Hitskin.com

كل الشكر والتقدير للناقد والكاتب العراقي القدير "داود سلمان الشويلي" على دراسته النقدية المعنونة ب "آليات الاتساق النصي في النص الأدبي - قراءة نصية في القصة القصيرة " المجموعة القصصية حواس زهرة نائمة للقاصة الجزائرية سامية غشير إنموذجا" المنشورة في جريدة "العراقية" الصادرة في أستراليا.
نشرت جريدة " العراقية " الصادرة في استراليا دراستي المعنونة (آليات الاتساق النحوي وأثرها في التماسك النصي في النص الادبي - " قراءة نصية / إحصائية في القصة القصيرة " المجموعة القصصية " حواس زهرة نائمة" للقاصة الجزائرية سامية غشير إنموذجاً) شكرا د. موفق ساوا.
آليات الاتساق النحوي وأثرها في التماسك النصي في النص الادبي
" قراءة نصية / إحصائية في القصة القصيرة "
المجموعة القصصية " حواس زهرة نائمة" للقاصة الجزائرية سامية غشير إنموذجاً

داود سلمان الشويلي
(( واعلم أنّ لا نظم في الكلم ولا ترتيب حتى يعلّق بعضها بعض، ويبنى بعضها على بعض، ولجعل هذه بسبب من تلك، هذا ما لا جهله عاقل ولا يخفى على أحد من الناس)) .
- الجرجاني _دلائل الإعجاز_ ص 54-

في زحمة المدارس النقدية الاوربية ، و ما ورثناه من نقد ، كان لزاماً على النقاد أن يغادروا النقد الوجداني ، والاجتماعي ، و التاريخي ، والانطلاق الى نقد النص من النص نفسه كما كان اسلافنا النقاد العرب الاوائل يدرسون الشعر هاصة ، ويستقبلوا ما انتجه النقد الاوربي الجديد من مناهج تنظر الى النص من الداخل ، أي النصانية الحديثة .
وقد تعددت أوجه دراسة النصوص الأدبية ، ونقدها ، و وصفها أيضاً ، منذ أن وصلنا أول كتاب لمؤلف عربي عن الشعر والشعراء حتى يومنا هذا . وقد كان النقاد العرب الأوائل قد أعتمدوا نظريات (!) لدراسة النص الأدبي ، و صفاً و نقداً، منها نظرية الموازنة للآمدي ، ونظرية النظم للجرجاني ، ونظرية اللفظ والمعنى للجاحظ ، حتى وصلنا الى القرن العشرين حيث كتب المبدعون العرب رواياتهم وقصصهم القصيرة التي حاولت ان تتبع النهج والإسلوب الغربي في الكتابة ، فكانت نظريات العرب الأوائل ، وكذلك الدراسات النقدية التي تناولت النصوص الادبية منذ بداية القرن العشرين الى فترة السبعينات، تعتمد في نظرتها الى النص على الذوق ، و التقييم ، و التقويم.
عندما جاءت السبعينات في العراق جاءت معها النظريات الحديثة لدراسة النص من خلال الدراسات والكتب المترجمة التي قام بها الأشقاء المصريين واللبنانين والمغاربة ، فعرفنا كيف نتناول و ندرس النص من الناحية الماركسية ، وكذلك من الناحية الوجودية ، وبعدها جاءت الشكلانية ، مع العلم أنها ولدت قبل هذه الفترة بأكثر من خمسين عاماً في الاتحاد السوفيتي ، ثم جاءت النظريات البنيوية ، والدلالية ، و اللسانية ، ثم ما بعد البنيوية ...الخ.
و لا نريد أن نقدم تعريفاً للنص كما فعلت الدراسات و البحوث الاكاديمية التي درست الاتساق في النص الأدبي أو القرآني ، لأنني وجدت أن في تلك الدراسات و البحوث الكفاية اللازمة لذلك .
و أيضاً فقد كان للنقاد القدامى دور في دراسة إتساق النص ، و النص القرآني خاصة ، كالجاحظ ، والجرجاني ، و السكاكي ، و العسكري ، و غيرهم .
