بسم الله الرحمن الرحيم
تغيير المنكر مهمة كل عاقل
إن من أعظم الواجبات الشرعية التي فرضها الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و هو سياج يحفظ الله تعالى به الأمة والمجتمع ؛ فتسير السفينة آمنة ؛ أما إذا ترك فإن السفينة تغرق، والمجتمع يتلوث ويتلطخ بأوحال الرذيلة والمعصية والفاحشة والفساد ؛ هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي ضيعه الكثيرون اوجبه الله تعالى على الامة والافراد والجماعات والتكتلات ، فقال الله تعالى: [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ].( آل عمران: 104).
والمنكر داء خطير ومعد سريع الانتشار، يفسد النفوس والعقول ومنهج الحياة ، ويجلب للخلق غضب الله تعالى وسخطه وعقابه ، و اضعف درجات الايمان ان تنكر المنكر بقلبك.. فمن استمرأ رؤية المنكر ولم ينكره او يكرهه بقلبه فليس بقلبه ذرة ايمان..
فما بالك بمن يامر به ويشيعه في المؤمنين؟؟ وما بالك بمن جعلوه سننا وقوانين مرعية تُسير بها حياة الناس والمجتمع ؟! الا ان يكون عدوا لله والمؤمنين..!!
فالمنكر لا تقره الشريعة بحال ، فلا بد من تغييره، ، ولكن تغييره واجب على مراتب ودرجات ، وذلك انه لما كان الناس يختلفون في قدراتهم على ذلك ، فإن الشارع الحكيم رتب إنكار المنكر على حسب قدرة الشخص ، ولكن لا يعذر أحد من المكلفين بترك الإنكار مهما يكن من أمر، فيجب عليه أن يغيره بيده ان كان من اصحاب القرار والسمع والطاعة والقرار، فإن لم يستطع فبلسانه ان كان من اصحاب القلم و الكلمة المسموعة ، فإن لم يستطع فبقلبه ان كان من عامة الناس، وهذا أقل الأحوال؛ لأن كل إنسان يستطيعه ولا يعجز عنه إلا من قد مرض قلبه وانتكس. وذلك لما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)
وفي رواية: ((وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)). ومعنى أضعف الإيمان أي أقله ثمرة ؛ كما قال النووي.رحمه الله.
وقال ابن حزم في المحلى: وذلك أضعف الإيمان أي ليس وراء ذلك من الإيمان شيء.
وقال السندي: والاكتفاء بالكراهة بالقلب أضعف الإيمان، أي أعماله المتعلقة بإنكار المنكر في ذاته، لا بالنظر إلى غير المستطيع، فإنه بالنظر إليه هو تمام الوسع والطاقة وليس عليه غيره.
وقال العز بن عبد السلام: ولم يذكر ذلك للذم، وإنما ليعلم المكلف حقارة ما حصل في هذا القسم فيرتقي إلى غيره.
وفي تحفة الأحوذي على شرح الترمذي قال: وذلك أن الإنكار بالقلب وهو الكراهية" أضعف الإيمان" أي شعبه أو خصال أهله، والمعنى أنه أقلها ثمرة. فمن غير المراتب مع القدرة كان عاصيا، ومن تركها بلا قدرة أو لكون المفسدة أكبر وكان منكرا بقلبه فهو من المؤمنين. وقيل: معناه وذلك أضعف زمن الإيمان؛ إذ لو كان إيمان أهل الزمان قويا لقدر على الإنكار القولي والفعلي، ولما احتاج إلى الاقتصار على الإنكار القلبي؛ إذ ذلك الشخص المنكر بالقلب فقط أضعف أهل الإيمان، فإنه لو كان قويا صلبا في الدين لما اكتفى به.وأما ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنه سبب من أسباب انتشار الفساد، وضياع العفة والطهارة من المجتمع؛ فإن الفاسقين يتطاولون على أعراض المسلمين وعلى احكام دينهم وشريعتهم، وأول ما دخل النقص على بني إسرائيل هو من تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ قال الله تعالى: (( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ )) (المائدة: 78، 79).اه).
