الدعوة والدعاية
تلتقي الكلمتان في تكوينهما اللغوي، حيث كل منهما مشتق من الجذر اللغوي- د ع و - وتفترقان في المعنى والغاية والمقصد لكل منهما، افتراقا يتباعد احيانا ويتقارب احيانا اخرى.
وتطلق كلمة الدعوة حسب معاجم العربية على استعمالات لغوية عدة، منها الدعاء والطلب من الله تعالى وسؤاله، فتقول دعوت الله له او عليه، وواحدة الدعاء :دعوة، فتقول دعوت الله لجمع شمل الامة واساله استجابة دعوتي، فهي هنا اسم مرة من الدعاء. ومنه قوْله تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 55] ، وقالَ ابنُ فارسَ: وبعضُ العرَبِ يُؤَنّثُ الدّعْوَة بالأَلفِ فيقولُ الدّعْوَى. ومنه قولُه تعالى: ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10]
كما وتطلق كلمة الدعوة على المناسبة او الوليمة ذاتها او على طعام الوليمة التي يدعى اليها فتقول اجبت دعوة فلان اي حضرت وليمته او مناسبته...
ودعوت فلان اي ناديته وصحت به ، واستدعيته اي طلبت حضوره
وتاتي بمعنى الطلب فتقول دعوتهم لفعل كذا او ترك كذا اي طلبت منهم، والتجمع فتقول دعوتهم فتداعوا، وبمعنى الاستمالة للخير او للشر فتقول دعوتهم للبر او دعاهم للفاحشة، والدعوى تكون بمعنى الادعاء وهو الشكوى والمطالبة بقضية، فتطلق على عملية المقاضاة كما وتطلق على موضوع القضية..
ومن لطائف العربية ومحاسنها ان كلمة الدعوى بمعنى الشكوى والمطالبة والمقاضاة وما فيها من خشونة انثت بالالف المقصورة، وكلمة الدعوة التي فيها طلب الحضور والاستمالة ورجاء الاجابة انثت بالتاء المربوطة علما بان مادة الاشتقاق وجذرها واحد فتامل جمال لغتك.
ويقال لمن يقوم بعملية الدعوى بمعنى الشكوى مدعي، ويقال لمن يقوم بعملية الدعوة بمعنى طلب الاجابة واستمالة المدعو لها داعي وداعية.
والدعوة من الالفاظ المشتركة التي تطلق ويراد منها 1- مادة الدعوة ومضمونها وبالنسبة لنا نحن امة الاسلام فان الدعوة عندنا تعني رسالة الاسلام، التي لايقبل الله للناس دينا غيرها، والتي تضبط السلوك الانساني في جميع مجالات حياته لتمكنه من الارتقاء للقيام بمهمة استخلافه في الارض، التي استعبد الله الانسان بها وبتحقيقها يحقق الانسان غاية الله تعالى من وجوده وخلقه حيث خلقه لعبادته.. {لَهُ دَعوَةُ الحَقِّ وَالَّذينَ يَدعونَ مِن دونِهِ لا يَستَجيبونَ لَهُم بِشَيءٍ إِلّا كَباسِطِ كَفَّيهِ إِلَى الماءِ لِيَبلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الكافِرينَ إِلّا في ضَلالٍ} [الرعد: ١٤].
2- عملية ايصالها وتبليغها، وهي تتضمن عملية الحفاظ على الاسلام ومفاهيمه واحكامه بين المسلمين، بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والتواصي بالصبر والتناصح بين ابناء الامة، كما وتتضمن حمل و نشر هذه الرسالة وابلاغها للعالمين لقوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28 سبأ) وقوله تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف : 158 ] ، ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) [ الفرقان : 1 ] . وعن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " .وقد اورث الله تعالى هذه الامة مهمة الدعوة واللاغ للامم بعد نبيها صلوات ربي وسلامه عليه فقال (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ ﴿١٤٣ البقرة﴾ وقال تعالى( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴿١٠٤ آل عمران﴾ وقال سبحانه( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴿١١٠ آل عمران﴾..
وخط للامة حاملة ووارثة الرسالة طريقها وابان معالمها فقال
ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125 النحل)، وقال
وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ ۗ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۗ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)يوسف)
فالدعوة هي نشر واستمالة المدعوين الى مادة الدعوة - الرسالة - بابراز خصائصها ومفاهيمها ومعانيها، دون تقاضي الاجر المادي من احد الخلق، ودون انتظار اي مردود مالي او كسبي من البشر، الا ابتغاء رضوان الله تعالى وابتغاء ثوابه، فهي ارتباط مباشر مع الله تعالى وبالله ولله: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)فصلت).
واما الدعاية فانها غالبا ما تكون لعمل دنيوي محض يراد منه تسويق منتج معين او بضاعة معينة او شخص او جهة وجهة نظر ما، والاعلان والترويج لذلك، لقاء اجر مادي تكسبي معلوم او مامول، بخلاف الدعاة لله اهل الحق ودعوة الحق
قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) سبأ).و: ( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين [ 86 ص] وقوله في " الأنعام " : (قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين )[90 ] وقوله في " سورة هود " : (ياقوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني ...) [51 ] وفي الشعراء
وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين)[109 ] .. و مما سبق ندرك أن الدعوة ترتبط بالدين في معظم أحوالها، والدعاية تعنى بالأمور الاعلانية الدنيوية والمكاسب المادية.
إلا أن الدعوة لها أهدأف سامية بعيدة الغورعميقة القصد وسامية الغاية، حيث تتعلق بمسير الإنسان الدنيوي ومصيره الأخروي؛ داعياً ومدعواً، ففي الحياة الدنيا لتكون النتائج ظاهرة بإنقاذ المدعو ودعوته لدين الله، وللداعي بإنقاذه لما فيه سعادته وفلاحه..وفي الاخرة نجاته من العذاب ..{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف:31]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [لأنفال:24]. اللهم ربنا استخدمنا لخدمة دينك ودعوتك مخلصين لك الدين وتقبلنا ربنا في عبادك الصالحين المصلحين والسلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته