تجارة الرقيق الأبيض في القرن الحادي والعشرين!
مها النحاس
هل يعقل ان نكون في بداية القرن الحادي والعشرين ومازلنا نقرأ عن وجود تجارة رقيق ابيض للنساء والاطفال في بعض الدول, لاستخدامهم في العمل بالسخرة أو في اغراض منافية للأخلاق. إنها احدي فضائح الاقتصاد العالمي الخفية, والتي كشفت عنها احدي المجلات الأمريكية, ومن عجب ان نجد ذلك في دول نامية ودول متقدمة, كما نجده في دول ينتهك فيها حقوق الانسان وفي دول تنادي بالدفاع عن حقوق الانسان واحترام آدميته.
هذا وقد كشفت احصائيات لوكالة المخابرات الأمريكية عن ان عدد النساء والاطفال الذين يتم المتاجرة بهم تعدي700.000 سنويا يذهب50.000 منهم الي امريكا وحدها. ويأتي معظم هؤلاء الضحايا من الدول الشيوعية التي ظهرت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه الي مجموعة دول, وانتشرت فيها البطالة والفقر مما دفع الكثيرين الي السعي وراء اوهام العمل في اي مكان في العالم بحثا عن مصدر للرزق ثم يفاجأوا بالكارثة الكبري التي تنتظرهم وهي انهم وقعوا فريسة لعصابات تهريب الرقيق, تقوم بتسخيرهم للقيام بأعمال حقيرة او في اعمال منافية للأخلاق. ويعتقد معظم الناس ان مصطلح تجارة الرقيق الابيض قد اختفي من قاموس السياسة من زمن بعيد, لكن الواقع غير ذلك مع الاسف, ففي اماكن كثيرة من العالم يعاني سكانها من الفقر الشديد وانعدام سبل الحياة, مما يجعلمهم فريسة سهلة لعصابات تهريب الرقيق الابيض التي تستغل ظروف حياتهم الصعبة لتحصد من ورائهم المكاسب الكثيرة.
وقد جاء في تقرير حديث للأمم المتحدة ان تجارة الانسان اصبحت صناعة تجلب سبعة بلايين دولار وهي بذلك تأتي بعد تجارة المخدرات والسلاح, وان كانت المخدرات تباع مرة, وتنتهي باستخدامها, اما الانسان فإنه يمكن أن يباع اكثر من مرة فالعملية يدخل فيها عدة وسطاء كل يأخذ نصيبه من الصفقة. جاء هذا علي لسان كاثرين ماكماهون مؤسسة جمعية التحالف من اجل القضاء علي العبودية والتجارة المشبوهة. ومقرها مدينة لوس انجلوس, والتي تقدم مساعداتها لضحايا هذه التجارة وتسعي لتخليصهم من براثن هذه العصابات وتعمل علي توفير مأوي آمن لهم وتعتبر كاثرين ماكماهون واحدة من بين الاصوات الكثيرة التي تنادي بمحاربة تجارة الرقيق الابيض.
فنجد ايضا منظمة الاصوات الحيوية, ومقرها واشنطن وهي منظمة اهلية تدافع عن حقوق المرأة وتضم من بين اعضائها شخصيات وقيادات نسائية من كل انحاء العالم ممن عملن في المجال السياسي والدبلوماسي ولهن خبرات واسعة في قضايا المرأة العالمية, وتركز هذه المنظمة جهودها علي ثلاثة محاور اساسية وهي: تعظيم دور المرأة في المجتمع والسياسة, وزيادة نشاط المرأة في مجال الاعمال ومحاربة تجارة الرقيق وغيرها من صور انتهاك حقوق الانسان, ويتم ذلك عن طريق تعليم المرأة حتي لا يصبح من السهل سقوطها في أيدي عصابات الرقيق الأبيض ومساعدة الضحايا الذين سقطوا بالفعل حتي لا يعاملوا كمجرمين في الدول الاخري ومطاردة هذه العصابات من منطلق قانوني حتي يمكن القضاء عليها.
