عندما يفقد تمثال"الحرية" الأمريكي مفهوم الحرية!
قبل أيام خالت طالعتنا وسائل الاعلام المختلفة بالخبر الاتي:”أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن على الولايات المتحدة “الواجب الأخلاقي” للتدخل لمنع أي نظام من ارتكاب “إبادة” ضد شعبه, وقالت خلال ندوة في متحف المحرقة اليهودية في واشنطن، إن “الرئيس باراك أوباما أقر بوضوح أن استباق وقوع جرائم جماعية وعمليات إبادة يتعلق بالأمن القومي، وهو أيضاً مسؤولية أخلاقية”.
وأضافت كلينتون, “إذا كانت حكومة ما لا تستطيع أو لا تريد حماية مواطنيها فيتوجب عندها على الولايات المتحدة وشركائها التحرك”، مشيرة في هذا الصدد إلى ليبيا وساحل العاج أو سوريا. وأوضحت أن “الواجب الأخلاقي” لواشنطن لا يؤدي بالضرورة إلى “عمل عسكري”، معتبرة أن “اللجوء إلى القوة يجب أن يكون آخر خيار” بعد “الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية أو المساعدة الإنسانية أو الإجراءات القانونية”.
وكانت كلينتون قالت في وقت سابق إنه برغم مكاسب المعارضة فلم يفت الأوان بالنسبة للرئيس السوري بشار الأسد كي يبدأ التخطيط لانتقال سياسي. وأضافت كلينتون: “نحن نعتقد أن الأوان لم يفت بالنسبة لنظام الأسد كي يبدأ التخطيط لعملية انتقالية لإيجاد سبيل لوضع نهاية للعنف من خلال بدء المناقشات الجادة التي لم تحدث حتى اليوم”، وأشارت إلى أن من المهم بالنسبة للمعارضة السورية المسلحة أن توضح أنها تقاتل من أجل جميع السوريين، وألا تسعى للانتقام أو العقاب الذي قد يؤدي إلى مزيد من العنف.
وذكرت أن مقاتلي المعارضة يكسبون أراضي في سوريا ستصبح في نهاية الأمر “مناطق آمنة” وتوفر قاعدة لمزيد من العمليات ضد القوات الحكومية. وأوضحت كلينتون: “يجب أن نعمل عن كثب مع المعارضة لأنه يجري كسب المزيد والمزيد من الأراضي وسيؤدي ذلك في نهاية الأمر إلى ملاذ آمن داخل سوريا سيوفر حينئذ قاعدة لمزيد من التحركات للمعارضة”.
وتاليا ردي على التفوهات الرخيصة واللا مبدأية لوزيرة خارجية دولة الارهاب العالمي:
للأستاذة والكاتبة المصرية الشهيرة عايدة العزب موسى المتخصصة في شؤون الدراسات الافريقية، مقال قيم ومتميز تحت عنوان “رسالة ترويض العبيد”, وهو تقديم وتعليق ونشر لنص محاضرة ألقاها أحد ملاكي العبيد ويدعى وليام لنش على أسماع “ملاكي عبيد “آخرين في عام 1713 ميلادية ،يشرح فيها نظرية ترويض الإنسان”العبد” باعتباره “حيوانا” لا أكثر ولا اقل، أو “ليتحدث عن تجربته وأسلوبه في السيطرة على العبيد في مستعمرته, بديلا لعمليات قتلهم كلما تمردوا, وما ابتدعه من أساليب وحشية وخبيثة وأفعال رهيبة لإخضاعهم “، وتقول الأستاذة عايدة, “إذا كان ماضي البشرية يشينه ويخجله صورة العبد الإفريقي الذي اختطف وربط بالسلاسل في رحلة عذاب طويلة إلى ارض القارات الأمريكية ليخدم السيد الأبيض ويفعل به ما يشاء ،فان ما يفعله الأمريكي الأبيض الآن في بداية الألفية الثالثة بأسرى حرب أفغانستان لا يختلف كثيرا عما فعله جدوده من قبل” .