وعليه اخواني الاكارم، فان تغيير المنكر والامر بالمعروف والدعوة الى الخير ونبذ الشر، واجب العقلاء والعلماء في اي مجتمع ، وقوام الحياة الصالحة الكريمة لاي امة ، قال الله تعالى:-
(
وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) المائدة. وقد جعل الله تعالى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب صفة الخيرية في هذه الامة فقال سبحانه: ({كنتم خير أمَّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [سورة آل عمران: آية 110] . وقد جعلها الله تعالى وصفا مستقرا للمؤمنين والمؤمنات،، كما في قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [سورة التوبة: 71]. وجعلها ربي وصية واجبة يوصي بها جيل الاباء الاجيال من الابناء كما في في وصية لقمان: {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك} [سورة لقمان: آية 17]، وجعل هذه المهمة من شروط التمكين لهذه الأمة فقال: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} [سورة الحج: آية 41] لقد قال الله تعالى في معرض حديثه عن وصف هذه الأمة: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [سورة آل عمران: آية 110]، فلا يسمح لأحد أن يخرج جهارًا على قيم المجتمع الإسلامي، ممّا يحقق السيادة المطلقة لقيم الإسلام، وبذلك تأمن سفينة المسلمين من الغرق في لجج المعاصي والمفاسد الأخلاقية والاجتماعية التي هي سبب الهلاك والدمار والزوال، وتأمن من العقوبة الربانية التي تنزل بالأمة إذا تخلت عن هذا الواجب الاجتماعي الجماعي، لذا نلاحظ أنّ الأمم السابقة استحقت غضب الله ونقمته عندما تركت النهي عن المنكر، فغدا المفسدون يرتعون ويسرحون ويمرحون في قيم الأمة ويتلاعبون بمفاهيم وافكار دينها كما يشاؤون، قال تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [سورة المائدة: آية 78 -79]، ولو سلكت هذه الأمة هذا الطريق لحلّ بها ما حلّ بمن قبلها من امم المعاصي والخذلان والفجور. عن ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: إِنَّ أَوَّلَ مَا دخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّه كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّه وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَكَ، ثُم يَلْقَاهُ مِن الْغَدِ وَهُو عَلَى حالِهِ، فَلا يَمْنَعُه ذلِك أَنْ يكُونَ أَكِيلَهُ وشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ إِلَى قوله: فَاسِقُونَ [المائدة:78- 81]. ثُمَّ قَالَ: كَلَّا، وَاللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، ولَتَأْطرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، ولَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ ليَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ) رواه أَبُو داود والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ. هَذَا لفظ أَبي داود.ولفظ الترمذي: قَالَ رَسُولُ الله ﷺم: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ في مَجَالِسِهمْ، وَوَاكَلُوهُمْ، وَشَارَبُوهُمْ، فَضَربَ اللهُ قُلُوبَ بَعضِهِمْ بِبَعْضٍ, وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ، فَجَلَسَ رَسُولُ الله ﷺ وكان مُتَّكِئًا فَقَالَ: لا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأطرُوهُمْ عَلَى الحَقِّ أطرًا.
و ينبغي لمن يتصدى لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون عالمًا بالأمر المأمور به أو المنهي عنه، فالعلم إمام العمل كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه، وأكد هذا المعنى عمر بن عبد العزيز رحمه الله إذ قال: ((مَنْ عَبَدَ الله بغير علم ٍكان يفسد أكثر ممّا يصلح)) . يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: (فلا بدّ من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، ولا بدّ من العلم بحال المأمور وحال المنهي). ( انظركتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للإمام ابن تيمية رحمه الله ص68 ). وقال الامام سفيان الثوري رحمه الله : (لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال: رفيق فيما يأمر رفيق فيما ينهى، عدلٌ بما يأمر عدلٌ فيما ينهى، عالمٌ فيما يأمر وعالمٌ فيما ينهى) انظر كتاب جامع العلوم والحكم 1/325. وقال الحكماء من اهل العلم:- لا بدّ للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يتمثل بثلاث خصال: العلم قبله، والرفق عنده، والصبر بعده. قال ابو بكر رضي الله عنه في خطبته: (أيّها الناس إنّكم تقرؤون هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم} [سورة المائدة: آية 105] وإنّكم تضعونها على غير موضعها، وإنّي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنّ النّاس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابٍ منه))(أخرجه الترمذي في كتاب الفتن وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد في مسند أبي بكر وابن ماجه في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ). وختاما اعتصموا ايها المؤمنون بالله تعالى، فانه قال:- [وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ].
اللهم اجعلنا ممن يامرون بالمعرف ويحبونه ويعملون به، و يكرهون المنكر ويغيرونه وينكرونه كما تحب وترضى يا ربنا. واجعلنا ممن اعتصم بك فعصمته والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.