من تاريخ الأندلس.. حين حارب المسلمون الفايكنج
شارك
28246
إيثار جمال
- اقتباس :
- «كانت سيادة البحار الشمالية منذ بداية العصور الوسطى في يد الفايكنج أو النورمانيين وهم أمة بحرية عريقة تمرست منذ غابر العصور ركوب البحر ومقارعة أهواله*كتاب«دولة الإسلام في الأندلس»
امتدّ عصر الفايكنج من نهاية القرن الثامن الميلادي وحتى منتصف القرن الحادي عشر، فاستغرق 287 عامًا منذ عام 789 إلى عام 1066، كان الموطن الأصلي لشعب الفايكنج هو الدول الإسكندنافية، وانطلقوا منها نحو أوروبا وجنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا بأهداف مختلفة بين النهب والتجارة والاستعمار.
في القرن الثامن الميلادي راح الفايكنج يقودون حملات بحرية لنهب الجزر البريطانية يدفعهم شظف العيش وروح المخاطرة، حتى وصلوا إلى شمال فرنسا، وأنشأوا هناك عدة مراكز.
الفايكنج يحومون حول الأندلس
وصل الفايكنج إلى مملكة جليقية في شبه الجزيرة الإيبيرية، لكن ملكها راميرو سريعًا؛ ما أرسل لهم جيشًا كبيرًا – كان مستنفرًا على الدوام بسبب الحرب الأهلية الدائرة هناك – فاستطاع هزيمتهم وإحراق سفنهم، فارتدوا نحو الجنوب، حيث الأندلس.
الفايكنج يهاجمون شبه الجزيرة- مصدر الصورة: elblogdeacebedo.blogspot
وفيما تقول بعض المصادر إن الصدفة هي من قادتهم إلى الأرض التي كانوا يحومون حولها، وإن هذا كان دأبهم على أية حال، تقول أخرى إن الرخاء الذي تمتعت به الأندلس هو ما أثار تطلّعات الفايكنج لنهب ثرواتها، بينما كانت الأندلس تجهل تمامًا ذلك الخطر الآخذ في الاقتراب، لم تكن تعرف الفايكنج أو النورمانيين إلا باسم «المجوس» وهي التسمية التي تعود – ربما – للعهد الذي عرف فيه أهل الأندلس النورمانيين وكانوا حينها مجوسًا لم يعتنقوا المسيحية، وقد ذكرت بعض الروايات أن الفايكنج لم يكونوا حتى ذلك الوقت قد اعتنقوا المسيحية، وهذا لم يحدث إلا في عام 845، لكن ليس هناك إجابة واضحة في المصادر التاريخية.
تاريخ وفلسفة
منذ 3 سنوات
كلمة الله منقوشة على أكفانهم.. هل كان «الفايكنج» مسلمين فعلًا؟
يقول إدواردو موراليس – أحد مؤلفي كتاب «الفايكنج في شبه الجزيرة الإيبيرية»: «بالتأكيد سمع الفايكنج العديد من القصص حول الثروة والعظمة في الأندلس، وعن قصر الأمويين الرائع في قرطبة، وعن المملكة التي استطاعت أن تعيش في أعلى مظاهر البذخ في أوروبا في القرن التاسع».
وهكذا في أوج ازدهار دولة الإسلام في الأندلس في عهد الخليفة الأموي عبد الرحمن بن الحكم، واجهت الأندلس خطرًا مروعًا لم يكن في حسبانها أبدًا؛ إذ فوجئت في أواخر عام 230هـ (عام 843م) بأسطول من 80 مركبًا يرسو في مياه أشبونة (لشبونة حاليًا) فأسرع حاكمها وهب لله بن حزم يخبر الخليفة بقدومهم، فأوصى الخليفة عمال الثغور بالاستعداد لهذا الخطر.
اشتبك النورمانيون مع المسلمين في عدة معارك، ثم رحلوا بعد 13 يومًا في اتجاه الجنوب، فوصلوا إشبيلية التي لم تكن لها أسوار تحميها من مثل هذا الهجوم، ولم يكن لدى الدولة حينها أسطول بحري وكان قدومهم مفاجأة مروعة لأهل إشبيلية، فقد أمعنوا فيهم القتل والأسر وراحوا يدمرون منازلها ويهدمون مسجدها، واستمر الهجوم حوالي 40 يومًا.
