بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الثالثة من سلسلة وقفات مع دراسة التاريخ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخواني الاكارم في الحلقتين الماضيتين لعله اتضح لحضراتكم اني لا اقدم بحثا لكم في التاريخ ولم اخض في احداثه انما هدفت الى بيان منهج دراسي يعامل التاريخ وحوادثه ويفهم ويحلل على اساسه فالتاريخ يقوم على امرين مهمين :1-رواية الحدث وتسجيلها وهي وسيلة تثبيت الحدث ونقله والاخبار به وبدونها لا يكون تاريخ وهنا لا بد من التوثق من الرواية ومطابقتها للواقع والاستيثاق من نقلة الرواية والاخبار
وقد اشتهرت كتب القدماء بتجميع الروايات غثها وسمينها وصحيحها وسقيمها حتى لو كانت خرافات واوهام واهواء للرواة ومن هنا وجب اخضاع الروايات لعلم الجرح والتعديل .
2-تحليل التاريخ وهو ما كتبناه من ضوابط واسس في الحلقة الثانية السابقة فدراسة التاريخ تجمع بين هاذين الشقين الاستيثاق من الرواية والتوثق من الرواة ثم تحليل مادة الرواية بفهم وادراك وجهة نظر محدثيها وطباعهم وطبيعة ثقافتهم والعبر المستفادة من النجاح او الفشل والاستفادة من التجربة او الاعتبار والانتهاء وذلك حين تحلل الحدث بوجهة نظرك في الحياة استنادا الى عقيدتك وما انبثق عنها من مفاهيم ونظم .
ويبقى عندنا امر مهم في هذه الدراسة المنهجية لدراسة التاريخ وهومصادر التاريخ التي تلزم الدارس والباحث واولها :
القرءان الكريم فهو كتاب الله المنزل الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه ومن اصدق من الله قيلا فقد اشتمل القرءان الكريم على جانب قصصي ذكر لنا احوال امم وشعوب مركزا لنا على جوانب العبرة واحيانا التأسي والاقتداء خاصة بالانبياء والصالحين الذين امرنا بالاقتداء بهم في مسيرتهم العامة في الحياة لان وجهة نظر الانبياء في الحياة واحدة كونها تقوم على عقيدة واحدة (فبهداهم اقتده ).
ثانيا -السنة النبوية المطهرة (الصحيحة) فما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من اخباره عن الامم السابقة واحوالها يؤخذ على انه وحي موثوق والنبي سلام الله عليه لا ينطق عن الهوى انما هو وحي يوحى علمه شديد القوى .
ثالثا- ما صح نقله عن الصحابة الكرام ووافق منهج القرءان الكريم ولا ينافي الواقع لان بعضهم رضي الله عنهم قد يروي روايات كان متأثرا بها من خلفيته السابقة على اسلامه كمن اسلم من اليهود ومن النصارى الذين ترسخت في اعماقهم الروايات الكتابية المحرفة والشاذة التي كانت قبل الاسلام لا تقاوم الخرافة ولا تنفي الوهم بل كانت مؤهلة عقلياتهم لتصديقه لمجرد ان قال حبر او كاهن يحتل في عقليات البشر مكانة محاطة بهالة التقديس .وكذلك تعامل روايات التابعين رحمهم الله .فكما هو معروف عندنا في الاسلام لا قداسة لقول ولا عصمة الا لكتاب الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم من البشر وكما قال الامام مالك رحمه الله
كل احد يؤخذ من قوله ويرد الا صاحب هذا القبر) يقصد النبي صلى الله عليه وسلم . فما صحت نسبيه للنبي صلى الله عليه وسلم يسلم به وكل قول بعد ذلك يجب ان يخضع للنقد والتمحيص والتحليل ليقبل او يرد .
وبهذا النهج نستطيع تحرير تراثنا مما علق به من شوائب ودسائس بسوء نية او بحسن نية ونعود امة (الرواية والدراية ) امة تبينوا (يأيهاالذين ءامنوا اذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا عسى ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ).
رابعا- من المصادر الرئيسية التي سجلت حوادث التاريخ وايامه عند الاوائل وحتى اللاحقين (قصائد الشعر ) حيث وصف الشعراء الحوادث ومحدثيها وباسمائهم وصفاتهم مدحا وذما مع الانتباه ومراعاة اسلوب التفخيم والتضخيم والتهويل من المادح الغانم ومن الذام الهاجي الخاسر .
خامسا- تسجيلات المحاكم وطبيعة الاقضية والقضايا المنظورة والاحكام الصادرة .
سادسا- سجلات دور ومراكز الفتوى والمسيرة الفقهية المواكبة لحركة الامة في التاريخ لما يستجد ويطرأعليها من احداث وحوادث ومشكلات .
ونستفيد من النقطة الخامسة والسادسة وكذلك من متابعة الحركة الادبية والشعرية رؤية حركة المجتمع وما استجد عليه في مسيرة التاريخ فحياة مجتمع المدينة اختلفت عن حياة مجتمع دمشق واختلفت حياة الناس يوم انقيادهم لدمشق عن حياتهم في بغداد والاندلس وكذلك استنبول .
سابعا- كتب التاريخ المجموع بعد اخضاعها لعلم الدراية والرواية سواء كانت كتب تجميع الروايات او الكتب التحليلية لان ما من كاتب محلل الى ويخضع لوجهة نظر وخلفية معينة والتنبه هنا لهذا الامر مهم وخطير .
ثامنا- الرسائل والمراسلات بين الدول والجهات الرسمية وبين الافراد فهي مصدر معتبر .
تاسعا- المذكرات الشخصية مع مراعاة وجهة نظر الكاتب ومدى علمه واطلاعه واحاطته بالظروف والاحوال العامة والخاصة التي احاطت به فمذكرات الحاكم قطعا ليست كمذكرات الوالي وقطعا ليست كمذكرات الضابط وقطعا لا تستطيع مضاهاتها مذكرات الجندي فقد تأخذ مذكرات الجندي في حدث وتقدمه في اثباته على مذكرات السلطان ولكن تأخذ مذكرات السلطان وتقدمه عل مذكرات الجندي عند ارادتك معرفة السياسة والنوايا العامة .
عاشرا- تسجيلات الرحالة والمستكشفين وكتاب حملات الحروب والكتاب المرافقين لحملات الحج ورحلاته فتجد فيها دقة في الوصف لاحوال الشعوب والامم والطريق وتستنبط منها صورة الحياة وفروقها بين مجتمع واخر وبين مجتمع الكاتب نفسه .
واظن بمثل ما قدمنا في هذه الحلقات الثلاثة اننا نستطيع ان نحيي ونكمل مشروع ابن خلدون رحمة الله عليه الذي وضع اسسه في مقدمته الشهيرة لدراسة وكتابة التاريخ بطريقة منتجة لافادة العبركما هو المنهج القرءاني حين يعرض قصصه عن السابقين (لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب ).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .