يتميز رمضان منذ بداية تكوين دولة الإسلام، في المدينة، على أنه شهر الانتصارات.. شهر البركات.. شهر الأمجاد.. شهر البطولات.. شهر التضحيات.. شهر البذل والعطاء والفداء.. شهر الفتوحات.. شهر إرواء الأرض العطشى بالدماء الطاهرة الذكية، لتُنبت نباتا زكياً، وتُنشئ رجالا ونساء عُلياً..
إنه شهر بداية الدعوة، إلى توحيد الله، وبداية نزول القرآن..
إنه شهر الشهادة، والشهداء الأبرار.. شهر الملاحم، والمعارك العظام..
وليس شهر الكسل، والنوم، والطعام، والشراب، ومشاهدة المسلسلات، والاستماع إلى الموشحات، والطرب بالأناشيد، المخدرة، المنومة، والتغني بالأمجاد الغابرة، والاستمتاع بالذكريات الخالية، والقناعة بما تحقق من إنجازات عظيمة، على يد الأجداد، والركون إلى الحياة الدنيا!!
وسنستعرض في هذا المقال، جميع المعارك والحروب، التي حصلت بين المسلمين والكافرين في رمضان، على مدار التاريخ، حسب التسلسل التاريخي، سواءً كانت حققت انتصاراً باهراً، أو فتحاً مبيناً لبعض المدن أو البلاد، أو القضاء على عصابة كافرة، فاسدة، مفسدة في الأرض، أو مجرد حصول هجوم على الكافرين، بدون قتال، أو اشتباك معهم.
لتُبين، وتُثبت للعالمين، حقيقة شهر رمضان، وماذا كان يفعل المسلمون الأوائل فيه، وكيف كانوا يستغلونه أعظم استغلال، لتحقيق الفوز، والغلبة على الأعداء.
لعل وعسى، أن تشحذ هذه السيرة العطرة، المباركة، لهذا الشهر المبارك، نفوس المسلمين الحاليين، فتدفعهم إلى الاقتداء بالسلف الصالح، والسير على منوالهم، لتغيير الأوضاع المأساوية الحالية..
1- سرية حمزة بن عبد المطلب:
وأول سرية انطلقت من المدينة، كانت بقيادة حمزة بن عبد المطلب رضي الله، في رمضان في السنة الأولى للهجرة، وفي الشهر السابع لمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، لاعتراض قافلة لقريش، بقيادة أبي جهل.
وبالرغم من عدم حصول اشتباك، وقتال بين المسلمين والمشركين، إلا أن مجرد النية، والهمة العالية المتوفزة، والرغبة الصادقة، لقتال المشركين، والانتقام منهم، يُعتبر في حد ذاته انتصاراً.(1).
2- غزوة بدر الكبرى:
وأول انتصار للمسلمين على المشركين.. حصل في رمضان عام 2 للهجرة.. في غزوة بدر الكبرى التي سُميت أيضا معركة الفرقان، فانتصروا على المشركين، وقتل منهم سبعون رجلاً، على رأسهم أبو جهل ( عمرو بن هشام ) العدو اللدود الأول للإسلام.(2).
3- فتح مكة:
حيث كان الانتصار الساحق، للمسلمين على المشركين.. وقع في رمضان عام 8 للهجرة بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عدد الجيش، يصل إلى عشرة آلاف مقاتل، وهذه لأول مرة في تاريخ الدولة الإسلامية الناشئة، يتوفر هذا العدد الكبير.(3).
4- معركة البويب قرب الكوفة:
وفي أرض العراق، بين المسلمين والفرس، وفي السنة 13 للهجرة، كانت المعركة بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني، قبل المعركة الكبرى ( القادسية )، وتم فيها الانتصار الساحق على الفرس، وقُتل فيها عشرات الآلاف منهم، وكانت هي الركيزة الأساسية، والقاعدة الصلبة، والمقدمة الفاتحة، للانتصارات التالية مع الفرس.(4).