بعد هذه المقدمة البسيطة التي أردنا منها أن تدخلنا في صلب ما نريد تقديمه ، وهو ، دراسة النص القصصي لقاصة سامية غشير مي مجموعتها " حواس " دراسة لسانية تعتمد مفهوم الاتّساق النصي . و علينا أن ندرس الاتّساق ، و نحدد أدواته ، و معرفة كيف برزت عوامله. إذ أن الاتّساق هو من بين المعايير التي يكون فيها النص نصاً متسقاً بين كلماته وجمله وفقراته .
***
لسانيات النص :
لسانيات النص هي فرع معرفي نشأ في أوربا في ستينيات القرن المنصرم ، و يبحث في النص بإعتباره أعلى وحدة لغوية .
وقد جاءت هذه الدراسات لتوسع من الدراسات التي تتناول الجملة ، لان (( الجملة لا تقدم سوى الضئيل بالنسبة لما يقدمه النص ، فما الجملة إلا جزء صغير بالقياس بالنص ، و ما يقدمه النص يمثل المعنى الكلي ، على حين الذي تقدمه الجملة يمثل جزءاً فقط من المعنى العام )). (1)
و قدم " فان دايك" وصفاً للجوانب: ((المختلفة لأشكال الاستعمال اللغوي و أشكال الاتصال و توضيحها ، كما تحلل في العلوم المختلفة في ترابطها الداخلي والخارجي )).(2)
وقد لخص صبحي ابراهيم الفقي مهام لسانيات النص بقوله : (( إحصاء الأدوات والروابط التي تساهم في التحليل ، و دورها في تماسك النص )). (3)
ونحن هنا سنركز على أدوات الوصل و الربط بين الجمل ، أو في داخل الجمل ، في النص المدروس .
***
تماسك النص :
في النصوص الأدبية التي نحن بصدد دراستها ، يحتاج النص الأدبي في حالة تداوله الى عوامل تساعده على أن يكون نصاً متماسكاً ، إضافة لمنتجه و الوسط اللغوي ، إذ يحتاج الى متلقي ، و كذلك ، الى عوامل الإتّساق والإنسجام التي تقوم بذلك .
و التماسك النصي هو هدف كل عمل كتابي مهما كان نوعه ، إلّا أن ذلك يتم بصور متفاوتة ، و هذا لا يتم ما لم تتضافر عوامل ثلاثة للنص ، هي :
- وحدة الفكرة .
- طبيعة المنتج.
- الوسط الناقل للنص . (4)
فـ((المنتج بفكرته: هو من يضع النص ويصنع تماسكه النصي، ويقيم له العلاقات الدلالية واللغوية، والنص بالنسبة لمنتجه خطاب تام غني عن التأويل. ولا يحتاج للمتلقي حتى يتحصل على صفة النصية أو الخطاب، وإن بقي بين دفتي كتاب لم يطلع عليه متلق.
والوسط الناقل ، أي (اللغة): وهي وعاء الدلالة، بها تنقل الأفكار من جيل لآخر. أما المتلقي فله أن يأخذ بالنص كما هو لوضوحه وعدم الحاجة إلى التأويل، وإما أن يتلقى النص تأويلا؛ لغرض في نفسه أو نفس المنتج، أو لضعف في الأداء اللغوي في النص (عناصر الاتساق)، فيعيد المتلقي تشكيل الخطاب بوحي من النص، أو بغير ذلك، وقد يعمد المتلقي إلى التأويل بغير وعي فيحبط النص، فالمتلقي إما متلقٍ إيجابي وإما سلبي.)). (5)
***
مفهوم الإتّساق :
- لغة:
یعرفه ابن منظور بقوله : استوسقت الإبل و استوسقت: اجتمعت. و قد وسق اللیل و اتسق و كل ما انظم فقد اتسق .
- إصطلاحاً:
یعرف محمد خطابي الإتّساق بأنه : ((ذلك التماسك الشدید بین اجزاء المشكلة لنص/خطاب ما یهتم فیه بالوسائل اللغویة (الشكلیة) التي تصل بین العناصر المكونة لجزء من خطاب أو خطاب برمته.)).(6 )
ویؤكد "صلاح فضل": ((أن التماسك خاصیة نحویة للخطاب تعتمد على علاقة كل جملة منه بالأخرى، و هو ینشأ غالبا عن طریق الأدوات التي تظهر في النص مباشرة كأحرف العطف، و الوصل و الترقیم،و أسماء الإشارة،و أداة التعریف، و الاسم الموصول و. غیره.)).(7)
***
ادوات الاتساق: ( Cool

و هي أربعة :
1 – الاحالة .