ربطت الأستاذة عايدة إذن، بين “نظرية” ترويض العبيد في بدء نشأة الولايات المتحدة وبين عمليات اختطاف أسرى أفغانستان وعيرهم وترحيلهم إلى معتقل جوانتناموا, وفى هذا الربط بين الحدثين”اصطياد العبيد وجلبهم, وخطف المواطنين من بلادهم وتكبيلهم بالسلاسل وسجنهم وتعذيبهم في جوانتنامو”, يمتد خيط واحد من مفاهيم الرجل الأبيض في التعامل مع الأعراق الأخرى عبر التاريخ إلى الحاضر، هو خيط مفهوم نظرية التميز والتفوق العرقي للرجل الأبيض ،والحق الذي يعطيه لنفسه باعتباره متميز عرقيا في “ترويض الأعراق الأخرى “، كما تروض الحيوانات ،وباستخدام كل أساليب القهر والقتل ،باعتبار الرجل الأبيض ،هو صاحب الحضارة المتفوقة تكنولوجيا .وفى الربط بين حدث الماضي البعيد والحاضر المعاش ،أو بين نظرية “ترويض العبد ” وعمليات الاختطاف والتكبيل بالسلاسل نجد أيضا خيطا واصلا من المفاهيم “القديمة-الجديدة ” في كيفية تعامل الولايات المتحدة في السيطرة على الشعوب الأخرى عبر الخوف والترهيب.
فكما أوصى ملقى محاضرة ترويض العبيد ،بقتل العبد الذكر أمام العبيد الحضور-خاصة أنثى العبد نفسه وغيرها من نساء العبيد- وبفصل “العبدة” أو السيدات العبيد من تحت سيطرة وسلطة العبد الذكر أو من تحت سلطة الذكور، ثم بالاعتماد على “العبدة” أو على نساء العبيد فيما بعد لتربية أجيال من العبيد الذكور الخاضعين المروضين, بحكم تجربتها التي شهدت فيها قوة إجرام الرجل الأبيض وجبروته وفتكه بالذكر الذي هو مصدر القوة والحماية لها, فإن ما حدث في أبي غريب وفي جوانتنامو كان على صعيد آخر ،إخافة وترويعا وترويضا للأمم والشعوب والأجيال الصاعدة, وإرهابا لها بدرس عملي مفاده أن من يعارض سلطة وسطوة الولايات المتحدة ويتحداها ويقاومها كما كان حال العبد الذكر في الماضي الذي قاوم سلطات القهر والسخرة ،فمصيره يبدأ من الشحن كالحيوان إلى المعتقلات الأمريكية في جوانتنامو إلى التعذيب وانتهاك الكرامة المعنوية والجسدية والجنسية رجلا كان أو امرأة -على أرضه – كما كان الحال في المعتقلات بالعراق ،و إعلان عملي بان من يتمرد على سلطة الولايات المتحدة في السجن بالسلاسل سيلقى مصير، من لقوا حتفهم في قلعة جانجي بأفغانستان التي قصف فيها السجناء المقيدين بالسلاسل بالمدفعية والدبابات والطائرات داخل سجنهم ..فقتلوا جميعا وربما حراسهم الأفغان أيضا.
وفي متابعة الجرائم الأمريكية نجد كثرة من الدراسات التي تتضمن أوراقها وإحصاءاتها رصد شامل للجرائم الأمريكية في العالم, أو ضد العالم, بدءا من جرائم إبادة الهنود الحمر وحتى جرائم الإبادة الراهنة ضد المسلمين في أفغانستان والعراق والفلبين وفلسطين وغيرها ، وفى كل مكان آخر في العالم .
وهى رحلة يظهر حصرها وتجميع أرقام الذين أبيدوا فيها ،وكذا تقديم رؤية متكاملة للوقائع التي جرت من خلالها عمليات الإبادة ، ديمومة الفعل العدواني الإجرامي الأمريكي ،و كيف أن عمليات الإبادة والتطهير ليست مسالة مستحدثه في الفعل الأمريكي وإنما هي أمر أصيل في الفعل الأمريكي، حيث الولايات المتحدة دولة قامت واستمرت وتطور جسدها العلمي والاقتصادي والتكنولوجي والعسكري على جثث من قتلوا في جرائم الإبادة والتطهير للحضارات والشعوب الأخرى حيث الإبادة والقتل لم تكن لمجرد القتل ،وإنما لنهب واستنزاف ثروات الشعوب .كما هي رحلة تظهر كيف أن كل ابتكار علمي وتكنولوجي جديد اشد فتكا عبر التاريخ العلمي ،كان أول المستخدمين له ضد البشرية هو الولايات المتحدة ،إذ لم تكن هي الدولة الأولى والوحيدة التي استخدمت سلاح الإبادة النووي الشامل ضد البشر في جريمتي هيروشيما ونجازاكي ،وإنما هي أيضا كانت الدولة التي استخدمت الأسلحة البيولوجية ضد الهنود الحمر ،فكانت ومازالت الدولة الأشد دموية وعدوانية عبر التاريخ الإنساني كله ،منذ أن بدأت تتشكل وحتى الآن أو منذ إبادة الهنود الحمر إلى العدوان على العراق .
ومن ثم فان النظر في هذا الكم الهائل من الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة ،إنما يكشف المتابع العربي لها ،أننا في البلاد العربية والإسلامية لم ندرك ،أو لم يرتق فهمنا لدورها الإجرامي عالميا وعبر التاريخ الإنساني ،إلا بعد أن كثفت جهدها في القتل والإبادة تجاه امتنا في المرحلة الأخيرة وبشكل سافر وعلني وصريح ،حيث كانت مصالحها واستراتيجياتها خلال السنوات الأبعد تاريخيا ومن ثم جرائمها في الإبادة مركزة بشكل مباشر ضد شعوب وأمم أخرى. غير أن النظرة المتفحصة أيضا لكل هذه الأرقام ،ولكل المسيرة الدموية للولايات المتحدة عبر التاريخ الإنساني ، تجعل المتابع يدرك أيضا السبب في تحاشى البحث العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية ، تقديم آية رؤية تاريخية في مجال الدراسات السياسية والاجتماعية, فهذه الحالة الفريدة في العالم لم تحدث فقط لان الجهد والبحث العلمي الأمريكي متلهف إلى الجديد ولا لان الولايات المتحدة هي دولة بلا عمق تاريخي وبلا حضارة ضاربة جذورها في التاريخ, ليبدأ البحث العلمي باستعادة سابق تجربتها التاريخية في كل مجال ليدخل تعديله وتطويره على ما سبق الوصول إليه،ولكن أيضا لان تاريخها مليء بالجرائم المروعة التي لا تريد لها تاريخا وتوثيقا بما يكشف للعالم وللأمريكيين أنفسهم إن تاريخهم ليس إلا تاريخ إبادة للشعوب والحضارات الأخرى ،وكيف أن تقدمهم العلمي والاقتصادي قام على سلب الأمم ثرواتها العلمية والبحثية والاقتصادية.
لعب الإعلام الأمريكى دورا هاما وخبيثا وكاذبا في نفس الوقت من خلال خطة تبرير العدوان وخداع الشعوب, وذلك من خلال عشرة مبادىء تنفذ حرفيا فى كل حرب, فإن وجود جوانب مفاهيمية نظرية عامة ثقافية لتبرير عمليات القتل المخطط والابادة الحضارية والعرقية، ليس وحده هو الاتجاه المخطط فى الاستراتيجيات الامريكية للابادة والقتل، بل هناك أيضا نظريات فى العمل الإعلامى تترجم هذه المفاهيم ،خلال وضعها موضع التنفيذ ،حيث تتحول هذه المفاهيم إلى خطط إعلامية تنفذ وفق أعلى الأنماط الحرفية ،لكى تجرى عمليات الإبادة والقتل تحت اشد أشكال التغطية والتعتيم كثافة ،حتى يصل الإنسان إلى الانحياز إلى عملية قتل غيره وأبادته دون وجل من ضمير أو هى خطط تستهدف جعل المقتول فى أعين المتابعين هو المعتدى والمخطىء والذى يستحق ما يجرى له ،أو هى خطط توصل المتابع إلى اعتقاد بان ما يجرى من عمليات إبادة أمام عينيه إنما يجرى دفاعا عن النفس أو دفاع عن الحضارة الإنسانية وقيمها أو دفاع عن الإنسانية كلها ،ضد همج يودون إبادتها أو دفاعا عن الشعوب المبادة ذاتها ضد الديكتاتورية والقتل الذى يقوم به آخرين.
وحينما نتحدث عن نظريات وخطط إعلامية فنحن لا نقصد هنا وجود وقائع تؤكد كذب هذا الادعاء أو غيره بالمعنى المبسط الفج, كما هو حال إنفضاح أكذوبة أسلحة الدمار الشامل في العراق, أو كما كان حال تصوير الكيان الصهيونى كمعتدى عليه من العرب وهو الذى كان يقتل وما يزال ،لكن ما نقصده بالدقة هو وجود “مبادىء عامة ” متكاملة يجرى خوض عمليات القتل تحت حمايتها أو تحت خداعها أو فى ظل تضليلها للرأى العام فى الدول المعتدية بين الشعوب الأخرى بما فى ذلك الشعب الذى يجرى تقتيله وإبادته.