5- فتح النوبة ومعاهدة البقط:
على يد القائد عبد الله بن أبي سرح، حيث وصل المسلمون إلى بلدة دنقلة، عاصمة بلاد النوبة، وحاصروها حصاراً شديداً، مما اضطر سكانها، إلى طلب الصلح مع المسلمين، فتمت المعاهدة في رمضان 31 للهجرة، وتم إعطاء الأمان، لجميع أهل البلاد، وكذلك للمسلمين، لكي يدخلوا إليها، وينشروا الإسلام بين أهلها، سلماً، ولحرية الدعوة إلى الله، والحفاظ على المسجد، الذي تأسس في دنقلة.
مع دفع جزية سنوية للمسلمين، وقدرها 360 رقيقاً، مما كان لهم أثر طيب في نشر الإسلام، بعد تحررهم، ودخولهم في الإسلام.(3).
6- فتح الأندلس:
والذي تم على يد القائد المسلم البربري، طارق بن زياد في 92 للهجرة، فاستطاع القضاء المبرم على جيش لذريق الصليبي، الذي كان يفوق عدده عدد المسلمين، ومن ثم استمر الجيش المسلم، يتقدم في أرض الأندلس، يفتح مدينة وراء أخرى، بدءً من قرطبة في الجنوب.(4).
7- معركة بلاط الشهداء:
في السنة 114 للهجرة، حصلت هذه المعركة العظيمة في جنوب فرنسا، في منطقة تور بواتيه، وكان يقود الجيش الإسلامي، عبد الرحمن الغافقي، الذي حقق انتصارات رائعة في فرنسا، وفتح مدناً كثيرة فيها، لكن – للأسف – كانت نهايتها مأساوية، وحزينة، ومفجعة، حيث استشهد الغافقي، مما أثر على سير المعركة سلباً، إضافة إلى انشغال المسلمين بالغنائم، وخوفهم على سرقتها، أدى إلى هزيمة كبيرة، واستشهاد أعداد كبيرة من المسلمين، مما دعا المؤرخين، إلى تسميتها ببلاط الشهداء، لكثرة الشهداء الذين سقطوا فيها.(5).
8- الانتصار على طائفة الخرمية:
وفي السنة 222، حقق المسلمون في أيام المعتصم بن الرشيد، انتصاراً باهراً، على طائفة باطنية فارسية مجوسية، تُدعى بالخُرمية، بزعامة ( بابك الخرمي )، وكانت تستبيح المحرمات، وتعيث في أرض الدولة العباسية، وخاصة في فارس - مكان نشأتها، وانتشارها- الفساد، والضلال، والموبقات..
واستمرت في ذلك عشرين سنة، حتى تمكن الجيش المسلم، الذي كان بقيادة الأفشين التركي، من دخول البذ، وهي عاصمة الخُرمية، فتحصن بابك قائد هذه الطائفة الكافرة فيها، ثم هرب من قصره ، وساح في بلاد الروم، حتى تمكنوا منه، فقبضوا عليه، ونقلوه إلى المعتصم في سامراء، وقتلوه، وصلبوه فيها، ليراه المسلمون، ويفرحوا به، ويذهب غيظ قلوبهم، بعد أن قتل خلال عشرين سنة 255500 إنسان.(6).(7).(
.
9- فتح عمورية:
وفي السنة 223 انتصر المسلمون، انتصاراً مظفراً، بقيادة الخليفة العباسي، المعتصم بن الرشيد، على الروم في المعركة المشهورة، عمورية، والتي كان سبب وقوعها، أن بابك الخرمي اللعين، راسل ملك الروم، توفيل، وحرضه على القدوم إلى دار الخلافة، فجهز جيشاً تعداده مائة ألف، وانطلق نحو الديار الإسلامية، فمر ببلدة، مًلًطية، وزِبَطْرَة، وقتل من المسلمين أعداداً كبيرة، ومثل بهم، وأسر أكثر من ألف امرأة مسلمة، ومنهن كانت امرأة قرشية.(9).(10).