2 – الاستبدال .
3 – الحذف .
4 – الوصل .
والوصل (الربط) الذي سنعتمده في هذه الدراسة ، هو علاقة اتساق أساسیة في النص، لأنه یحدد الطریقة التي ترتبط بها الجملة السابقة مع اللاحقة وهذا بشكل منظم. ((النص عبارة عن جمل أو متتالیات متعاقبة خطیاً . ولكي ندركه كوحدة متماسكة تحتاج إلى عناصر رابطة متنوعة تصل أجزاء النص)) . (9)
غیر أن الربط یختلف عن الإحالة و الاستبدال و الحذف في كونه لا یتضمن إشارة موجهة البحث عن المفترض فیها سابق أو لاحق.
انواع الوصل ( الربط):
قسم الباحثون الوصل "الربط" إلى أربعة عناصر هي: زمانیة، إضافیة، عكسیة و سببیة.
1. الربط الإضافي: یتم ذلك عن طریق أداتین هما "الواو" و"أو" . فهنا یربط صورتین بینهما تشابه أو إتحاد .
2. الربط العكسي: یتم عن طریق أدوات التعارض أو التقابل وهي: "لكن"، "رغم ذلك""بل"، "غیر أن"...
3. الربط السببي: من خلاله یمكننا من إدراك العلاقة المنطقیة بین جملتین أو أكثر،ومن أداوته: "هكذا" "لعل"، "أي"، و"إذن".
4. الربط الزمني: هو العلاقة بین جملتین متباعدتین أو متتابعتین زمانیا ومن أبرز تعبیر عن هذه العلاقة هي الأداة"ثم" و "بعد" ونجد أیضا "منذ"، "على نحو" و "الفاء". (10)
***
و قد صنف الدارسون أدوات الربط "الوصل" إلى صنفين: ((منها ما يفيد مجرد الإشراك، أي إشراك الجملة اللاحقة بالجملة السابقة في الحكم، وهي الواو، التي تعد أصل حروف العطف. وقد توظّف (الواو)، حينما تتعدّد الجمل في المقام الواحد.
ومنها ما يفيد- إضافة إلى الإشراك- تحديد نوع العلاقة بين الجملة والأخرى، مثل “الفاء”، التي توجب الترتيب من غير تراخ، و"ثم"، التي توجبه مع تراخ، و"أو"، التي تفيد تردّد الفعل بين شيئين، وتجعله لأحدهما، وتفيد "حتى" الغاية، و" لكن" الاستدراك، و"بل" الإضراب، وتشير لسانيات النص إلى روابط أخرى منها: الضمائر، الإشارات المحيلة إحالة قبلية، وإحالة بعدية، الاستبدال، والحذف، وغيرها من الوسائل التي يرصدها المحلل الواصف لاتساق الخطاب. )).(11)
***
ان الدراسة الوصفية / الاحصائية لا تعني افتقار النص الادبي "القصص ففي دراستنا هذه " للثراء الجمالي و الدلالي الذي تكتنزه بين طياتها ، أو غض النظر عن ذلك .
سنفحص نصوص المجموعة القصصية القصيرة " حواس زهرة نائمة" للقاصة سامية غشير ، ونقدم جرداً احصائياً لما تضمه هذه النصوص من أدوات للربط ، و خاصة حروف العطف ، وغيرها من ألادوات.
***
الهوامش:
1 - علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق – صبحي ابراهيم الفقي – 1/ 49 .
2 -علم النص – مدخل متداخل الاختصاصات ، تون فان دايك – تر:سعيد حسن بحيري – دار القاهرة للكتاب – ط1 – 2001 – ص11 .
3 - علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق – صبحي ابراهيم الفقي – 1/ 56 .
4 -أثر عناصر الاتساق في تماسك النص دراسة نصية من خلال سورة يوسف - محمود سليمان حسين الهواوشه - جامعة مؤتة، 2008- ص45 .
5 - أثر عناصر الاتساق في تماسك النص دراسة نصية من خلال سورة يوسف - محمود سليمان حسين الهواوشه - جامعة مؤتة، 2008- ص201 .
6 - محمد خطابي، لسانیات النص ص 5.