لقد لخصت المؤرخة البلجيكية”ان موريلى” القوانين الأساسية لإطلاق حملة حربية فى عشر نقاط وذلك من خلال قراءتها لكتاب الدبلوماسى البريطانى”لورد بونسونبى” الذى ألف كتابا فى عام 1928 تحت عنوان “أكاذيب فى زمن الحرب “. هذه المبادىء هى ما تم ترجمتها فى أعمال إعلامية من برامج وأخبار وتصريحات سياسية خلال حرب الخليج الثانية على العراق .
وتتحدد النقاط العشر فيما يلى: الأولى: نحن لا نريد الحرب. الثانية: المعسكر المعادى هو المسئول عن الحرب.الثالثة: رئيس المعسكر المعادى هو بمثابة الشيطان. الرابعة: ما ندافع عنه هو شىء نبيل وليس لنا مصالح معينة.الخامسة: العدو يثير القلاقل والأعمال الوحشية وإذا اضطررنا إلى ارتكاب بعض التجاوزات فإنما سيكون ذلك إراديا وعن غير قصد .السادسة:العدو يستخدم أسلحة محظورة. السابعة: خسائرنا قليلة جدا مقارنة مع الخسائر الفادحة فى صفوف العدو. الثامنة:جميع المثقفين والفنانين يؤيدون الحرب. التاسعة:كل الذين يشككون فى حملتنا خونة. العاشرة:قضيتنا تحمل طابعا مقدسا.
وهذه المبادىء للدعاية فى خوض الحرب هى ذات المبادىء التى تم خوض الحروب تحت غطائها بدءا من الحرب العالمية والثانية مرورا بالعدوان على العراق فى عام 1992 وحتى العدوان الأخير لاحتلال العراق خلال عام 2003 ، أو هى ما طبق حرفيا فى كل المعارك الأمريكية أو فى كل الحروب العدوانية والابادة التى جرت خلالها كما هى نفس المبادىء التى طبقت خلال الحروب العدوانية على العرب من قبل الصهاينة خلال حروب من عام 1948 وحتى عام 1967.
ومن هنا بامكاننا القول بأن لفظ الحرب المقدسة الذى أطلقه الرئيس الامريكى جورج بوش لم يكن لفظا قد مر عفو الخاطر ،كما كانت نتائجه معروفة فى التأثير فى المنطقة العربية والإسلامية ،لكن الأهم انه كان لفظا موجها للداخل الامريكى والاوروبى, فقد كان ما نطق به الرئيس الامريكى أمرا مخططا ،وفق المبدأ العاشر من مبادىء خوض الحرب ولم يكن مجرد ذلة لسان.
ومازلنا نتذكر المسلسل العالمى “جذور” عن رائعة الكاتب الأمريكى الكبير”أليكس هيلى” الذى روى محنة الزنوج المستعبدين ، ونال عنها جائزة “بوليترز” العالمية, وقد عُرض المسلسل الرائع فى معظم أنحاء العالم, وشاهده مئات الملايين من البشر مصحوباً بترجمة إلى أغلب لغات الأرض.
ويقول” ألكس هيلى” أن القصة حقيقية ، وبطلها هو جده الذى إختطفته عصابات البيض من قريته الإفريقية ، حيث تعرض للضرب والتعذيب وأوثقوه بالسلاسل ، ثم ألقى به مع مئات غيره فى سفينة عبرت الأطلنطى, ليجد نفسه بعد أسابيع معروضاً للبيع فى الأرض الجديدة “أمريكا” . وروى “هيلى” نقلاً عن جده الذى حكى لابنته وعلم هيلى بالتفاصيل من جدته التى هى تلك الإبنه عن الأهوال والفظائع التى تعرض لها الملايين من العبيد المساكين منذ اختطافهم والزج بهم مقيدين بالسلاسل فى قلعة “جيمس” إلى أن تم شحنهم مكدسين فى سفينة كالبهائم . وكانوا يكوونهم بأسياخ الحديد المحمى بلا رحمة ليضعواعلى ظهر كل منهم علامة السفينة التى ستنقله إلى أمريكا. وخلال الرحلة إلى الجحيم ألقى بعض المساكين بأنفسهم فى الماء هرباً من سياط الجلادين. وعانى الباقون من ندرة الطعام والمرض والتعذيب, حتى وصلوا إلى الشاطئ الأمريكى، حيث تم بيع “كونتا كنتى” جد “هيلى” بمبلغ 300 دولاراً . وحاول الفتى المسكين الهرب لكنه فشل وتعرض لتعذيب مروع ليكف عن الهرب، وفى المرة الثانية قبضوا عليه وأوثقوه إلى جذع شجرة ليقطع أحد البيض نصف قدمه اليمنى بفأس حتى لا يستطيع الجرى أو الهرب مرة أخرى.
