(بؤس الديمقراطية )
ب : دعوياً :
الدعاية من أهم الوسائل التسويقية المعاصرة, وأصبح اليوم من الصعب تسويق سلعة بدون البث الدعوي المكثف حولها ولها, واستخدام جميع الوسائل الدعوية المتاحة اجتماعياً, في سبيل ذلك, سواء الورقية أو المرئية أو المسموعة و الرقمية, وهذه الوسائل جميعها هي ليس مجانية متاحة, بل إن أي استعمال دعوي لها سيدفع مقابله, وكل مادة سوف تستخدم لها ثمن وقيمة, و بها جهد مبذول مجسد بها, وكذلك أي جهد إضافي سيبذل له ما يقابله, وهذه جميعها تحسب تكلفة دعائية وتسويقية, وهذه في النهاية غير منتجة لشيء, ولا تضيف للسلعة أي شيء, إنها مجرد ثرثرة وكلام فارغ في النهاية, أمام الحاجة العملية و الإستعمالية للشيء المطلوب للاستعمال.
إن الدعاية والإعلانات والترويج للسلعة هو تكلفة إضافية يدفعها المستهلك وهو في غنى عن ذلك, فليس هو المعني وصاحب المصلحة و الإستفادة من هذه الدعاية, بل صاحب السلعة أو بائعها وحده هو صاحب هذه المصلحة, وليس المستهلك سوى ضحية لهذه الطريقة مرتين, المرة الأولى حيث يحمل تكلفتها , والمرة الثانية حين وقع ضحيتها ليختارها عن غيرها بسبب الدعاية وليس بسبب التجربة والتأكد من مدى صلاحيتها له وأفضليتها على غيرها, وفي النهاية هو يدفعها وهي ليس لصالحه بل لخداعه و تسويقها عليه على أنها هي الأفضل, بل تستخدم الدعاية بطرق تصبح فيه قادرة على تصنيع الوعي وتجهيزه لاستهلاك هذه السلعة, أو تلك.
مثالاً على ذلك حين يتعرض الإنسان إلى شريط فيديو قصير يقدم فيه أن رجل الأعمال الناجح يستعمل سيارة مرسيدس, وهي علامة ودليل على النجاح والقوة والتميز, هذه الكلمات المادحة والصفات التي تحمل لهذه السلعة هي عملياً لا وجود لها , ولكن سماعنا لها وتكرارها على مسامعنا يجعلها تنطبع في ألا وعي لدينا كصفة مرافقة لهذه السلعة, و كأنها تحمل سر النجاح والتميز و التفوق والربح في النهاية بالنسبة لنا, وحين أذهب أو أفكر في شراء سيارة, أول ما سيخطر ببالي هي سيارة مرسيدس, لكونها هي الخيار الذي يتكرر على مسامعي كل يوم, وتحمل مواصفات غير متوفرة بها, فهي مجرد وسيلة نقل لا أكثر ولا أقل, ولكن أصبح لدي ثقة أنها سبب من أسباب النجاح والتفوق حين استعمالها, لقد صنع الوعي لدي لاستهلك هذه السلعة بكل أريحية, وألبي حاجة المنتج أو المسوق.
إن تكلفة هذه الصناعة للوعي الاستهلاكي يدفعها المستهلك ذاته من جيبه, إنها عملية احتيال تمارس علينا كل يوم ونحن غافلين كالخراف الذاهبة إلى المسلخ , لا من يرحم ولا من يتعاطف ولا من يسعى لتوعيتها على الحقيقة, وإلى أين هي ذاهبة.
لذلك من الضروري إعادة النظر في موضوع الدعاية وعدم تحميله التكلفة للسلعة, و إعادة النظر في طريقة تقديم السلعة, بما يفيد المستهلك وليس بما يغشه, أو يضلل وعيه, فتقدم بدل الدعاية توضيح وسرد معلوماتي ضروري عن السلعة يعطي مواصفاتها هي وليس مواصفات مستهلكها, فهذه له هو وليس للسلعة, وكلا له مواصفاته, ولذلك تغير طرق تقديم السلعة, وإعطائها الطابع المعرفي والعملي المجدي للطرفين, ولا يعمل لصالح طرف واحد ويدفع تكلفته الطرف الآخر.