7-إبراهيم محمود خلیل-اللسانیات و نحو النص،دار المسیرة و النشر و التوزیع، عمان ، ط 1- 2007 ، ص 219.
8 - راجع :لسانيات الخطاب – مدخل الى انسجام الخطاب- محمد خطابي – المركز الثقافي العربي – ص17 – 23 .
9 - محمد خطابي، لسانیات النص ص 22.
10 – المصدر السابق، ص23 .
11 - الاتساق التركيبي أو الربط بين الجمل نماذج تطبيقية من روايتي الطاهر وطار "الزلزال والشمعة والدهاليز" - د . إبراهيم فضالة ـــ جامعة الجزائر ـــ.
***
جدول / 1 مجموعة قصص " حواس زهرة نائمة" و أدوات الربط
القصة و أو أم أي لكن بل هكذا لعل إذن ثم بعد منذ الفاء رغم ذلك غير ان على نحو الملاحظات
حواس زهرة نائمة 68 0 0 0 3 0 0 0 0 4 5 1 14 0 0 0
موعد الحبّ مع المطر 59 0 0 1 2 0 0 0 0 2 3 1 14 0 0 0
همس الحرير 99 0 0 0 4 0 2 0 0 7 4 3 21 0 0 0
ستائر غراميّة 13 0 0 1 4 0 0 0 0 1 4 0 1 0 0 0
خريف الذّكريات. 72 0 0 0 1 0 0 1 0 0 1 0 7 0 0 0
حلم باريسي 59 0 0 0 5 0 0 0 0 5 1 0 16 0 0 0
حكاية اللّيل 46 0 0 1 2 0 0 2 0 4 6 2 12 0 1 0
أشواق تنزف في صمت 76 0 0 0 7 0 0 0 0 4 4 4 20 0 0 0
أحلام تنوح في ضبابيّة الوجع 65 1 0 0 0 0 0 2 0 2 0 1 3 0 0 0
أوراق من ذاكرة الحياة 85 0 0 0 8 0 1 1 1 7 2 0 31 0 1 0
حروف الظّل 8 0 0 0 1 0 0 0 0 0 0 0 2 0 0 0 ق ق ج
رسائل الشّوق 45 0 0 0 1 0 0 0 0 1 1 0 5 0 0 1
مدينة الأشباح 23 0 0 0 0 0 0 1 0 0 1 1 9 0 0 0
حلم الفراشات 59 0 0 0 2 0 0 0 0 3 0 1 2 0 0 0

المجموع 777 1 0 3 40 0 3 7 1 40 32 14 157 0 2 1
التحليل و الاستنتاجات:
من خلال الجدول اعلاه يمكن استنتاج الاتي :
- ان اكثر أداة مستعملة في كل قصة هي الأداة " الواو" ، و كذلك على مستوى المجموعة ككل .
- بعد أداة "الواو " تأتي الأداة " الفاء " في تكرارها في المجموعة ، إلّا انها لم تكن في في القصص المفردة ، إذ تأتي الأداة " لكن" و " بعد" اكثر منها في قصة " ستائر غرامية " . و الأداة " ثم " في قصة "حلم الفراشات " .
- بعد ذلك تأتي الأداتين " لكن " و " ثم " في الاستعمال .
- هناك قصص لم تستعمل الأدوات التالية في بناء جملها ، من مثل : " أم " ، و " بل " ، و " رغم ذلك " ، و هذا لا يعني ان تلك القصة أو هذه التي لا تستعملها غير مترابطة الجمل و الافكار، لأن الترابط حاصل بإدوات أخرى . و أيضاً بأدوات لم ندرسها في هذه السطور خوفاً من التطويل .
و قبل ان انهي دراستي هذه أود ذكر ان القاصة سامية غشير قد استخدمت الشعر كثيرا في قصائدها ، كما في قصائد : " موعد الحبّ مع المطر"، "خريف الذّكريات" ، "حلم باريسي" ، " أشواق تنزف في صمت" ، " حروف الظّل " ، " مدينة الأشباح " ، " حلم الفراشات" . إذ من بين (14) قصيدة استخدمت الشعر في سبع قصائد ، أي في نصف مجموعتها القصصية .