ونقرأ من خلال هذه الرواية الجبارة تفاصيل حياة البؤس والشقاء التى عاشها “كونتا” وعشرات الملايين غيره فى ظل الاستعباد, وقد نال الكتاب والمساسل المأخوذ عنه رواجاً عالمياً فاق كل تصور, ولكن الأمريكان وكعادتهم لا يعرفون شيئاً اسمه الحياء ، فدأب بعضهم كالعادة على التشكيك فى الرواية, رغم أن أحداً لا يمكنه إنكار وقوع هذه الجرائم المروعة ضد ملايين السود على يد “الشيطان الأكبر”.
نلاحظ أن مظاهر التفرقة العنصرية مازالت موجودة حتى الآن فى الولايات المتحدة الأمريكية, إذ توجد حتى اليوم أحياء فى كبريات المدن الأمريكية يتكدس فيها السود بلا مرافق أو خدمات، كما أن معظم المشردين بلا مأوى, هم من السود والملونين, وعددهم يفوق الثلاثين مليونا. وفى أمريكا يوجد أكبر عدد من السجناء فى العالم كله” مليوني سجين”, ثلاثة أرباعهم من السود. ومازلنا نتذكر أحداث لوس انجليوس، حيث ثار السود احتجاجًا على الممارسات البوليسية الإجرامية ضدهم ، وسحل مواطن أسود بواسطة رجال الشرطة البيض حتى الموت .واندلعت مظاهرات صاخبة فى أكتوبر 2007 م احتجاجا على اعتقال ستة تلاميذ سود وتلفيق تهمة لهم هى الشروع فى قتل تلميذ ابيض, لانه علق أحبالا ومشانق بالمدرسة, اشارة الى ما كان يحدث من اعدام للعبيد السود بلا محاكمات.وأكدت منظمة حماية الملونين ان السود هم الفئة الأكثر تعرضا للسجن وتلفيق الاتهامات والتعذيب فى السجون الامريكية.
من أكثر المناظراثارة للسخرية أن زائر الولايات المتحدة الأمريكية بحراً, عندما تقترب به السفينة من ميناء “نيويورك”, فان أول ما يشاهده هو تمثال “الحرية” الشهير خارج جزيرة مانهاتن, والذي يعتبره الأمريكيون البيض رمزاً لبلادهم, وبودنا أن نسأل هؤلاء: هل أُقيم هذا التمثال رمزاً للحرية التى ُأسبغت على 122 مليون هندى أحمر؟, أم أنه رمز لحرية عشرات الملايين من الأفارقة المساكين الذين جرى خطفهم وجلبهم بالقوة إلى “الجنَّة الأمريكية” للعمل الشاق حتى الموت من أجل تحقيق “الحلم الأمريكى” ؟.
إنها لمهزلة كبرى أن يُقام تمثال “الحرية” على جثث وجماجم عشرات الملايين من البشر تمت إبادتهم جماعياً بشكل لم يحدث مثله لحيوانات الغابات.. بل لو حدث معشار هذه الإبادة أو واحد بالمئة منها فقط ضد الحيوانات، لأقامت جمعيات الرفق بالحيوان فى الغرب الدنيا ولم تقعدها, أما إبادة مائة مليون هندى أحمر فهو أمر “يؤسف له”, على حد زعمهم, ولكنه كان “ضروريًا” لأمن البلاد, بل كان أبو “الحرية” الأمريكية المزعومة,” جورج واشنطن” نفسه يملك ثلاثمائة عبد وجارية فى مزرعته الخاصة ، ولم يحرر منهم واحداً قط.
وفي النهاية نقول, لو كتب لتمثال” الحرية” أن ينطق, فان أول شيئ سيطالب به هو تدميره تدميرا شاملا, لأنه لا يقبل الاهانة التي يتعرض لها كل يوم, بل كل دقيقة من قبل من يشاهده ويعرف تاريخ البلاد الموجود فيها, وحتى من الأمريكان أنفسهم.
والى الادارة الأمريكية المصطنعة نقول, مهما طال الزمان أم قصر فانكم الى زوال كباقي الدول التي استعمرت دولا أخرى, هكذا علمنا التاريخ, وسينصفنا ولو لمرة واحدة.
د. صلاح عودة الله-القدس المحتلة