في قريته كفر نعمة ووري جسد المفكر ابو هادي .. ابو زيد حموضة
فلسطين المحتلة .. نابلس
21/8/2015
خرج سكان قرية كفر نعمه الجميلة، بقضها وقضيضها، ليشاركوا تشييع جثمان ابنهم البار العلامة والمفكر
علي خليل حمد ((ابو هادي ))
في التاسع عشر، من اب، 2015
وذلك بالمشاركة مع الكثير من الرموز الوطنية والثقافية والدينية والأكاديمية من ربوع الوطن وخاصة مدينة نابلس التي عّلم بها، وتزوج منها، وانجب ابنائه، وحاضر، واخرج بها عصارة أفكاره في قرابة ما يزيد عن 42 مؤلفا، وعشرات الكتيبات ومئات المقالات، وتبوأ بها اعلى منصب تربوي كمشرف رياضيات في مكتب التربية، ومكث بها على ما ينيف أل 40 عاما عايش بها السلطات الاردنية والاحتلالية والفلسطينية.
سجي جسد مفكرنا الكبير في قريته الساحرة كفر نعمة المتموضعة على ظهر ربوة جميلة تحيطها التلال والوديان من كل حدب وصوب، ودفن قرب لحدي والدته ووالده في حديقة بيتهم العتيق المحاط بالحقول الغناء، المتدرجة فوق بعضها كالحدائق المعلقة، المليئة باللوز والليمون والمشمش والرمان والتين والزيتون، والمسنودة بجدر متكئ عليها عشوائيا الكثير من أصص الفل والياسمين والورد والصبار المختلف أشكاله وألوانه، لكن كثرة المعزين الجالسين في تلك الحقول وهول المصاب منعنا من التمتع بجمالية الموقع المطل على واد سحيق مليئ بالصبار مقابل هضاب اخرى متجرثمة من أوكار المستوطنين الغرباء.
ربما البيئة المحيطة بنشأة أبي هادي جعلته يحمل الشئ وضده، التي جعلت منه العاشق والحاقد بآن كوحدة وصراع الاضداد؛
فهو العاشق الولهان لبلده وبيئته التي ترعرع بها، مما دفعه صديقا حميما للبيئة التي طالما كتب عنها ودافع عنها وبحث عنها في كتابات الادباء والمفكرين، كون البيئة من وجهة نظره هي الشئ الجميل الباقي في حياتنا ولم تفسد بعد، وكون الطبيعة هي المرجعية الاساس للعلم، لكن كلا الارض والطبيعة سرقتا من سماسرة الارض وغرباء المستوطنين وجنود الاحتلال.
أما صفة الحقد عنده لا تظهر الا في تحدثه عن الحركة الصهيونية وعملائها، التي ارتكبت ولا زالت، موجات التطهير العرقي بحق شعبنا وأرضه. ولهذا السبب، وبوعي عميق ما بعده وعي، اسند لنفسه مهمات وطنية شاقة لا يقوى عليها أحد، غير مفكر حكيم ومخلص في انتمائه لها، وهي البحث المضني والتدقيق في هويتنا الوطنية المراد اذابتها وطمسها، والدفاع المستميت، فكريا وعقائديا، عن الارض الفلسطينية وبيئتها المراد تهويدها ومصادرتها واعطائها لمن لا يستحق، والبحث عن الجيد والمبدع في تاريخنا للرد على زيف رواية المحتل. فهو أركيولجست وانثروبولجست في آن، يبحث عن القناة المطمورة في تاريخنا كباحث عن الآثار، وباحث عن أصول وجذور الشعب الفلسطيني ليكشف عوار رواية الآخر وزيفها.
وعرفانا مني لمعلمي أبي هادي فقد استبد بي الفضول لمعرفة بعض المعلومات عن قريته الوادعة كفر نعمه التي يعزى لاسمها بعض الدلالات.
فكلمة ” كفر ” هذه الحروف الثلاثة ( ك ف ر ) تعني الستر والإخفاء، أما الكَفر : ( بفتح الكاف ) هي الأرض البعيدة عن العمران ، المستورة غير المنظورة للناس لبعدها عن المناطق المأهولة عادة، والكُفر : القرية أو المزرعة أو الحقل ، لكن اسم القرية ” كفر نعمة ” أي بيت نعمة ، او قرية نعمة النائية البعيدة عن العمران ، نسبة الى امرأة حملت هذا الاسم ، وقد اشتركت في هذه الكلمة ” كفر ” بعض القرى في قضاء رام الله ، مثل : كفر مالك وكفرعين ، وفي بلاد الشام كثر من القرى التي تبدأ بهذه اللفظة ” كفر ” .
ويقال أن عُمر قرية كفر نعمة تجاوز ثلاثة آلاف عام، بعض الدلائل، أنه وجد بها قطع فخارية تعود إلى العصر الحديدي الثاني ( 1000 – 800 ق.م ) ، كما أكد ذلك كتاب ” المسح الأثري للأراضي الجبلية لبنيامين”
عند خروجنا من تخوم القرية، وتركنا أبو هادي يرقد بسلام تحت التراب، كنا د. يوسف عبد الحق، وم. زياد عميرة، وسائد ابو حجلة، وهاشم الكوسا وأنا، قد استبد بنا الصمت، مطرقي رؤسنا، مفكرين، كل على حدة بالجانب المضئ وذكرياته مع أبي هادي الذي لا نعرف هل هو الذي تركنا وحيدين نصارع معمعان الحياة وجبروتها، أم نحن الذين تركناه يكتشف العالم الآخر ليكتب لنا فصلا جديدا عن عالم الابحار في المجهول ليرج يقين السواد الاعظم بمشاهداته ورؤاه الخاصة.
لكن كلنا ثقة أن أبي هادي يجيد فن التجديف للضفة الاخرى رغم هزال جسده، وأن عقله وروحه لازالت تحوم حولنا ودعاباته نتناقلها لأبنائنا.
الستاره لم تسدل بعد وأبا هادي لا زال حيا في وجداننا وقلوبنا