* فصل من كتابي الجديد (آليات الاتساق النحوي وأثرها في التماسك النصي في النص الادبي - " قراءة نصية / إحصائية في الص الأدبي ") .نشرت جريدة " العراقية " الصادرة في استراليا دراستي المعنونة (آليات الاتساق النحوي وأثرها في التماسك النصي في النص الادبي - " قراءة نصية / إحصائية في القصة القصيرة " المجموعة القصصية " حواس زهرة نائمة" للقاصة الجزائرية سامية غشير إنموذجاً) شكرا د. موفق ساوا.
آليات الاتساق النحوي وأثرها في التماسك النصي في النص الادبي
" قراءة نصية / إحصائية في القصة القصيرة "
المجموعة القصصية " حواس زهرة نائمة" للقاصة الجزائرية سامية غشير إنموذجاً

داود سلمان الشويلي
(( واعلم أنّ لا نظم في الكلم ولا ترتيب حتى يعلّق بعضها بعض، ويبنى بعضها على بعض، ولجعل هذه بسبب من تلك، هذا ما لا جهله عاقل ولا يخفى على أحد من الناس)) .
- الجرجاني _دلائل الإعجاز_ ص 54-

في زحمة المدارس النقدية الاوربية ، و ما ورثناه من نقد ، كان لزاماً على النقاد أن يغادروا النقد الوجداني ، والاجتماعي ، و التاريخي ، والانطلاق الى نقد النص من النص نفسه كما كان اسلافنا النقاد العرب الاوائل يدرسون الشعر هاصة ، ويستقبلوا ما انتجه النقد الاوربي الجديد من مناهج تنظر الى النص من الداخل ، أي النصانية الحديثة .
وقد تعددت أوجه دراسة النصوص الأدبية ، ونقدها ، و وصفها أيضاً ، منذ أن وصلنا أول كتاب لمؤلف عربي عن الشعر والشعراء حتى يومنا هذا . وقد كان النقاد العرب الأوائل قد أعتمدوا نظريات (!) لدراسة النص الأدبي ، و صفاً و نقداً، منها نظرية الموازنة للآمدي ، ونظرية النظم للجرجاني ، ونظرية اللفظ والمعنى للجاحظ ، حتى وصلنا الى القرن العشرين حيث كتب المبدعون العرب رواياتهم وقصصهم القصيرة التي حاولت ان تتبع النهج والإسلوب الغربي في الكتابة ، فكانت نظريات العرب الأوائل ، وكذلك الدراسات النقدية التي تناولت النصوص الادبية منذ بداية القرن العشرين الى فترة السبعينات، تعتمد في نظرتها الى النص على الذوق ، و التقييم ، و التقويم.
عندما جاءت السبعينات في العراق جاءت معها النظريات الحديثة لدراسة النص من خلال الدراسات والكتب المترجمة التي قام بها الأشقاء المصريين واللبنانين والمغاربة ، فعرفنا كيف نتناول و ندرس النص من الناحية الماركسية ، وكذلك من الناحية الوجودية ، وبعدها جاءت الشكلانية ، مع العلم أنها ولدت قبل هذه الفترة بأكثر من خمسين عاماً في الاتحاد السوفيتي ، ثم جاءت النظريات البنيوية ، والدلالية ، و اللسانية ، ثم ما بعد البنيوية ...الخ.
و لا نريد أن نقدم تعريفاً للنص كما فعلت الدراسات و البحوث الاكاديمية التي درست الاتساق في النص الأدبي أو القرآني ، لأنني وجدت أن في تلك الدراسات و البحوث الكفاية اللازمة لذلك .
و أيضاً فقد كان للنقاد القدامى دور في دراسة إتساق النص ، و النص القرآني خاصة ، كالجاحظ ، والجرجاني ، و السكاكي ، و العسكري ، و غيرهم .
بعد هذه المقدمة البسيطة التي أردنا منها أن تدخلنا في صلب ما نريد تقديمه ، وهو ، دراسة النص القصصي لقاصة سامية غشير مي مجموعتها " حواس " دراسة لسانية تعتمد مفهوم الاتّساق النصي . و علينا أن ندرس الاتّساق ، و نحدد أدواته ، و معرفة كيف برزت عوامله. إذ أن الاتّساق هو من بين المعايير التي يكون فيها النص نصاً متسقاً بين كلماته وجمله وفقراته .
***
لسانيات النص :
لسانيات النص هي فرع معرفي نشأ في أوربا في ستينيات القرن المنصرم ، و يبحث في النص بإعتباره أعلى وحدة لغوية .
