الوقف...
هل كان هناك اوقاف في عهد النبوة والصحابة؟
الجواب:-
نعم ..كان الوقف بداية مشروعيته من زمن النبي سلام الله عليه واله وصحبه..وقد استلهم الصحابة فهمه من عموم نصوص الكتاب الكريم التي حثت على البر والانفاق في وجوه الخير ..وقد وقف الصحابة الكرام من اطيب وازكى اموالهم بتشع النبي الكريم سلام ربي وصلاته عليه واله وحثه لهم وثناءه عليهم رضوان الله عليهم اجمعين..فقد أخرج البيهقي عن جابر أنه قال: لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف.
وجاءت عدة احاديث في ذلك ومنها: وقف عثمان رضي الله عنه لبئر رومة وجعلها عامة للمسلمين. وذلك مذكور في صحيح الامام البخاري وغيره فقد قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد:-فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ يُوَسّعُ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ الْجَنّةُ قَالَ فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مِنْ يَهُودِيّ بِأَمْرِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَبّلَهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَ الْيَهُودِيّ يَبِيعُ مَاءَهَا. وَفِي الْحَدِيثِ أَنّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ اشْتَرَى مِنْهُ نِصْفَهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ثُمّ قَالَ لِلْيَهُودِيّ اخْتَرْ إمّا أَنْ تَأْخُذَهَا يَوْمًا وَآخُذَهَا يَوْمًا وَإِمّا أَنْ تَنْصِبَ لَك عَلَيْهَا دَلْوًا وَأَنْصِبَ عَلَيْهَا دَلْوًا فَاخْتَارَ يَوْمًا وَيَوْمًا فَكَانَ النّاسُ يَسْتَقُونَ مِنْهَا فِي يَوْمِ عُثْمَانَ لِلْيَوْمَيْنِ فَقَالَ الْيَهُودِيّ أَفْسَدْتَ عَلَيّ بِئْرِي فَاشْتَرِ بَاقِيهَا فَاشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةِ آلَافٍ .
وكذلك حديث أنس عند البخاري ومسلم وغيرهما، قال: (لما نزلت (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) قام أبو طلحة فقال يا رسول الله: إن الله يقول: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برها وذخرها فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخٍ بَخٍ، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين.
وكذلك ايضا ما أخرجه البخاري في الشروط (2737) ومسلم في الوصايا (2764) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب أصاب أرضاً بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قطُّ أنفسَ عندي منه فما تأمر به؟ قال: إن شئت حبستَ أصلها وتصدقت بها.
قال: فتصدق بها عمر أنه لا يُباع أصلها ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، ولا جُناح على من وليَها أن يأكل منها بالمعروف ويطعمَ غير متموّل). وفي رواية: (احبس الأصل وسبِّل الثمرة).
وقد ذكر الإمام الدهلوي في كتابه حجة الله البالغة (أن الوقف شرع لمصالح لا توجد في سائر الصدقات والتبرعات، فإن الإنسان ربما يصرف في سبيل الله مالاً كثيراً ثم يفنى بالإنفاق فيحتاج المصرف الذي خصص بالنفقة تارة أخرى وتجيء أقوام آخرون لم ينلهم شيء من المال فلا أنفع ولا أحسن من الوقف الذي يبقى أصلُه ويصرف ريعه ومنافعه على المستحقين).
وهذا هو الدافع الذي جعل عمر رضي الله عنه لما اختلف الصحابة في قسمة الأراضي المفتوحة كسواد العراق وغيرها يرجح عدم قسمتها على المقاتلين والفاتحين وحبسَ رقبتها على المسلمين، وفرضَ الخراج على أهلها العاملين فيها، لتبقى مدداً للأجيال الإسلامية إلى قيام الساعة ما حافظوا على حرمة الوقف وأمانة الدين.
وهكذا استمرت مسيرة الوقف في الامة عبر اجيالها المتعاقبة لتشكل معلما حضاريا تشريعيا اختصت به هذه الامة دون سواها من الامم فوقف الناس على الفقراء والايتام والمرضى وحتى على الحيوانات الضالة التي لا راعي لها يعتني بها ووقفوا على طلاب العلم والعلماء ليبقوهم خارج سيطرة المؤثرين والفاقة والحاجة وهكذا كانت امتنا امة عزيزة تخدم دين ربها فاغناها الله تعالى واعزها واظهرها بدينه على سائر الامم..
ونسال الله تعالى ان يعز الاسلام وبه يعزالمسلمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.