".
تشتد آلام أم عبد السلام ليس لغياب زوجها عن عقد القران فقط, إنما زاد الأمر حدة غياب ولدها عبد السلام بالأسر أيضاً فهو رهين الاعتقال الإداري, تضيف الأم لمركز أحرار لدراسات الأسرى:" لقد رزق عبد السلام بولده البكر وهو بالسجن, وهذا ما زاد من معاناتي وشعوري بالحزن, وأسأل الله أن يفك أسرهما وأسر صهرنا الفاضل أبو اسأمه الذي ما غاب عن أي مناسبة من مناسباتنا, وكان على الدوام الحاضر في كل حدث يخص عائلتنا".
أما أم اسامة قبها, فكانت نظراتها تحكي عن استغرابها ومفاجأتها التي لم تتوقعها يوماً, فالأمر عليها أشد صعوبة رغم قوتها وتماسكها, تقول للمركز الحقوقي أحرار:" هذه فرحتنا الأولى بعقد قران أحد أبنائنا, لم أكن أتخيل يوماً أن يتم عقد القران بغياب والدها, لقد أبعده الاحتلال عنا في كل مناسباتنا قبل ذلك, لكن هذه المرة هي الأشد ألماً على قلبي", مضيفة:" لم يشهد زوجي نجاح أحد من أولاده, ولا دخولهم الجامعة, ولا تخرجهم, واليوم يعقد عقد قران ابنته التي يحبها دانيه وهو في الاسر معتقلاً ادارياً".
وقفة الأصدقاء
أما المشاركون فهم أسرى محررون كانوا قد ذاقوا مرارة الأسر ولربما هي تجربة ليست بالغريبة عليهم, الأسير المحرر عدنان حمارشه كان أحد الحضور، غلبته مشاعره وقال: "أتمنى لو كان الشيخ جمال بيننا؛ فأبو العبد يحب أولاده كثيرًا، وهو لم يتمكن من حضور عرس ابنته بنان ولا عرس ولده عبد السلام وها هو اليوم عماد يعقد قرانه دون وجوده لا هو ولا المهندس وصفي الذي وقف وقفة الصديق مع صديقه يوم عرس ابنه عبد السلام وسد مسده".
الأسير المحرَّر والنائب فتحي قرعاوي هو الآخر أبى إلا أن يشارك ويسد مكان الأبوين المغيبين، يقول: "أتينا اليوم لنقف مع العائلتين, ومع أنفسنا, لأن وصفي قبها بالنسبة لي أخ حبيب وصديق وفي, ورجل المواقف التي يشهد عليها القاص والدان, لم يقصر معنا سواء وقت اعتقالنا أو اثناء خروجنا من السجون, واليوم جاء دورنا لنقف مع أنفسنا ونؤدي الواجب".
يكمل حديثه:" أما جمال أبو الهيجاء’ فهو الأب لكافة أبناء مخيم جنين وفلسطين, وبوقفتنا هذه نستشعر ونستذكر بطولات هذا الرجل ومواقفه مع الجميع, فهو الجناح الذي كنا نستظل بظله في كل وقت يقول إبراهيم الجبر".
على بعد أمتار من النائب القرعاوي, كان الاستاذ والمحاضر الجامعي مصطفى الشنار والذي افرج عنه قبل اشهر قليلة من ذات الزنزانة التي بها وصفي قبها كان احد الحضور من باب الوفاء لرفيقه في الاسر قال لأحرار" أتينا اليوم لنقف مع اخينا الاسير فأبو أسامه ما كان ليتأخر عن أي مناسبة تخص أي أحد من اخوانه وهنا نحن اليوم من باب الوفاء لهذا الرجل المعطاء .
وقال استاذ علم الاجتماع الشنار اصرار العائلة الفلسطينية المصابة بألم الاسر والأسرى على استمرار الحياة . رغم الجراح والاعتقال والشهادة ، مؤشر على صلابة البناء الاسري والاجتماعي الفلسطيني وواقعيته المذهلة . وطول نفسه في المواجهة التاريخية مع الاحتلال منذ وعد بلفور وحتى الان . وهذا ما لمسناه في العديد من حالات زواج ابناء وبنات الاسرى القدامى والمؤبدات وآباءهم خلف القضبان . مما كان يغيظ الاحتلال وما زال . لقد اعتاد الانسان الفلسطيني على المعاناة ولسان حاله يقول : على الحياة ان تمضي . انها خصوصية المجتمع الذي اعتاد صنوف العذاب فتكيف معها وأخضعها لقوانين البقاء بدلا من ان تكون سببا لفنائه وياسه
مشاعر مختلطة
فؤاد الخفش, مدير مركز أحرار, يقول: "كانت المشاعر مختلطة.. الجميع يبتسم وفي ذات الوقت الجميع يفتقد الأسيرين لمحت في عيون الجميع حب للأسيرين؛ فعدد الحضور كان كبيرًا، وكانت هناك رسالة واحدة استطعت أن أقرأها في عيون عائلة العروسين تقول: إن استطاع الاحتلال اختطاف والدنا فلن يستطيع سلب الابتسامة من وجوهنا".
ها هي الفرحة الفلسطينية التي نسجت من خيوط المعاناة, وتلك هي فرحة ذوي الأسرى التي لا بد أن تتوسطها الذكريات الأليمة التي أرادها السجان.