وقد جاءت هذه الدراسات لتوسع من الدراسات التي تتناول الجملة ، لان (( الجملة لا تقدم سوى الضئيل بالنسبة لما يقدمه النص ، فما الجملة إلا جزء صغير بالقياس بالنص ، و ما يقدمه النص يمثل المعنى الكلي ، على حين الذي تقدمه الجملة يمثل جزءاً فقط من المعنى العام )). (1)
و قدم " فان دايك" وصفاً للجوانب: ((المختلفة لأشكال الاستعمال اللغوي و أشكال الاتصال و توضيحها ، كما تحلل في العلوم المختلفة في ترابطها الداخلي والخارجي )).(2)
وقد لخص صبحي ابراهيم الفقي مهام لسانيات النص بقوله : (( إحصاء الأدوات والروابط التي تساهم في التحليل ، و دورها في تماسك النص )). (3)
ونحن هنا سنركز على أدوات الوصل و الربط بين الجمل ، أو في داخل الجمل ، في النص المدروس .
***
تماسك النص :
في النصوص الأدبية التي نحن بصدد دراستها ، يحتاج النص الأدبي في حالة تداوله الى عوامل تساعده على أن يكون نصاً متماسكاً ، إضافة لمنتجه و الوسط اللغوي ، إذ يحتاج الى متلقي ، و كذلك ، الى عوامل الإتّساق والإنسجام التي تقوم بذلك .
و التماسك النصي هو هدف كل عمل كتابي مهما كان نوعه ، إلّا أن ذلك يتم بصور متفاوتة ، و هذا لا يتم ما لم تتضافر عوامل ثلاثة للنص ، هي :
- وحدة الفكرة .
- طبيعة المنتج.
- الوسط الناقل للنص . (4)
فـ((المنتج بفكرته: هو من يضع النص ويصنع تماسكه النصي، ويقيم له العلاقات الدلالية واللغوية، والنص بالنسبة لمنتجه خطاب تام غني عن التأويل. ولا يحتاج للمتلقي حتى يتحصل على صفة النصية أو الخطاب، وإن بقي بين دفتي كتاب لم يطلع عليه متلق.
والوسط الناقل ، أي (اللغة): وهي وعاء الدلالة، بها تنقل الأفكار من جيل لآخر. أما المتلقي فله أن يأخذ بالنص كما هو لوضوحه وعدم الحاجة إلى التأويل، وإما أن يتلقى النص تأويلا؛ لغرض في نفسه أو نفس المنتج، أو لضعف في الأداء اللغوي في النص (عناصر الاتساق)، فيعيد المتلقي تشكيل الخطاب بوحي من النص، أو بغير ذلك، وقد يعمد المتلقي إلى التأويل بغير وعي فيحبط النص، فالمتلقي إما متلقٍ إيجابي وإما سلبي.)). (5)
***
مفهوم الإتّساق :
- لغة:
یعرفه ابن منظور بقوله : استوسقت الإبل و استوسقت: اجتمعت. و قد وسق اللیل و اتسق و كل ما انظم فقد اتسق .
- إصطلاحاً:
یعرف محمد خطابي الإتّساق بأنه : ((ذلك التماسك الشدید بین اجزاء المشكلة لنص/خطاب ما یهتم فیه بالوسائل اللغویة (الشكلیة) التي تصل بین العناصر المكونة لجزء من خطاب أو خطاب برمته.)).(6 )
ویؤكد "صلاح فضل": ((أن التماسك خاصیة نحویة للخطاب تعتمد على علاقة كل جملة منه بالأخرى، و هو ینشأ غالبا عن طریق الأدوات التي تظهر في النص مباشرة كأحرف العطف، و الوصل و الترقیم،و أسماء الإشارة،و أداة التعریف، و الاسم الموصول و. غیره.)).(7)
***
ادوات الاتساق: ( Cool

و هي أربعة :
1 – الاحالة .
2 – الاستبدال .
3 – الحذف .
4 – الوصل .
