سؤال وجواب
*السؤال:- اسمح لي يا شيخنا بسؤال قال تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين صدق الله العظيم هناك من قال يا شيخنا أن نبر أهل الذمة وأن نهنئهم بأعيادهم بشرط ان لا نقرهم على كفرهم ما رأيك يا شيخنا في ما يدعون وأيضا ورجائي ان تعطيني تفسيرا للآية وشكرا.
الجواب:-
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من ارسله الله تعالى رحمة للعالمين واله وصحبه اجمعين وبعد:-
ان الله تعالى قد ارسل رسوله صلى الله عليه واله وسلم للناس كافة برسالة عالمية وجعلها خاتم الرسالات والنبوات ..وطلب من اهلها وحملتها ان يكون لهم دوما مركز الصدارة في العالم فهم خير امة اخرجت للناس تامر بالمعروف وتنهى عن المنكر..وهم شهداء الله تعالى على الناس..ووعدهم ربهم بالنصر وبالظهور على الناس والتمكين في الارض.. وهذا من شانه ان يعيش في كنفهم وفي ظل حكمهم فئام مختلفة من البشر واهل الاديان..والقتال شرعه الله للامة لازالة الحواجز التي تحول بين الاسلام وبين الناس..لتنعم البشرية باحكامه وسلطانه دون اجبارهم على ترك اديانهم عنوة..وشرع احكام الذمة لمن اختار العيش في ظل احكام الاسلام ولم يرغب في قتالنا او الانحياز الى اعدائنا او مناصرة من يناصبنا العداء..وامرنا بالوفاء لهم بعهد الذمة والاحسان اليهم وبرهم وانصافهم ما استقاموا على عهدهم.. فلا حرج من الإحسان إلى غير المسلمين بشرط ألا يكونوا معروفين بعداء المسلمين ، أو مساعدة أعدائنا علينا ، قال الله تعالى : (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) الممتحنة/8 ، 9 .قال ابن كثير رحمه الله :"أي : لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين ، كالنساء والضعفة منهم ، (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) أي : تحسنوا إليهم (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) أي : تعدلوا (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)" انتهى ."تفسير ابن كثير" (4/446) . ويقول ابن عاشور رحمه الله في التحرير والتنوير: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (
استئناف هو منطوق لمفهوم الأوصاف التي وُصف بها العدوّ في قوله تعالى : { وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم } [ الممتحنة : 1 ] وقوله : { إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء } [ الممتحنة : 2 ] ، المسوقة مساق التعليل للنهي عن اتخاذ عدوّ الله أولياء ، استثنى الله أقواماً من المشركين غير مضمرين العداوة للمسلمين وكان دينهم شديد المنافرة مع دين الإِسلام .
فإن نظرنا إلى وصف العدوّ من قوله : { لا تتخذوا عدوي وعدوكم } وحملناه على حالة معاداة من خالفهم في الدين ونظرنا مع ذلك إلى وصف { يخرجون الرسول وإياكم } ، كان مضمون قوله : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين } إلى آخره ، بياناً لمعنى العداوة المجعولة علة للنهي عن الموالاة وكان المعنى أن مناط النهي هو مجموع الصفات المذكورة لا كل صفة على حيالها .
وإن نظرنا إلى أن وصف العدوّ هو عدوّ الدين ، أي مخالفة في نفسه مع ضميمة وصف { وقد كفروا بما جاءكم من الحق } ، كان مضمون { لا ينهاكم الله } إلى آخره تخصيصاً للنهي بخصوص أعداء الدين الذين لم يقاتلوا المسلمين لأجل الدين ولم يُخرجوا المسلمين من ديارهم .
وأيَّاً ما كان فهذه الجملة قد أخرجت من حكم النهي القومَ الذين لم يقاتلوا في الدين ولم يُخرجوا المسلمين من ديارهم ، واتصال هذه الآية بالآيات التّي قبلها يجعل الاعتبارين سواء فدخل في حكم هذه الآية أصناف وهم حلفاءُ النبي صلى الله عليه وسلم مثل خُزاعة ، وبني الحارث بن كعب بن عبد مناةَ بن كنانة ، ومزينة كان هؤلاء كلهم مظاهرين النبي صلى الله عليه وسلم ويحبون ظهوره على قريش ، ومثل النساء والصبيان من المشركين ، وقد جاءت قُتيلة ( بالتصغير ويقال لها : قتلة ، مكبراً ) بنت عبد العُزى من بني عامر بن لؤي من قريش وهي أم أسماء بنت أبي بكر الصديق إلى المدينة زائرةً ابنتها وقتيلة يومئذٍ مشركة في المدة التي كانت فيها المهادنة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش بعد صلح الحديبية ( وهي المدة التي نزلت فيها هذه السورة ) فسألت أسماءُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتصِل أمها؟ قال : «نعم صِلي أُمَّككِ» ، وقد قيل : إن هذه الآية نزلت في شأنها .
وقوله : { أن تبروهم } بدل اشتمال من { الذين لم يقاتلوكم في الدين } الخ ، لأن وجود ضمير الموصول في المبدل وهو الضمير المنصوب في { أن تبروهم } يجعل بر المسلمين بهم مما تشتمل عليه أحوالهم . فدخل في الذين لم يقاتلوا المسلمين في الدين نَفر من بني هاشم منهم العباس بن عبد المطلب ، والذينَ شملتهم أحكام هذه الآية كلّهم قد قيل إنهم سبب نزولها وإنما هو شمول وما هو بسبب نزول .
والبرّ : حسن المعاملة والإِكرامُ . وهو يتعدى بحرف الجر ، يقال : برّ به ، فتعديته هنا بنفسه على نزع الخافض .
والقسط : العدل . وضمن { تقسطوا } معنى تُفضوا فعدّي ب ( إلى ) وكان حقه أن يعدَّى باللام . على أن اللام و ( إلى ) يتعاقبان كثيراً في الكلام ، أي أن تعاملوهم بمثل ما يعاملونكم به من التقرب ، فإن معاملة أحد بمثل ما عامل به من العدل .
وجملة و { إن الله يحب المقسطين } تذييل ، أي يحب كل مقسط فيدخل الذين يقسطون للذين حالفوهم في الدين إذا كانوا مع المخالفة محسنين معاملتهم .
وعن ابن وهب قال : سألت ابن زيد عن قوله تعالى : { لا ينهاكم الله } الآية قال : نسخها القتال ، قال الطبري : لا معنى لقول من قال : ذلك منسوخ ، لأن بر المؤمن بمن بينه وبينه قرابة من أهل الحرب أو بمن لا قرابة بينه وبينه غير محرم إذا لم يكن في ذلك دلالة على عورة لأهل الإِسلام . اه .
ويؤخذ من هذه الآية جواز معاملة أهل الذمة بالإِحسان وجواز الاحتفاء بأعيانهم .
ولا شك انه يثاب المسلم على إحسانه إلى هؤلاء ، وله على ذلك أجر ، فقد ذكر الله تعالى من صفات الأبرار الذين هم أهل الجنة : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) والأسير لا يكون إلا كافراً . ولا باس من تهنئتهم بمناسباتهم وتعزيتهم بموتاهم وتهنئتهم باعيادهم باختيار الفاظ لا يكون فيها اقرار لهم على شركهم وكفرهم
كان يقول في التعزية يسلم راسك وفي العيد كل عام وانتم بخير مهتدون..وهكذا دون ان يشاركهم احتفالاتهم باعيادهم. هذا والله تعالى احكم واعلم. ونسال الله تعالى ان يعز الاسلام واهله . والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.