التأمين التكافلي الاسلامي وآفاقه المستقبلية
Posted on سبتمبر 21, 2013 by حسين عبد المطلب الأسرج
التأمين التكافلي أو التأمين على الأشخاص نوع من أنواع التأمين الإسلامي الذي يشمل جميع أنواع التأمين التي تتوافر فيها أسس وشرط هذا التأمين ، وقد قسم الباحثون التأمين الإسلامي إلى تأمين على الأشياء وتأمين تكافلي أو تأمين على الأشخاص .وقد اعتاد الكاتبون في التأمين الإسلامي على تسمية التأمين الإسلامي ، أي الذي تتفق أحكامه مع الشريعة الإسلامية ، بالتأمين التكافلى، أو التأمين التبادلي ، أو التأمين التعاوني ، وهذه التسمية تعني أن أهم أسس التأمين الإسلامي هو التعاون أو التكافل ، أو التبادل. فالتعاون والتكافل من أهم أسس التأمين الإسلامي ، ولكنه ليس الأساس الوحيد ، ثم إن لهذا التعاون في نظر الشريعة الإسلامية ضوابط وشروطاً ، لا يكون التأمين إسلامياً إلا بتوافرها ، وعلى كل حال فإنه يمكن أن تضاف كلمة الإسلامي إلى عبارة التأمين التعاوني أو التكافلي للتعبير عن هذا المعنى ، أي أن التعاون أو التكافل من أهم أسس التأمين ، غير أنه يخضع للضوابط الشرعية.[sup][1][/sup]وقد اتصل التأمين بالفقهاء المسلمين للمرة الأولى في القرن التاسع عشر ولعل أول فقيه تحدث عن التأمين بصيغته المعهودة اليوم هو العلامة محمد أمين ابن عابدين المولود سنة 1784م. وقد عرف المسلمون عقد التأمين عندئذٍ من البحارة الأوروبيين إذ كانت سفنهم يغطيها التأمين البحري الذي يسمى في ذلك الزمن سكيوريتيه (بالفرنسية) وأشتهر عند المسلمين باسم “سوكره”، فقال فيه ابن عابدين “إذا عقد في بلد إسلامي كان عقد معاوضة فاسد لا يلزم الضمان به لأنه التزام مالا يلزم شرعاً وهو باطل عند الأحناف”. [sup][2][/sup] وقد اختلف الفقهاء منذ ابن عابدين في حكم التأمين فمنهم من أجازه بلا تحفظ وهم قلة قليلة، ومنهم من أجاز أنواعاً منه حتى لو كان على صفة التأمين التجاري إلا إن جمهورهم منذ ابن عابدين قد منع التأمين التجاري وأجاز ما يسمى التأمين التكافلى.
والتأمين لغة: [sup][3][/sup]من الأمن ضد الخوف حيث يعطي هذا العقد الأمن ، ويراد به طمأنينة النفس وسكونها بتوفر أسباب الطمأنينة ، وعقد التأمين هو الذي يحاول أن يعطي الطمأنينة والأمان لمن يريده ويكون طرفاً فيه.
التأمين في اللغة العربية مشتق من الأمن وهو طمأنينة النفس وزوال الخوف. وله معان:منها إعطاء الامان، مثل تأمين الحربي اذا نزل في بلاد المسلمين لأمر ينصرف بانقضائه، ومنها التأمين على الدعاء وهو قول آمين أي إستجب
والتأمين اعطاء الأمن (كما ان التعليم اعطاء العلم) ومن هنا جاء معناها في المصطلح المالي المعاصر فهو النشاط الذي يحصل فيه تأمين الأفراد والشركات عن بعض ما يخافون من المكاره مقابل عوض مالي فهو معنى جديد وان كان اشتقاقاً صحيحاً من كلمة أمن.
وفي الاصطلاح القانوني: هو عقد بين طرفين ، الأول يسمى (المؤمن) ، والثاني يسمى (المؤمن له ) بمقتضاه يحصل (المؤمن له ) على تعهد لصالحه أو لصالح غيره من المؤمن إذا ما حدث حادث معين وبمقتضى هذا التعهد يلتزم (المؤمن) بتقديم أداء معين إلى (المؤمن له) لقاء قسط أو أقساط معينة يؤديها (المؤمن له) إلى (المؤمن) في الأوقات المتفق عليها.
التعريف الاقتصادي : يمكن تعريف التأمين من الناحية الاقتصادية بأنه : “أداة لتقليل الخطر الذي يواجهه الفرد عن طريق تجميع عدد كافٍ من الوحدات المتعرضة لنفس ذلك الخطر (كالسيارة والمنزل والمستودع…الخ) لجعل الخسائر التي يتعرض لها كل فرد قابلة للتوقع بصفة جماعية، ومن ثم يمكن لكل صاحب وحدة الاشتراك بنصيب منسوب الى ذلك الخطر”.