وعن طريق الولايات المتحدة ينتقل الرقيق الابيض الي غيرها من الدول, كما يقر المسئولون الحكوميون الامريكيون بوجود الرقيق الابيض في اراضيهم خاصة في ولايات نيويورك وكاليفورنيا وفلوريدا و الذين فروا من الفقر في بلادهم سعيا وراء الحلم الامريكي علي انه طوق النجاة من حياتهم البائسة, وغالبا ما يصدمون بكابوس الاستغلال في اعمال منافية للأخلاق, تهدر فيها آدميتهم وكرامتهم ولا يجدون في النهاية المقابل المادي الذي يستحق منهم هذه الحياة المهينة, وفي نفس الوقت لا يمكنهم الفكاك من هذا الفخ الذي وقعوا فيه وإلا تعرضوا هم واهلهم للتنكيل والتعذيب من قبل هذه العصابات.
ومن الغريب ان تنشط هذه التجارة المشبوهة بعد11 سبتمبر بالرغم من زيادة الاجراءات الأمنية من اجل محاربة الارهاب. فمع التشديد في اجراءات الهجرة المشروعة تزداد علمليات التهريب غير المشروعة. وقدكانت هناك محاولات عديدة من جهات مختلفة معنية بحقوق الانسان ومنع عمليات تهريب الرقيق الابيض, ولكنها حتي الآن اثبتت عدم جدواها. فبعض الدول لديها قوانين مشددة تمنع تجارة الرقيق وتحاكم القائمين عليها غير ان هناك دولا أخري تعاني فساد المسئولين فيها, مما يجعلهم يتغاضون عن هذه التجارة بل والاكثر من ذلك فبدلا من محاسبة مرتكبيها فإنهم يتعاونون مع هذه العصابات ويبتزونها وقد سبق ان اصدرت الولايات المتحدة في العام الماضي تقريرا مفصلا يعرض لهذه المشكلة في العالم وانتقدت فيه عجز ثلاث وعشرين دولة عن محاربة تجارة الرقيق الأبيض. وإذا كانت امريكا تدعو الدول الاخري لمحاربة تجارة الرقيق الابيض, واصدر الكونجرس منذ عامين قانونا لحماية ضحايا التعسف وتجارة الرقيق ونادي فيه بفرض اشد العقوبات علي هؤلاءالتجار وزيادة برامج التوعية عن هذه التجارة, الا ان حكومة بوش تباطأت في تمويل هذه البرامج ولذا تري ليندا سميث مؤسسة جمعية الامل المشترك في فانكوفر وهي عضو سابق بالكونجرس ان عقوبة تهريب المخدرات في معظم دول العالم اكبر بكثير من عقوبة تهريب البني آدم نفسه.
وقد سمحت امريكا أخيرا لضحايا تجارة الرقيق الابيض بالحصول علي تأشيرة خاصة تمنحهم حق الهجرة المشروعة والاقامة الدائمة فيها, في مقابل ان يقوموا بالتعاون مع السلطات الامريكية للإرشاد عن هؤلاء التجار وان كان هذا الامر صعب التنفيذ نظرا لتخوف الضحايا من رد فعل هؤلاء التجار ضدهم مما يهدد حياتهم وحياة اهليهم بالخطر.
ومازالت الجهود المبذولة في هذا الموضوع قليلة ولن يتحسن الحال الا بزيادة الوعي بمدي خطورة هذه المشكلة. ومن تلك الجهود دعوة منظمة الأمم المتحدة الدول المشاركة فيها الي توثيق بروتوكول في نهاية هذا العام يحرم ويعاقب تجارة الرقيق الابيض خاصة بين النساء والاطفال ويعمل علي مساعدة وحماية ضحاياه. وفي النهاية هل يمكن ان نتحدث عن قيام حياة ديمقراطية واقتصاد قوي ووجود سلام في دولة مادون ان يكون للمرأة فيها حق المشاركة الكاملة, فالمرأة هي نصف المجتمع وعدم مشاركتها في اتخاذ قراراته المصيرية يخل بتوازنه. وكيف تتحقق لها هذه المشاركة اذا كانت تعاني انتهاكا لحقوقها الانسانية وآدميتها وتستغل كالجواري في بعض بلدان العالم؟