والوصل (الربط) الذي سنعتمده في هذه الدراسة ، هو علاقة اتساق أساسیة في النص، لأنه یحدد الطریقة التي ترتبط بها الجملة السابقة مع اللاحقة وهذا بشكل منظم. ((النص عبارة عن جمل أو متتالیات متعاقبة خطیاً . ولكي ندركه كوحدة متماسكة تحتاج إلى عناصر رابطة متنوعة تصل أجزاء النص)) . (9)
غیر أن الربط یختلف عن الإحالة و الاستبدال و الحذف في كونه لا یتضمن إشارة موجهة البحث عن المفترض فیها سابق أو لاحق.
انواع الوصل ( الربط):
قسم الباحثون الوصل "الربط" إلى أربعة عناصر هي: زمانیة، إضافیة، عكسیة و سببیة.
1. الربط الإضافي: یتم ذلك عن طریق أداتین هما "الواو" و"أو" . فهنا یربط صورتین بینهما تشابه أو إتحاد .
2. الربط العكسي: یتم عن طریق أدوات التعارض أو التقابل وهي: "لكن"، "رغم ذلك""بل"، "غیر أن"...
3. الربط السببي: من خلاله یمكننا من إدراك العلاقة المنطقیة بین جملتین أو أكثر،ومن أداوته: "هكذا" "لعل"، "أي"، و"إذن".
4. الربط الزمني: هو العلاقة بین جملتین متباعدتین أو متتابعتین زمانیا ومن أبرز تعبیر عن هذه العلاقة هي الأداة"ثم" و "بعد" ونجد أیضا "منذ"، "على نحو" و "الفاء". (10)
***
و قد صنف الدارسون أدوات الربط "الوصل" إلى صنفين: ((منها ما يفيد مجرد الإشراك، أي إشراك الجملة اللاحقة بالجملة السابقة في الحكم، وهي الواو، التي تعد أصل حروف العطف. وقد توظّف (الواو)، حينما تتعدّد الجمل في المقام الواحد.
ومنها ما يفيد- إضافة إلى الإشراك- تحديد نوع العلاقة بين الجملة والأخرى، مثل “الفاء”، التي توجب الترتيب من غير تراخ، و"ثم"، التي توجبه مع تراخ، و"أو"، التي تفيد تردّد الفعل بين شيئين، وتجعله لأحدهما، وتفيد "حتى" الغاية، و" لكن" الاستدراك، و"بل" الإضراب، وتشير لسانيات النص إلى روابط أخرى منها: الضمائر، الإشارات المحيلة إحالة قبلية، وإحالة بعدية، الاستبدال، والحذف، وغيرها من الوسائل التي يرصدها المحلل الواصف لاتساق الخطاب. )).(11)
***
ان الدراسة الوصفية / الاحصائية لا تعني افتقار النص الادبي "القصص ففي دراستنا هذه " للثراء الجمالي و الدلالي الذي تكتنزه بين طياتها ، أو غض النظر عن ذلك .
سنفحص نصوص المجموعة القصصية القصيرة " حواس زهرة نائمة" للقاصة سامية غشير ، ونقدم جرداً احصائياً لما تضمه هذه النصوص من أدوات للربط ، و خاصة حروف العطف ، وغيرها من ألادوات.
***
الهوامش:
1 - علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق – صبحي ابراهيم الفقي – 1/ 49 .
2 -علم النص – مدخل متداخل الاختصاصات ، تون فان دايك – تر:سعيد حسن بحيري – دار القاهرة للكتاب – ط1 – 2001 – ص11 .
3 - علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق – صبحي ابراهيم الفقي – 1/ 56 .
4 -أثر عناصر الاتساق في تماسك النص دراسة نصية من خلال سورة يوسف - محمود سليمان حسين الهواوشه - جامعة مؤتة، 2008- ص45 .
5 - أثر عناصر الاتساق في تماسك النص دراسة نصية من خلال سورة يوسف - محمود سليمان حسين الهواوشه - جامعة مؤتة، 2008- ص201 .
6 - محمد خطابي، لسانیات النص ص 5.
7-إبراهيم محمود خلیل-اللسانیات و نحو النص،دار المسیرة و النشر و التوزیع، عمان ، ط 1- 2007 ، ص 219.
8 - راجع :لسانيات الخطاب – مدخل الى انسجام الخطاب- محمد خطابي – المركز الثقافي العربي – ص17 – 23 .
9 - محمد خطابي، لسانیات النص ص 22.
10 – المصدر السابق، ص23 .
