العقوبات في الاسلام زواجر للناس وجوابر للمؤمنين
.قال الله تعالى:{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}سورة النساء الآيتان17-18.
قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره:[قوله تعالى:{لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} السوء في هذه الآية و(الأنعام){أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ}يعمُّ الكفرَ والمعاصي،فكل من عصى ربه فهو جاهلٌ حتى ينزع عن معصيته.قال قتادة:أجمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أن كل معصيةٍ فهي بجهالة،عمداً كانت أو جهلاً ].
وقال الألوسي رحمه الله في تفسيره:[{بِجَهَالَةٍ}أي بسببها،على معنى أن الجهالة السبب الحامل لهم على العمل كالغيرة الجاهلية الحاملة على القتل وغير ذلك،وفسرت الجهالة بالأمر الذي لا يليق،وقال ابن عطية:هي هنا تعدي الطور وركوب الرأس لا ضد العلم،ومنه ما جاء في الخبر (اللهم أعوذ بك من أن أجهل أو يُجهل عليَّ)].
قال الإمام البخاري في صحيحه:[باب الحدود كفارة]ثم ذكر حديث عبادة رضي الله عنه وكان شهد بدراً وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه
بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتانٍ تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف،فمن وفَّى منكم فأجره على الله،ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا،فهو كفارةٌ له،ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله، فهو إلى الله إن شاء عفا عنه،وإن شاء عاقبه.فبايعناه على ذلك)رواه البخاري ومسلم.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه ( أن امرأةً من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا،فقالت يا نبي الله أصبت حداً فأقمه عليَّ،فدعا نبيُ الله صلى الله عليه وسلم وليها،فقال أحسن إليها،فإذا وضعت فأتني بها،ففعل فأمر بها نبيُ الله صلى الله عليه وسلم،فشُكَّت عليها ثيابها،ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها،فقال له عمرُ تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت!فقال:لقد تابت توبةً لو قُسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم،وهل وجدت توبةً أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى)رواه مسلم.
وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
من أصاب ذنباً فعوقب به فى الدنيا،فاللَّه أكرم من أن يثني العقوبة على عبده فى الآخرة)رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه. وهذا صريح في أن عقوبة الدنيا من الإمام أو نائبه على ذنب معين تسقط عقوبة الآخرة ، ولذلك كان كثير من المسلمين يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقرون بالجرائم التي فعلوها ليوقع عليهم الحد في الدنيا حتى يسقط عنهم عذاب الله يوم القيامة فيحتملون آلام الحد والقصاص في الدنيا لأنه أهون من عذاب الآخرة .
ويبقى ان التوبة واجبة على المسلمين سوءا اقيم عليه الحد ام لم يقم كتعطيل الحدود في زماننا وكانعدام وجود المخول شرعا والمنوط به اقامتها كما في زماننا..فقد قال القرطبي رحمه الله في تفسيره:- [وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً}أمرٌ بالتوبة وهي فرضٌ على الأعيان في كل الأحوال وكل الأزمان] وقال ايضا في موضع اخر من تفسيره اي القرطبي:[اتفقت الأمة على أن التوبة فرضٌ على المؤمنين؛لقوله تعالى:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ}.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
إن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر)رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال الإمام النووي:[وقد أجمع العلماء رضي الله عنهم على قبول التوبة ما لم يُغرغر]شرح النووي على صحيح مسلم.
جنبنا الله واياكم المعاصي والاثام ورزقنا ربي التوبة النصوح والسلام عليكم ورحمة الله.