إنما المؤمنون إخوة
كانت الاخوة في مفاهيم وقيم عرب الجاهلية تقوم على روابط الدم والعرق والنسب والجنس.. فكانوا يقولون اخ شقيق واخ لاب واخ لام واخو اللبن او الرضاع..
واخو القوم او العشيرة او القبيلة وان بعدت الشقة قالوا اخا العرب..فجاء الاسلام وجعل رابطة الاخوة هي رابطة الايمان والعقيدة.. وجعل كل المؤمنين اخوة..فجعل الأخوة في الله صفة ملازمة للإيمان، وخصلة مرافقة للتقوى. إذ لا أخوة بدون إيمان ولا إيمان بدون أخوة. كما أنه لا صداقة بلا تقوى ولا تقوى بلا صداقة. قال الله عز وجل في سورة الحجرات: (إنما المؤمنون إخوة). وقال سبحانه
الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين).
والأخوة دفء في الأهوال، وعونا على الشدائد،وتكاتف وتكافل في الملمات والنوائب،
فالأخوة بذل والبذل برهان صدق المحبة، ودليل متانة عقد الأخوة وترجمة سلوكية لحقيقتها. تكون الأخوة شعارا فقط، وجسدا بلا روح واسما بلا معنى، إن لم يتبعها بذل وعطاء إيثار:
وليس أخـي من ودني بلسانه ...ولكنْ أخي من ودّني في النوائبِ
ومَن مالُهُ مالي إذا كنتُ معدَمًا ...ومالي له إن عضّ دهـرٌ بغاربِ
و والاخوة حبل نجاة يربط الدنيا بالآخرة، تكون عالَما آخر وجدانيا، عالم تتعانق فيه الأرواح وتنسجم العواطف لبناء صرح وحدة معنوية اجتماعية تكون طاقة جبارة للعمل والحركة، وكم هي التجمعات البشرية الصغيرة العدد التي حققت الإنجازات العظيمة بفضل هذه اللحمة الإيمانية، ولنا القدوة والمثال في المجتمع الصغير الذي قاده النبي علية السلام عندما غيروا الأنفس والتاريخ في فترة زمنية قياسية.
فلا غرابة إذن أن نجد أول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن استقر في المدينة المنورة بعد بناء المسجد الذي كان وسيلة لربط العباد بالخالق جل وعلا، أن آخى بين جماعة المسلمين الأولى ليربط القلوب بعضها ببعض، فيرتبط الفكر والسلوك وتتحدد الوجهة والغاية. وبهذه الأخوة نجتمع مؤمنين ومؤمنات لنحقق (إنما المؤمنون إخوة)، فالأخوة منحة إلهية ونعمة قدسية يقذفها الله عز وجل في قلوب المخلصين من عباده والأصفياء من أوليائه، والأتقياء من خلقه..( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم). فالاخوة نعمة عظمى وبركة كبرى على المؤمنين.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: “يا علي استكثر من المعارف من المؤمنين، فكم من معرفة في الدنيا بركة في الآخرة” (أخرجه الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية ) . وكيف لا تكون بركة وهي التي يتصل حبلها، وتتوثق آصرتها، في وقت تنقطع فيه كل العلائق والوشائج والأنساب والاسباب ويفر المرء من أمه وأخيه وصاحبته وفصيلته، في يوم تذل في النفوس والأبدان قال عز وجل: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين).
ونحن في زمن تشرذمت فيه الروابط بأنواعها،وتقطعت فيه الوشائج والصلات وغلبت فيه المصالح الفردية المادية، وندرت فيه عملة الإيثار والبذل ، أضحت الأخوة ملاذا تسكن إليه النفوس، وتهفو إليه القلوب لتقود بعضها البعض لسبل الخير وتتنسم جميعا عبق الإيمان وتذوق حقيقة الولاية في الله عز وجل.قال الشافعي رحمه الله:
سلامٌ على الدنيا إِذا لم يكنْ بها .. صديقٌ صدوقٌ صادق الوعدِ منصفا
ولما للاخوة من مكانة في الاسلام يجعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأخوة أثمن منحة ربانية للعبد من بعد نعمة الإسلام فيقول رضي الله عنه : (ما أعطي عبد بعد الإسلام خيرا من أخ صالح، فإذا رأى أحدكم ودا من أخيه فليتمسك به).