بسم الله الرحمن الرحيم
5- معالم النهضة في القران الكريم
تأملات في سورة النور
(وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (34) ۞ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (40))
هذا مثل ضربه الله تعلى لنوره الذي هو نواميسه وقوانينه التي يهتدي بها الوجود بكل مفرداته، للسير في انظمة الاستمرار بوجوده نحو الاستقامة والصلاح ، والمثل عادة يضرب لتقريب الصورة او بناء التصور للفكرة .
اما نور الله تعالى للانسان الذي اراده الله ان يستنير به في دجى ظلمات مناهج افكار الضلال وجاهلية اهل الارض، فهو النور الذي ربطه سبحانه وتعالى بالمساجد، بيوت الله في الاسلام، وجعل هذه المساجد الاصل في وجودها ان تكون مصدر اشعاع لهذا النور : (في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو ولاصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة يخافون يوم تتقلب فيه القلوب والابصار ليجزيهم الله احسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب ).
ولتكون هذه المساجد مساجد نور وهدى يشع بنور الله، حرم الله ان يدعى فيها لغيره ولا لمنهج غير منهجه ولا لنظام غير نظامه ولا لغاية تخدم غيره فقال:
( وان المساجد لله فلا تدعو مع الله احدا ) فان حصل فيها غير ذلك اصبحت مضرة على الاسلام واهله، ويجب ان تطهر من المضار الذي يضر بصفاء فكر الاسلام وونقاء نوره للعالمين، و يعمي على الناس نور الله من علماء السوء والنفاق وغيرهم.
ان هذا المثل من معانيه العميقة في ثناياه انه من المبشرات التي نستبشر بها بعودة الاسلام وعمومه للارض واهلها، حيث وجد له رجال لاتلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله المنقذ للبشرية من تيهها، والناهض بها من هبوطها، ليربطها بالسمو والارتقاء بنور الله المهدى من السماء لنرتفع به عن دركات السفول الذي انحطت به البشرية باتباعها مناهج الضلال، التي استعبد بها اهل الارض بعضهم بعضا.
ومكمن البشرى يوضحه وعد الله الذي لن يخلف فيقول سبحانه في التوبة:-(يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)
وفي سورة الصف حيث يقول عز وجل:-(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) ).
ولقد جائتكم البشرى من نبيكم سلام ربي عليه(سيبلغ هذا الامر ما بلغ الليل والنهار ).
ان المستقبل بالوعد الصادق ووعد الحق هو لنا ولحضارتنا ان استنرنا بنورها، و حملناها رجالا لانخشى في الله لومة لائم بصدق وامانة واخلاص كما فعل المهاجرون حيث شهد الله لهم بالصدق والاخلاص والانصار حيث شهد الله لهم بالفلاح في سورة الحشر بقوله تعالى:- (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)).فان صدقنا نصرة الله ورسوله صدقنا الله وعده حيث وعدنا في سورة محمد وتوعد الكافرين فقال:- ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (
ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) ۞ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ (11).
واذا اكملت الايات فانك ستجد وصف الله لحضارات الكفر بالسراب وانها ظلمات
يغتر بها من اضناه العطش فاذا عاشها لم يجدها شيئا فتنتهي حياته وهو يخوض التجارب والعمر البشري قصير لايحتمل مزيدا من التجارب ليجد السعادة ومنهجها المحقق لها والتي لايهدي اليها الا نور الوحي واقرا معي (والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا فوجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب).ذلك ان العمر لا يحتمل مزيدا من التجارب فانتبه.
(او كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها).
انه محيط الجاهلية وامواج سفاهتها وطيشها وظلمات ظلمها وطغيانها المنسي للانسان نفسه، والمعمي له عن حقيقة مصلحته، فلا يرى نجاته ولا طريقها، ولا يرى حتى بعضه، وتتراكم الظلمات حتى يغطيها سحب الجهل والحهالة.ولا مبدد للسراب الا خبرة الصحراء وعدم الاغترار بسرابها كما لايبدد ظلمات الجهل والطغيان الا نور الله ، نور وحيه الذي انار به قلوب وطريق المؤمنين (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور)
فلنقرأ ولنتدبر سورة النور انار الله قلوبكم بنور وحيه وهداه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.