وأورد أحد المؤرخين:
أن صاحب عمورية، من ملوك الروم، كانت عنده شريفة، من ولد فاطمة رضي الله عنها، مأسورة في خلافة المعتصم بن الرشيد، فعذبها، فصاحت الشريفة، فعذبها، فصاحت الشريفة: وا معتصماه، فقال لها الملك: لا يأتي لخلاصك إلا على أبلق – فرس فيه سواد وبياض – فبلغ ذلك المعتصم، فنادى في عسكره، بركوب الخيل البلق، وخرج وفي مقدمة عسكره، أربعة آلاف أبلق، وأتى عمورية وفتحها، وخلص الشريفة وقال: (اشهدي لي عند جدك، أني أتيت لخلاصك، وفي مقدمة عسكري أربعة آلاف أبلق).(11).
وهكذا تمكن المعتصم، من الاستجابة ً لصيحة الهاشمية الحـرة (وا معتصماه)، وجاءها على خيل بلق، فخلصها وقتل الرومي، الذي لطمها، ثم أمر ببناء زبطرة وشحنها بالرجال والعتاد، والميرة.(11).
10- فتح سرقوسة في جزيرة صقلية:
وفي السنة 264، انتصر المسلمون في جزيرة صقلية، حيث تمكنوا من السيطرة على مدينة سرقوسة، وهي أكبر مدينة تابعة لصقلية، على يد جعفر بن محمد، الذي كان أميراً على صقلية، فاستطاع بعد حصار شديد دام تسعة أشهر، من استخلاصها من الروم، وقتل من حاميتها عدة آلاف، كما تمكنوا من التغلب على الأسطول الروماني، الذي جاء من القسطنطينية، لمؤازرة حاميتها، فاستولوا على أربع قطع منه.(12)..
11- معركة الزلاقة بالأندلس:
وفي السنة 479، حصلت معركة الزلاقة في الأندلس، بين جيش المعتمد بن عباد، أمير إشبيلية، بالتعاون مع أمير المسلمين، يوسف بن تاشفين، حاكم المغرب، وبين جيش النصارى، بقيادة أذفونش مللك طليطلة، وكان النصر حليف المسلمين.(13).
للحديث بقية إن شاء الله تعالى..
الأربعاء 20 رمضان 1441
13 أيار 2020
د/ موفق مصطفى السباعي
المصادر:
1- تاريخ الطبري ج2 ص 402 file:///D:/%D9%83%D8%AA%D8%A8%20%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A9/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%B1%D9%8A%202.pdf
2- نفس المصدر ص421
3- الكامل لابن الأثير ج2 ص116 file:///D:/%D9%83%D8%AA%D8%A8%20%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A9/kamilt02.pdf
4- نفس المصدر ص289
5- من معارك المسلمين في رمضان لعبد العزيز العبيدي ص 56.
6- الكامل لابن الأثير ج 6 ص 29 file:///D:/%D9%83%D8%AA%D8%A8%20%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A9/kamilt06.pdf
7- البداية والنهاية لابن كثير ج11ص80 file:///D:/%D9%83%D8%AA%D8%A8%20%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9%2011.PDF
8- تاريخ الطبري ج9 ص31 file:///D:/%D9%83%D8%AA%D8%A8%20%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A9/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%B1%D9%8A%209%20%20.pdf
9- الكامل لابن الأثير ج6 ص45 file:///D:/%D9%83%D8%AA%D8%A8%20%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A9/kamilt06.pdf
10- البداية والنهاية ج11ص85 file:///D:/%D9%83%D8%AA%D8%A8%20%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9%2011.PDF
11- عمورية معرفة https://www.marefa.org/%D8%B9%D9%85%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9
12- الكامل لابن الأثير ج6ص279 file:///D:/%D9%83%D8%AA%D8%A8%20%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A9/kamilt06.pdf
13- الكامل لابن الأثير ج8 ص478 file:///D:/%D9%83%D8%AA%D8%A8%20%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A9/kamilt08.pdf