وهناك العديد من الشواهد الدالة على إقرار الشريعة للفكرة الاجتماعية والفنية للتأمين التكافلى على النحو التالي :[sup][4][/sup]
1- من القرآن الكريم:
يقول تعالى: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } سورةالمائدة: من الآية2.
ويقول تعالى: { وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } سورةالعصر الآيات 1-3
فالآيات التي تحث على التعاون في شتى المجالات، تدل على أن الإسلام دين التعاون والتراحم، فالخالق سبحانه أمرنا بالتعاون على الخير ومحاربة الشر، وأوجب على الناس أن يعين بعضهم بعضاً في ميادين الحق والخير والبر .
2- من السنة النبوية:
أ- قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة“ رواه مسلم.
ب- قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه“رواه مسلم.
ج- وفي قولـه صلّى الله عليه وسلّم: ”إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم“ (أرملوا: فني طعامهم أو قارب).فهذه صورة مثالية للتكافل والتعاون، وفي عمل الأشعريين دليل واضح على التأمين التكافلى أيده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله عنهم إنهم مني وأنا منهم.
ويقوم نظام التأمين التكافلى الإسلامي على مجموعتين من الأسـس:
أسـس فقهيـة ، وأخرى تعاونيــة ، وفيما يلي نبذة موجزة عن طبيعة كلاً منهما : [5]
1 الأســـس الفقهيـة لنظـام التأمين التكافلى الإسلامي ، وتتضمن :
أ- يعتبر التأمين التكافلى الإسلامي من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار والإشتراك في تحمل المسئولية عن نزول الكوارث وذلك عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية تخصص لتعويض من يصيبه الضرر.
ب- خلو التأمين التكافلى من الربـا بنوعيـه ربما الفضل وربـا النسيئـة فليست عقود المساهمين ربويـة ولا يوظفون ما جمع من الإشتراكات في معاملات ربويـة.
ج- أنه لا يضر جهل لمساهمين في التأمين التكافلى بتحديد ما يعود عليهم من النفع لأنهم متبرعون فلا مخاطرة ولا غرر ولا مقامرة.
د- الإستثمار الإسلامي لأموال المشتركين في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية وفي مجال الطيبات بعيداً عن الربـا.
2- الأســـس التعاونيـة لنظام التأمين التكافلي الإسلامي ، وتشمل:
أ.[size=9] التعـــــــــاون : يقوم النظام على أساس التعاون والتكافل والتضامن بين مجموعة من الإفراد لدفع الأضرار ومجابهة الحوادث .[/size]
ب.[size=9] خدمـة الأعضــاء : يهدف نظام التأمين التكافلىالإسلامي إلى خدمـة أعضائه والتي تتمثل في تأمينهم مـن المخاطـر عن طريـق تكافلهـم وتضامنهم في معاونــة من يصيبـه الضـرر منهـم ماليـاً ، وليس الهدف هو المتاجرة بتوفير الأمان وتحقيق الأربـاح .[/size]
ج.[size=9] العضوبـة المفتوحـة : يعتبر كل فرد عضواً مشتركاً مع الآخرين وليس مساهماً وما يقوم بسداده يعتبر تبرعاً منه عن رضـاء تام لتعويض من يصيبـه ضـرر ، وإذا لم يحدث ضرر فيظـل مالكاً لما دفعه بالإضافة إلى نصيبه مما يكون قد ساقه الله من رزق من عائد إستثمار الفائض ، ويمكن لأي فرد الإنضمـام في أي وقت .[/size]
د.[size=9] إستثمار فائض الإشتراكات : يستثمر فائض الإشتراكات في المجالات التي تجيزها الشريعة الإسلامية وبذلك تنتفي شبهة الربا،ومن أهم صيغ الإستثمار الإسلامي: نظام المضاربة والمشاركة والمرابحة والإستصناع والإجارة والسلم .[/size]
ه.[size=9] فائـض عمليـات التأمين : إذا أسفـرت عمليات التأمين عن فائض يـوزع على أعضـاء الجماعة التأمينية .[/size]
و.[size=9] الفصل بين أموال أصحاب الشركة وأموال الجماعـة التأمينيـة (المشتركين) يلزم أن تحتفظ شركة التأمين التكافلىالإسلامي بحسابات منفصلة لكل من أموال المؤسسين والمشتركين وتوزيع عائد إستثمار الأموال بينهما ، ولا يجوز للمؤسسين الإشتراك في فائض العمليات التأمينية.[/size]
ز.[size=9] المشاركة في الإدارة : من حق كل عضو في الجماعة التأمينية أن يرشح نفسه في إدارة نشاط الشركـة ، ولا يجوز أن ينفرد بإدارتها مجموعة مستقلة ويجوز أن يحصل مجلس الإدارة على مكافأة تخصم من الفائض قبل التوزيع .[/size]
ح.[size=9] تكوين الإحتياطيـات لمواجهـة العجز إذا تجاوزت التعويضـات : إذا تجاوزت التعويضات المدفوعة الإشتراكات المحصلة من المشتركين ، يمكن لمجلس الإدارة تغطية هذا العجز عن طريق الإحتياطيات المكونة من الفوائض قبـل التـوزيـع . [/size]
ط. تخضع الأنشطة والعمليـات للمراقبة الشرعية :للتأكد من أن كافة الأنشطة والمعاملات التي تقوم بها شركة التأمين الإسلامية تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية فيوجد في الشركة هيئة يطلق عليها أسم ” هيئة الرقابة الشرعية والتي تتكون من فريق من علماء المسلمين المؤهلين في الشريعة الإسلامية والإقتصاد والتأمين ، وتقوم هذه الهيئـة بالمراقبـة على تلك العمليات وتصـدر الفتـاوى المطلوبـة لتسيير العمــل .
ويعمل فى سوق قطاع التأمين الإسلامي أكثر من 60 شركة منتشرة أكثر من 20دولة العالم. وتتوقع سوق التأمين العالمية أن يصل حجم إجمالي الأقساط إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2010 . بينما قدرت وكالة التصنيف (موديز) أن إجمالي أقساط التأمين التكافلي بلغ أكثر من 2 مليار دولار حتى عام 2005 وأنها سترتفع إلى 7 مليارات دولار بحلول عام 2015 أما(ميركر أوليفر وايمن) فقدرت نمو الرقم خلال السنوات 10-15 المقبلة إلى ما بين 15-20 مليار دولار سنويا .[6]
وقد بلغ الحجم الإجمالي لسوق التأمين العربي حوالي 7 مليار دولار منها 2 مليار دولار لإعادة التأمين.[7]
وختاما فانه من الضروري إبراز المزايا التي يتمتع بها نظام التأمين التكافلى فنياً ومهنياً للاستفادة بها في المنافسة الخيرة في الواقع العملي، فضلا عن إبراز مرتكزات وأسس التأمين التكافلى في وثائق التأمين وبيان خصائصه بوضوح ، والعمل على إزالة الشبهات واللبس حتى لا يصاب المسلم بالحيرة فيما يأخذ وما يدع .كما يجب فانه ضرورة اتباع الأساليب الفنية العلمية المعاصرة في قياس المخاطر واحتمالات حدوثها وفي تقدير الاشتراكات ،فمن المسلم به أن طريقة وآلية الاشتراكات في نظام التأمين التكافلى تختلف عن طريقة حساب الأقساط في التأمين التجاري وكذلك طريقة وآلية حساب التعويضات وهذا وذاك أحدثه الالتزام بأحكام وضوابط الشريعة الإسلامية فلابد من العمل على تشجيع هذا التخصص وتوفير الإكتواريين الذين يعملون وفق أحكام الشريعة ومبادئها. ايضا ضرورة الاهتمام بتأهيل العاملين في مجال التأمين التكافلى ومواكبة كل جديد في هذا المجال، اهتمام الباحثين بالمستجدات في مجال التأمين وبيان حكم الشرع فيها .فمستقبل التكافل يرتكز على قدرتها التنافسية تجاه شركات التأمين التقليدي من جهة، وتكاملها مع شركات التأمين التكافلي من جهة أخرى. ولتحقيق ذلك لابد لها من تحويل التحديات التنافسية إلى فرص. فالمنافسة التجارية مشروعة بل مطلوبة لتحقيق الأهداف المرجوة من شركات التكافل إذا توافرت فيها كل من الوسائل والآليات المباحة شرعا،الشفافية والقيم الإسلامية والمساواة وتكافؤ الفرص والابتعاد عن الاستغلال،عدم الإضرار بالآخرين ولا السطو على حقوقهم المادية والمعنوية. وأمام ذلك تتجسد تحديات صناعة التكافل منها:توحيد المصطلحات الفنية،تطوير عناصر الموارد البشرية،تطوير منتجات التكافل وإعادة التكافل،تطوير استراتيجيات التسويق والترويج،انفتاح الأسواق ظل اتفاقية التجارة الحرة العالمية.