11 - الاتساق التركيبي أو الربط بين الجمل نماذج تطبيقية من روايتي الطاهر وطار "الزلزال والشمعة والدهاليز" - د . إبراهيم فضالة ـــ جامعة الجزائر ـــ.
***
جدول / 1 مجموعة قصص " حواس زهرة نائمة" و أدوات الربط
القصة و أو أم أي لكن بل هكذا لعل إذن ثم بعد منذ الفاء رغم ذلك غير ان على نحو الملاحظات
حواس زهرة نائمة 68 0 0 0 3 0 0 0 0 4 5 1 14 0 0 0
موعد الحبّ مع المطر 59 0 0 1 2 0 0 0 0 2 3 1 14 0 0 0
همس الحرير 99 0 0 0 4 0 2 0 0 7 4 3 21 0 0 0
ستائر غراميّة 13 0 0 1 4 0 0 0 0 1 4 0 1 0 0 0
خريف الذّكريات. 72 0 0 0 1 0 0 1 0 0 1 0 7 0 0 0
حلم باريسي 59 0 0 0 5 0 0 0 0 5 1 0 16 0 0 0
حكاية اللّيل 46 0 0 1 2 0 0 2 0 4 6 2 12 0 1 0
أشواق تنزف في صمت 76 0 0 0 7 0 0 0 0 4 4 4 20 0 0 0
أحلام تنوح في ضبابيّة الوجع 65 1 0 0 0 0 0 2 0 2 0 1 3 0 0 0
أوراق من ذاكرة الحياة 85 0 0 0 8 0 1 1 1 7 2 0 31 0 1 0
حروف الظّل 8 0 0 0 1 0 0 0 0 0 0 0 2 0 0 0 ق ق ج
رسائل الشّوق 45 0 0 0 1 0 0 0 0 1 1 0 5 0 0 1
مدينة الأشباح 23 0 0 0 0 0 0 1 0 0 1 1 9 0 0 0
حلم الفراشات 59 0 0 0 2 0 0 0 0 3 0 1 2 0 0 0

المجموع 777 1 0 3 40 0 3 7 1 40 32 14 157 0 2 1
التحليل و الاستنتاجات:
من خلال الجدول اعلاه يمكن استنتاج الاتي :
- ان اكثر أداة مستعملة في كل قصة هي الأداة " الواو" ، و كذلك على مستوى المجموعة ككل .
- بعد أداة "الواو " تأتي الأداة " الفاء " في تكرارها في المجموعة ، إلّا انها لم تكن في في القصص المفردة ، إذ تأتي الأداة " لكن" و " بعد" اكثر منها في قصة " ستائر غرامية " . و الأداة " ثم " في قصة "حلم الفراشات " .
- بعد ذلك تأتي الأداتين " لكن " و " ثم " في الاستعمال .
- هناك قصص لم تستعمل الأدوات التالية في بناء جملها ، من مثل : " أم " ، و " بل " ، و " رغم ذلك " ، و هذا لا يعني ان تلك القصة أو هذه التي لا تستعملها غير مترابطة الجمل و الافكار، لأن الترابط حاصل بإدوات أخرى . و أيضاً بأدوات لم ندرسها في هذه السطور خوفاً من التطويل .
و قبل ان انهي دراستي هذه أود ذكر ان القاصة سامية غشير قد استخدمت الشعر كثيرا في قصائدها ، كما في قصائد : " موعد الحبّ مع المطر"، "خريف الذّكريات" ، "حلم باريسي" ، " أشواق تنزف في صمت" ، " حروف الظّل " ، " مدينة الأشباح " ، " حلم الفراشات" . إذ من بين (14) قصيدة استخدمت الشعر في سبع قصائد ، أي في نصف مجموعتها القصصية .
* فصل من كتابي الجديد (آليات الاتساق النحوي وأثرها في التماسك النصي في النص الادبي - " قراءة نصية / إحصائية في الص الأدبي ") .

» نبذة من سيرة داود سلمان الشويلي
» يوسف إدريس.. سيد القصة القصيرة - معتصم
» عصرنة النص الديني - الكاتب فؤاد الشويلي - المرسل هادي جلو الشمري

Hitskin.com

"آليات الاتساق النصي في النص الأدبي - قراءة نصية في القصة القصيرة " المجموعة القصصية حواس زهرة نائمة للقاصة الجزائرية سامية غشير إنموذجا" "داود سلمان الشويلي"