ماذا يقول العلم والبيانات في فقر مصر وثرائها؟ بقلم:د.أحمد السيد النجار
يصنف البنك الدولي الدول حسب دخل الفرد فيها إلى دول فقيرة ويبلغ متوسط نصيب الفرد فيها من الدخل 1045 دولار فأقل في العام، ودول الدخل المتوسط المنخفض ويتراوح متوسط نصيب الفرد من الدخل فيها بين 1046 دولار و 4125 دولار في العام، ودول الدخل المتوسط المرتفع ويتراوح متوسط نصيب الفرد من الدخل فيها بين 4126 دولار و 12735 دولار في العام، ودول الدخل المرتفع ويزيد متوسط نصيب الفرد من الدخل فيها عن 12735 دولار في العام (World bank, World Development Indicators 2016, p. 52).
وتشير قاعدة بيانات البنك الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي المصري المحسوب بالدولار طبقا لسعر الصرف السائد قد بلغ 330,8 مليار دولار عام 2015 بما وضع مصر في المرتبة 32 على العالم في حجم الناتج (World Development Indicators database, World Bank, 22 July 2016). ووفقا لبيانات السكان في العام نفسه فإن متوسط نصيب الفرد من هذا الناتج تكون قد بلغت نحو 3675 دولار أي أن مصر تقع في مجموعة دول الدخل المتوسط المنخفض وبالتحديد في الشريحة الأعلى منها المرشحة لدخول مجموعة دول الدخل المتوسط المرتفع.
كما تشير تلك البيانات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي المصري المحسوب بالدولار طبقا لتعادل القوى الشرائية بين الجنيه والدولار قد بلغ 996,6 مليار دولار عام 2015 بما وضع مصر في المرتبة 22 على العالم(World Development Indicators database, World Bank, 22 July 2016). وبلغ متوسط نصيب الفرد من هذا الناتج نحو 11074 دولار في العام.
أما الناتج القومي الإجمالي المحسوب بالدولار طبقا لسعر الصرف السائد فقد بلغ في عام 2014 نحو 287,7 مليار دولار وبلغ متوسط نصيب الفرد منه نحو 3210، وهو يشير أيضا إلى أن مصر ضمن دول الدخل المتوسط المنخفض وهي تأتي في المرتبة 127 بين دول العالم في مؤشر متوسط نصيب الفرد من الدخل المقاس بهذه الطريقة. أما الناتج القومي الإجمالي المحسوب بالدولار طبقا لتعادل القوى الشرائية بين الجنيه والدولار فقد بلغ نحو 920,7 مليار دولار عام 2014. وبلغ متوسط نصيب الفرد منه نحو 10280 دولار في العام وتأتي مصر في المرتبة 103 بين دول العالم في مؤشر متوسط نصيب الفرد من الدخل المقاس بهذه الطريقة. (راجع: World bank, World Development Indicators 2016, p. 49).
والمشكلة الحقيقية التي تخلق الفقر في مصر هي سوء توزيع الدخل. وتشير بيانات تقرير الثروات العالمي الصادر عن Credit Suisse Invesment Banking (تقرير عام 2014 صـ 33) إلى أن أغنى 10% من السكان في مصر كانوا يملكون نحو 61% من الثروة في مصر عام 2000. وارتفعت حصتهم إلى 65,3% عام 2007. وفي عام 2014 ارتفعت حصتهم من الثروة إلى 73,3% من إجمالي الثروة، بما وضع مصر بين أسوأ بلدان العالم في توزيع الثروة. وهذا يعني أن سوء توزيع الثروة يتزايد حتى بعد الثورة، وأن نمط الاستحواذ على الثروات وتقسيمها بصورة غير عادلة لم يتغير بعد.
وهناك دول تأتي خلف مصر في متوسط دخل الفرد بكل طرق القياس وتحقق في الوقت نفسه نهوضا اقتصاديا قويا ومنها فيتنام التي يبلغ متوسط دخل الفرد فيها 1890 دولار في العام طبقا لسعر الصرف السائد، ونحو 8560 دولار في العام طبقا لتعادل القوى الشرائية، أي أقل كثيرا من مصر في الحالتين. ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي ( World Economic Outlook, October 2016, p. 232) حقق الناتج المحلي الإجمالي لفيتنام نموا جيدا بلغ 6,4% سنويا في المتوسط خلال الفترة من عام 1998 وحتى عام 2016. أما الهند فقد بلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل فيها 1570 دولار في العام طبقا لسعر الصرف السائد، ونحو 5630 دولار للفرد طبقا لتعادل القوى الشرائية وهي بدورها أقل كثيرا من مصر في الحالتين. ويحقق الناتج المحلي الإجمالي للهند (وفقا لصندوق النقد الدولي) نموا حقيقيا بلغ 7,1% في المتوسط سنويا خلال الفترة من عام 1998 حتى عام 2016 رغم أنها دولة مستوردة كبيرة للنفط وعانت كثيرا من ارتفاع أسعاره في تلك الفترة.
إذن الفقر في مصر يأتي من سوء توزيع الدخل الناجم عن ضعف سياسات التشغيل وبقاء قسم كبير من قوة العمل في حالة بطالة وعدم القدرة على كسب العيش بكرامة وعلى المساهمة في زيادة الناتج، وناجم أيضا عن انحياز النظام الضريبي الذي يحصل على ناتج الجباية الضريبية من الطبقة الوسطى ومشروعات الدولة وحتى الفقراء، وناتج أيضا عن ضعف الإنفاق العام على الصحة والتعليم الذي من المفترض أن يتيح خدمات تعليمية محترمة للفقراء وللشرائح الدنيا والوسطى من الطبقة الوسطى، وتخبط سياسة الدعم التي توصل قسم كبير منه لغير مستحقيه. أما حالة النمو الاقتصادي فهي ناتجة عن ضعف كفاءة السياسات الاقتصادية وبالذات سياسات الاستثمار، فضلا عن انتشار الفساد المعوق للأعمال لدى البيروقراطية المصرية بكبارها وصغارها (فساد القمم والقواعد) حيث تبقى تلك البيروقراطية قادرة على تدمير فرص الاقتصاد في النمو والانطلاق إذا لم يتم نزع صلاحياتها في تخصيص الأراضي للتنمية الصناعية والزراعية والخدمية واصدار التصاريح والتراخيص والموافقات الخاصة بتأسيس الأعمال والتخارج منها حيث تسئ استخدامها وينتشر الفساد في قطاعات كبيرة منها بما يستدعي نقل الجانب الحيوي من تلك الصلاحيات لجهاز جديد محدود العدد وعالي الكفاءة وخاضع لرقابة صارمة.
أحمد السيد النجار