بسم الله الرحمن الرحيم
معطلات التفكير
من المسلم به ان هناك ناحية ادراكية غريزية يشترك فيها الكائن الحي والانسان ارقى مخلوقات الله على ارضه وتبرز هذه الناحية جليا عندما ننظر الى الحيوان وهويتجنب في مرعاه بعض انواع الاعشاب والشجيرات المحتوية على مواد سامة ويميزها عن غيرها من الاعشاب والشجيرات النافعة حيث لم تعلمه امه او ابيه ولم يمتلك مختبرات تحليل ليصل الى النتائج ولكنه بما وضع ربه عز وجل من غريزة ميز رائحتها ففرق بين ضارها من نافعها وهذا ما نسميه (التمييز الغريزي) وهو درجة من درجات الادراك .
ولكن الانسان المكرم على العالمين اعطاه الله عز وجل القدرة على التفكير فاعطاه السمع والبصر والذوق والشم ومجسات الاحساس المنتشرة في جميع انحاء جلده والحواس اللازمة لادراك الواقع والاحساس به وجهازا عصبيا حساسا قادر على نقل احساساته بالوقائع المحيطة خارجيا وداخليا الى الدماغ الذي ميزه الله عزوجل عن ادمغة الحيوان بميزات عظيمة :-1- ميزة تخزين المعلومات وحفظها في ذاكرة تتسع لكميات هائلة من المعلومات والصور المتلقاة . 2- والميزة الاعظم قدرة هذا الدماغ على ربط تلك المعلومات المخزنة بما استجد من معلومات عن وقائع جديدة . 3- والقدرة الاعظم قدرة التفسير للوقائع عن طريق ربط المعلومات بعضها ببعض واصدار الاحكام على الوقائع او لها او لما يجب ان تكون عليه وهذا هو باختصار عملية العقل التي امتاز بها الانسان عن غيره من بقية المخلوقات فارتقى به من ملكه .
وكون هذه الميزة اختص بها البشر دون غيرهم في عالم الارض المرئي فلذلك عرف بعضهم الانسان ليميزه عن بقية الخلائق (الانسان : هو ذاك الكائن الحي المفكر ).
لقد استطاع هذا الانسان المفكر من خلال عيشه على الارض ان يتعامل بفكره وعقله مع معطيات موطن البشرية -الارض- فحرث وغرس واستطاع تدجين الحيوان والطير وجمعه في تجمعات وقطعان امتلكها لينتفع منها لبنا ولحما وشعرا وصوفا ووبرا وهجن منها ما يركبه او يستخدمه للنقل والحراثة وروض بعض الحيوانات للحراسة وما تم له ذلك الا بعد ان درس طبائعها واحوالها واصبحت عنده العلوم الاولى التي تناقلها عبر اجياله واورثها الى من بعده ولعلنا نجد من اقدم كتب التاريخ التي تكلمت لنا عن تفاصيل جليلة عن الحيوان وحياته وطبائعه وادوائه ودواءه كتاب
طبائع الحيوان لأرسطا طاليس) من العصر الاغريقي شمل فيه الاليف من الدواب ومتوحش البرية والطير ومخلوقات البحار .
ولما كانت نزعة حب التملك وحب السيطرة من الامور الغريزية في نفس الانسان وكان ايضا اجتماع البشر الى بعضهم البعض وعيشهم في مجتمعات بشرية ايضا امر غريزي كون النوع يتوق الى نوعه والجنس لا يأنس الى بجنسه فكان لا بد لهذه المجتمعات والتجمعات من قيادات تقودها ونظم وشرائع تعالج المجتمع وتضبط اجتماعه وسلوكه كجماعة وافراد .
ولما طال امد الوحي عن البشر الذي كانوا به يستنيرون وباحكامه يهتدون لجأ المتنفذون والمسيطرون الى الاستسلام لمنطلقات دوافع غرائزهم فرأوا ان الناس لا تستقيم طاعتهم الا لمن قهرهم ليكون رأيه النافذ وامره المطاع وهواه مقياس المخالفة والموافقة حتى وصل الامر ببعض الشعوب ان تجعل من اعضاء جسد الحاكم مقاييس للاطوال وما زال الناس يستعملونها لغاية يومنا هذا كالقدم والباع والبوصة .
واحتاج سلاطين الهوى على مر ازمان البشرية الى الغاء العقول ومنعها من التفكير الا فيما يرضي هواه فكان لا بد من نشوء طبقة كهنوت يلبسون ثوب العلم تارة وثوب الفلسفة تارة اخرى وثوب التعبد والتأله تارة ثالثة وحتى ان لزم الامر لبسوا ثوب السحر والخرافة متسلحين بالشعوذة والتخييل على اعين الناس ووظف هؤلاء بتلك الصفات جميعا ليكونوا سدنة معبد الهوى المقربين وما خلا منهم عصر من عصور البشرية حاشى عصور الانبياء الذين احتاجوا للمعجزات وايات الظاهرات لقهرهم وابطال حجتهم وسحرهم وكيدهم .
قدم معبد الهوى نظريات شتى في مجالات شتى من ابرزها نظريات الاعتقاد وبناء معتقدات الشعوب للاسهام في بناء عقلياتهم بناءا محدودا بحواجز يصعب اختراقها والخروج منها للابقاء على العقل سجينا داخل تلك الحواجز ونفسيات محطمة مستسلمة يقودها كهنة المعبد لطاعة مولى نعمتهم .
وكما استطاع كهنة معبد الهوى اخضاع الشعوب لاصحاب الهوى طوعوا ايضا الكتب السماوية باسلايب شيطانية تحريفا وتزويرا لما يخدم مصالحهم الدنيئة ومصالح صاحب الهوى الذي يرونه المنعم المتفضل عليهم فكان الاستبداد والظلم والطغيان هو اعظم معطلات التفكير لدى الانسان ولا يتم له امر او يستمر له وجود الا اذا مسخ الانسان وسلبه ارادته واسترق قدرته على الاختيار ولا يحصل له ذلك الا اذا اسر عقله ودمره اما بان يحوله اللى بهيم غرائزي التصرف شهواني السلوك لا مقصد له من العيش الا اشباع حاجاته وبعض مظاهر غرائزه المبقية له على حياة واما ان يزرع في تفكيره وعقله عقيدة ضالة تضله عن اتباع سواء السبيل .
هذا ولنا لقاء اخر بهذا الشأن بعون الله وتوفيقه.