نبيل القدس ابو اسماعيل المدير العام
الجنس : عدد المساهمات : 38802 تاريخ التسجيل : 18/03/2009
| موضوع: ” رهبة الموت ” .. قصة للكاتبة / جيهان عجلان 2019-01-28, 11:58 am | |
| ” رهبة الموت ” .. قصة للكاتبة / جيهان عجلانبقلم- جيهان عجلان
ذهبت لواجب عزاء, ولم تكن المرة الأولى لأداء مثل هذا الواجب , ولكنها كانت المرة الأولى في هذه الزلزلة التي هزت كل أرجاء روحي وقلبي .. فعندما دخلت المكان الذي كانت فيها المتوفاة ؛ هِبْتُ هذا الحشد من النساء المجتمعات قبل خروج الجسد للمسجد للصلاة عليه ,فاصطحبوني إلى الغرفة التي فيها قريبتي لأشاطرها أحزانها , وكانت تلك الحجرة القابع فيها الجسد الميهأ للخروج لمثواه الأخير ..
كنت لأول مرة أرى جسدا فارقته الروح بهذا القرب , فكان قريب مني لحد لو مددت يدي إليه لصافحته , جسد بلا حراك ولا حياة ملفوف بلفافات تستره , يا لهيبة الموقف , تجمدت أطرافي وازدادت دقات قلبي , كما لو كان شئ عظيما شج صدري..
اقتربت من قريبتي أهون وجعها , وأنا هي التي تريد من يحتضن رهبتها ليطمئن قلبي , ثم جلست على حافة الأريكة أنظر لهذا الجسد , تسابق الدموع أنفاسي , وتعلو أصوات تنهيدات قلبي, فترفقن من كن بالغرفة بحالي , وأردن اصطحابي للخارج لكنى أبيت , وقلت أتركاني , ومن منا لن يكون في هذا الموقف ,وظلت عيناي تنظر لهذا الجسد حتى كاد من كثرة دموعي يتلاشى أمامي , وانفصلت روحي عمن هن حولي..
وظلت الأسئلة تراودني .. كيف كنا وكيف سنكون؟ هي الآن , وأنت غدا ! منذ ساعات كانت صاحبة هذا الجسد تضج حياة وحركة في هذه الغرفة , أليست هي من وضع كل هذه الأشياء في هذا المكان؟ يا إلهي أين الأشياء منا ؟ أين خزانة الملابس المكتظة بألوانها ؟ أين احذيتى التي كنت أتباها بأرتدئها ؟ أين حقائبي ؟ أين أدوات زينتي ؟ أين قلمي أوراقي ؟ أين أموالي ؟ أين كل ما كان مفضل لي ؟ .. كل هذا وغيره لا طائلة منه , فكل شئ بات ورائي ,كل ما يخصني من زاد هذه الدنيا هذى اللفافة فقط , وهي التي تسترني..
واستيقظت من سبح روحي في ملكوت لست أدركه بكياني المادي ؛ لأنظر للجسد المتمثل أمام عيني ؛ وتصرخ روحي بلا صوت : يا إلهي إنها في ثبات عميق ليس بعده يقظة إلا في عالم البرزخ ,ثم تمر صورة ذاك الحشد الذي بالخارج المتوشح بالسواد رمزا للحزن وأقول مرة أخرى بلا صوت :
أين كل هذا الحشد منها في قبر لا يتعدى المتر ؟ وترد روحي أنها رحمة ربي , فلن ينساها في وحشة القبر , وفى نفس اللحظة قالت لي نفسي : أين إبليس الآن ؟ هل انتهت مآربه من هذا الإنسان الذي لم يتبقى منه غير هذا الجسد الذي بعد قليل سيواريه التراب ؟ نعم انتهت مآربه ولكنه هناك في كل الأماكن يبحث عن ضحاياه الذين مهدوا له السبيل لينال منهم ,ولكن هل هو يهاب الموقف الآن ؟ أم انه في فرح لهذا الحزن الذي يعم المكان ؟ وتحاكى خاطري كلمات ربي ليهدأ بعض روعي
“يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) الفجر
فالموت حق على جميع خلق الله ” ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]
قال: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق: 19].
وأتذكر قول الله الحق في مصيبة الموت
” الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)البقرة
نعم فالموت مصيبة بذكر قول الحق تعالى “إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴿١٠٦ المائدة﴾
إن مصيبة الموت في أنه يأتي بغتة دون مقدمات، كما أنه لا يعرف صغيرًا أو كبيرًا، ولا ذكرًا أو أنثى، ولا ملِكًا أو مملوكًا، فكل ما علينا أن نديم التجهيز له، والاستعداد له؛ حتى إذا ما جاءنا، رحلنا معه إلى مستقر نحبه في القبر وفي الآخرة.
وجفت دموعي المنهطلة بعض الشئ , لأجدنى أسأل عن الزاد الذي سيكون لنا في وحشة القبر, فلن ينفع فيه مالا، ولا ولدا، ولا خليلا ،ولا عزا ، ولا نسبا ، ولا فخرا، ويزداد هطول دمعي مرة أخرى ؛لإفتقاري لزادي , ويصرخ قلبي: أغثني يا الله
وتعود روحي لتجيب مرة أخرى .. “وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)البقرة
ثم جاءت لحظة حمل الجسد ؛ لتزيد هيبة الموقف من هيبة لهيبة مقترنة برعشة ينتفض بها القلب , ويصرخ قلبي أنها اللحظة الحاسمة اقتربت , نعم انه موعد القبر , موعد الحساب بين طيات الضيق .. أين كل هؤلاء ؟ الجميع سيذهب حيث أتى , وسيبقى الجسد وحيدا بقبره منتظرا عودة الروح وقدوم ملكين موكلان من الله لسؤال عبده ..
