وقفات تدبرية مع اسباب النزول
وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ (163)البقرة
لما انزل الله تعالى هذا القول مقررا للمشركين حقيقة التوحيد المقتضي للوحدانية نافيا الشبيه والنظير متفردا في وجوده وحده غير داخل في شيء ولا شيء داخل فيه فهو وحده الاله لا ينبغي للخلق اله غيره ولا رب للعالمين غيرُه, ولا يستوجبُ على العبادِ العبادةَ سواه, وأنّ كلّ ما سواه فهُم خَلقه, والواجبُ على جميعهم طاعته والانقيادُ لأمره، وتركُ عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة، وهجْر الأوثان والأصنام. لأنّ جميع ذلك خلقُه، وعلى جميعهم الدينونة له بالوحدانية والألوهة, ولا تَنبغي الألوهة إلا له, إذ كان ما بهم من نعمة في الدنيا فمنه، دون ما يعبدونه من الأوثان ويشركون معه من الأشراك؛ وما يصيرون إليه من نعمة في الآخرة فمنه, وأن ما أشركوا معه من الأشراك لا يضر ولا ينفعُ في عاجل ولا في آجل, ولا في دنيا ولا في آخرة.فهو رحمن الدنيا حيث اقام سننها وقوانينها برحمته ولم يترك الكائنات فوضى مضطربة الوجود، بل سلكها في نظام السنن والنواميس، فاستقام الوجود بامره ،وهو رحيم الاخرة فلا يعاقب الا من استحق العقوبة وابى الرحمة وكان نشازا في مسيرة الخلق والايجاد.
وهنا اعترض المشركون كما ورد في اسباب النزول، فقالوا:- : وما الحجة والبرهان على أنّ ذلك كذلك؟ ونحن نُنكر ذلك, ونحن نـزعم أنّ لنا آلهة كثيرة؟ فأنـزل الله عند ذلك:- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)البقرة
اي انه تعالى ذكره قال لهم: أيها المشركون، إن جهلتم أو شككتم في حقيقة ما أخبرتكم من الخبر: من أنّ إلهكم إله واحد، دونَ ما تدَّعون ألوهيته من الأنداد والأوثان, فتدبروا حُججي وفكروا فيها, فإن من حُججي خَلق السموات والأرض, واختلاف الليل والنهار, والفلكُ التي تجري في البحر بما يَنفعُ الناس, وما أنـزلت من السماء من ماء فأحييت به الأرض بعد موتها, وما بثثتُ فيها من كل دابة, والسحاب الذي سَخرته بين السماء والأرض. فإن كان ما تعبدونه من الأوثان والآلهة والأنداد وسائر ما تشركون به، إذا اجتمع جميعه فتظاهرَ أو انفرد بعضُه دون بعض، يقدر على أن يخلق نظيرَ شيء من خَلقي الذي سميتُ لكم, فلكم بعبادتكم ما تعبدون من دوني حينئذ عذرٌ, وإلا فلا عُذر لكم في اتخاذ إله سواي, ولا إله لكم ولما تعبدون غَيري. فليتدبر أولو الألباب إيجازَ الله احتجاجَه على جميع أهل الكفر به والملحدين في توحيده، في هاتين الآيتين ، بأوْجز كلام، وأبلغ حجة وعبارة وألطف معنى يشرف بهم على مَعرفة فضْل حكمة الله وبَيانه.
ونلاحظ هنا انه تعالى ذكره لفت الانظار من جملة ما لفت اليه اياته الكونية التي هي من صنعه تعالى ولفت نظرهم الى ما يصنعون هم بانفسهم من الفلك التي تجري في البحار والانهار مستفيدين في هذه الصناعة من اقدار الله تعالى وسننه ونواميسه مستغلين ظاهرة الطفو لصنع الفلك التي ينتفع بها الناس ، وهو تعريضه بصناعتهم للاوثان والاصنام التي عبدوها فاضرت وما نفعت الناس، فكانت عبثا اقترن باوهام وخيالات لا جلب نفعا ولا يدفع شرا، وهو تشنيع على من يصنع ما يجلب للناس المضرة وشكر لمن يجلب للناس المنافع ويحقق لهم المصالح التي تسهل عيشهم. ولعلنا هنا نذكر قصة الرجل الذي راه احد الخلفاء وهو يرمي الابر من مسافة فتقع الابرة في خرم اختها فكافاه بمائة دينار وامر بجلده فلما سئل عن ذلك قال بما معناه ان المكافأة كانت لمهارته وان العقوبة كانت لان مهارته لا تفيد احدا وقس عليها مشاريع اطول كعكة واكبر صحن حمص واكبر كبسه او منسف بل واعادة صناعة الاوثان والاصنام الى جزيرة العرب جزيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ما مات الا بعد ان وحدها وطهرها من الشرك ومظاهره ودواعيه
نسال الله تعالى التوفيق لمرضاته والهداية بهداه وابرام امر رشد للامة يعز به وفيه اولياءه ويدفع ويردع به وفيه اعداؤه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.