أَبداً تَحنُّ إِلَيكُمُ الأَرواحُ | وَوِصالُكُم رَيحانُها وَالراحُ |
وَقُلوبُ أَهلِ وِدادكم تَشتاقُكُم | وَإِلى لَذيذ لقائكم تَرتاحُ |
وَا رَحمةً للعاشِقينَ تَكلّفوا | ستر المَحبّةِ وَالهَوى فَضّاحُ |
بِالسرِّ إِن باحوا تُباحُ دِماؤُهم | وَكَذا دِماءُ العاشِقينَ تُباحُ |
وَإِذا هُم كَتَموا تَحَدّث عَنهُم | عِندَ الوشاةِ المَدمعُ السَفّاحُ |
أَحبابنا ماذا الَّذي أَفسدتمُ | بِجفائكم غَير الفَسادِ صَلاحُ |
خَفضَ الجَناح لَكُم وَلَيسَ عَلَيكُم | لِلصَبّ في خَفضِ الجَناح جُناحُ |
وَبَدَت شَواهِدُ للسّقامِ عَلَيهمُ | فيها لِمُشكل أمّهم إِيضاحُ |
فَإِلى لِقاكم نَفسهُ مُرتاحةٌ | وَإِلى رِضاكُم طَرفه طَمّاحُ |
عودوا بِنورِ الوَصلِ مِن غَسَق الدُّجى | فَالهَجرُ لَيلٌ وَالوصالُ صَباحُ |
صافاهُمُ فَصَفوا لَهُ فَقُلوبهم | في نُورِها المِشكاةُ وَالمِصباحُ |
وَتَمَتّعوا فَالوَقتُ طابَ لِقُربِكُم | راقَ الشّراب وَرَقّتِ الأَقداحُ |
يا صاحِ لَيسَ عَلى المُحبِّ مَلامَةٌ | إِن لاحَ في أُفق الوِصالِ صَباحُ |
لا ذَنبَ لِلعُشّاقِ إِن غَلَبَ الهَوى | كِتمانَهُم فَنما الغَرامُ فَباحوا |
سَمَحوا بِأَنفُسِهم وَما بَخِلوا بِها | لَمّا دَروا أَنّ السَّماح رَباحُ |
وَدعاهُمُ داعي الحَقائقِ دَعوة | فَغَدوا بِها مُستَأنسين وَراحوا |
رَكِبوا عَلى سنَنِ الوَفا وَدُموعهُم | بَحرٌ وَشِدّة شَوقهم مَلّاحُ |
وَاللَّهِ ما طَلَبوا الوُقوفَ بِبابِهِ | حَتّى دعوا فَأَتاهُم المفتاحُ |
لا يَطربونَ بِغَيرِ ذِكر حَبيبِهم | أَبَداً فَكُلُّ زَمانِهم أَفراحُ |
حَضَروا وَقَد غابَت شَواهِدُ ذاتِهم | فَتَهَتّكوا لَمّا رَأوه وَصاحوا |
أَفناهُم عَنهُم وَقَد كشفَت لَهُم | حجبُ البقا فَتَلاشتِ الأَرواحُ |
فَتَشَبّهوا إِن لَم تَكُونوا مِثلَهُم | إِنَّ التَّشَبّه بِالكِرامِ فَلاحُ |
قُم يا نَديم إِلى المدامِ فَهاتها | في كَأسِها قَد دارَتِ الأَقداحُ |
مِن كَرمِ أَكرام بدنّ ديانَةٍ | لا خَمرَة قَد داسَها الفَلّاحُ |
هيَ خَمرةُ الحُبِّ القَديمِ وَمُنتَهى | غَرض النَديم فَنعم ذاكَ الراحُ |
وَكَذاكَ نوحٌ في السَّفينة أَسكَرَت | وَلَهُ بِذَلِكَ رَنَّةً وَنِياحُ |
وَصَبَت إِلى مَلَكوتِهِ الأَرواحُ | وَإِلى لِقاءِ سِواه ما يَرتاحُ |
وَكَأَنَّما أَجسامهُم وَقُلوبهُم | في ضَوئِها المِشكاةُ وَالمِصباحُ |
مَن باحَ بَينَهُم بِذِكرِ حَبيبِهِ | دَمهُ حلالٌ لِلسّيوفِ مُباحُ |