والشاهد في ذلك حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود وأحمد عن البراء بن عازب قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في جَنَازَةِ رَجُلِ مِنَ الأنْصَارِ فانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمّا يُلْحَدُ فَجَلَسَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَجَلَسْنَا حَوْلَةُ كَأَنّمَا عَلَى رُؤوسِنَا الطّيْرُ وفي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ في الأرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فقالَ: اسْتَعِيذُوا بالله مِنْ عذَابِ الْقَبْرِ مَرّتَيْنِ أَو ثَلاِثاً.
زَادَ في حَدِيثِ جَرِيرٍ هَهُنَا، وقالَ: وَإِنّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إِذَا وَلّوْا مُدْبِرِينَ حِينَ يُقَالُ لَهُ: يَا هَذَا مَنْ رَبّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَنْ نَبِيّكَ. قالَ هَنّادٌ قالَ: وَيأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَنْ رَبّكَ؟ فَيقُول: رَبّيَ الله، فَيقُولاَنِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيقُولُ: دِينِي الإسْلاَمُ، فَيقُولاَنِ لَهُ: مَا هَذَا الرّجُلُ الّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ قالَ فَيقُولُ: هُوَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَيقُولاَنِ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ فَيقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ الله فآمَنْتُ بِهِ وَصَدّقْتُ.
زَادَ في حَدِيثِ جَرِيرٍ: فَذَلِكَ قَوْلُ الله تَعَالَى. :” يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) إبراهيم
قال:َ فيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السّماءِ أَنْ قدْ صَدَقَ عَبْدِي فأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجنّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى الْجَنّةِ. قالَ: فَيأْتِيهِ مِنْ رَوحِهَا وَطِيْبِهَا. قالَ: وَيُفْتَحُ لَهُ فيهَا مَدّ بَصَرِهِ.
قالَ: وَإِنّ الْكَافِرَ فَذَكَرَ مَوْتَهُ. قالَ: وَتُعَادُ رُوحُهُ في جَسَدِهِ وَيأْتِيهِ مَلَكَانِ فيُجْلِسَانِهِ، فَيقُولاَن لَهُ: مَنْ رَبّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا هَذَا الرّجُلُ الذي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي؟ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السّماءِ أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوهُ مِنَ النّارِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى النّارِ: قال: فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرّهَا وَسَمُومِهَا. قال: وَيُضَيّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتّى تَخْتَلِفَ فيهِ أَضْلاَعُهُ.
زَادَ في حَدِيثِ جَرِيرٍ قالَ: ثُمّ يُقَيّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمَ مَعَهُ مِرْزَبَةٌ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَاباً. قالَ: فَيَضْرِبُهُ بها ضَرْبَةَ يَسْمَعُهَا ما بَيْنَ المَشْرقِ وَالمَغْرِبِ إِلا الثّقَلَيْنِ فَيَصِيرُ تُرَاباً. قالَ: ثُمّ تُعَادُ فيهِ الرّوحُ. والله أعلم.
فماذا ستجيب في موقفك هذا ؟ فوجدتني أدعو لها من قلبي ربي ثبتها عند السؤال واجعل لها سعة ونورا في قبرها والحقها بالصالحين
لم ينتهي الأمر بي عند خروج الجسد من مجلسي , ولكنى وجدت ذاك النحيب الذي بالخارج يزلزلني ؛ ليخبرني أن الفراق ما أقساه فراق لا لقاء بعده إلا في عليين , ثم جاءت احدهن واصطحبتني خارج هذه الغرفة لأجلس وسط هذا الحشد ..
تتوالى برأسي عجائب من الأسئلة.. ما هذا نأتي بزفة وضحكات فرح , ونذهب بزفة وصرخات وجع ؟ ولماذا؟ أَبَعد توديع دار الشقاء وجع ؟ ألم تكن هذى هي الدنيا التي نتمنى الرحيل عنها لتزول أوجعنا ؟ إذن لماذا كل هذا الصراخ ؛ وترد روحي إنه فراق الأحبة , إنه فراق من كانوا لنا الأنس والسند بهذي الدنيا بعد الله , ورويدا رويدا أصبح المكان شبه خالي لم يبقى إلا المقربين جدا فجدا , وهنا يبدأ نحيب آخر للروح لتصرخ مدوية يا وحشة المكان بلا أحبتنا , وهنا كان الاستعداد لنغادر المكان وكانت دموعي ما جفت بعد ,وكأنها السيل بل سبقت خطواتي أردد لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
” وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ(88 )الأنبياء
إنها حقا يقظة من ربي ,والصحوة انتباه ؛ لعل الدنيا كانت قد شغلتنا عن الأمانة ؛ التى حملناها , ولولا رحمة ربي لكانت على قلوبنا أقفالا مغلقة , فالحمد لله على نعمائه أن الله أرحم الراحمين , اللهم أرزقنا حسن الخاتمة
“إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (73) الأحزاب
” إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ” (55)القمر
” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)الزمر
“رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)البقرة | |
|