معركة تابلادا
أرسل الخليفة قواته على عجل لنجدة إشبيلية بقيادة عبد الله بن كليب ومحمد بن رستم واجتمعت جيوش من مدن الأندلس المختلفة للجهاد، وتلقّى النورمانيون أيضًا مددًا جديدًا، ونشبت معارك متعددة تفوقوا فيها على الأندلسيين. إلى أن قامت معركة تابلادا الحاسمة في قرية طلياطة غربي إشبيلية بقيادة محمد بن رستم فقتل نحو ألف منهم بينهم القائد، وأحرقوا لهم 30 سفينة واتخذوا مئات الأسرى، أعملوا فيهم القتل وراحوا يصلبونهم أمام أعين من بقى من النورمانيين، إلى أن تراجعوا نحو السفن الباقية، فتتبّعهم الأندلسيون ليفتدوا أسراهم بما وجوده من سلع. وغادر الفايكنج بعيدًا وانتقموا بالإغارة على لبلة وباجة في طريق عودتهم.
معركة تابلادا – مصدر الصورة historiaymisterios
بعد انحسار الخطر اهتم الحكام في الأندلس ببناء أسطول والتحصينات البحرية، فبنى الخليفة سورًا أحاط بإشبيلية ودارًا لصناعة السفن الحربية الكبيرة التي صارت نواة الأسطول الأندلسي الكبير الذي أصبح في عهد عبد الرحمن الناصر يضمّ 200 سفينة.
وكان من نتائج هذه الهجمات أيضًا إنشاء نظام للمراسلة على ظهور الخيل السريعة بين المدن للتحذير من أي هجمات في المستقبل، وحتى نهاية عصر الفايكنج ظل المسلمون والمسيحيون في شبه الجزيرة الإيبيرية يبنون الحصون والأسوار لحماية أراضيهم من هجمات الفايكنج التي تميّزت بعنصر المفاجأة.
الصلح والسفارة
سعى الفايكنج إلى الصلح مع الخليفة الأندلسي فأرسلوا وفدًا يطلب الصلح، وقد ردّ الخليفة بإرسال سفارة أندلسية رفيعة رافقت سفن النورمانيين لتقرّ الصلح، كان على رأسها الشاعر يحيى الغزال ويحيى بن حبيب، وخرج الوفد من مدينة شلب في سفينة خاصة، وخاض رحلة طويلة وصعبة تعرض فيها لأهوال المحيط الأطلنطي إلى أن وصل إلى الدنمارك – على حدّ وصف بعض المؤرخين، ويرجّح البعض أنه وصل إلى أيرلندا – فقدموا إلى ملكهم كتاب الخليفة وهداياه ولقوا ترحيب أهل البلاط الملكي.
وبين الحكايات التي تُروى عن حصافة يحيى الغزال ما يُحكى عن دخوله على الملك بعد يومين من وصول البعثة استدعاهم الملك إلى رؤيته فاشترط الغزال عليه ألا يسجد له، ولا يخرجهما على شيء من سنّتهما هو ورفيقه يحيى بن حبيب، فأجابهما إلى ذلك فلما مشيا إليه، قعد في أحسن هيئة وجلس الغزال على الأرض، وقدم رجليه في الدخول، فلما جاز الباب استوى واقفًا، وقضى الوفد 40 شهرًا، اكتشفوا فيها عادات الفايكنج وثقافتهم وأقاموا علاقات طيبة مع أهل البلاد قبل أن يعودوا إلى الأندلس.
آثار الفايكنج في إسبانيا
رغم الكتابات التاريخية التي تؤكد وصول شعب الفايكنج إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، إلا أنه لم يُعثر على أثر ماديّ لهم سوى وعاء أسطواني مزخرف يحتفظ به متحف كنيسة سان إيسيدورو دي ليون، ولم يُعرف على وجه التحديد كيف انتقلت هذه التحفة الفنية التي تنتمي لفن الفايكنج إلى إسبانيا، تتعدد الاحتمالات بين أن تكون إحدى الآثار التي خلّفها المهاجمون لشبه الجزيرة في العصر الأندلسي، أو أنها انتقلت مع أحد الحجاج إلى سان إيسيدورو.
يُعتقد أن بقايا من الفايكنج بقيت في إسبانيا بعد فشل هجماتها في شبه الجزيرة، وربما كانوا أحد الأسرى، ويُقال أن قرية صغيرة تسمى «Lordemanos» (وهو اسم قريب من «نوردوماني» و«لوردوماني»الذي أُلق على شعوب النورمانيين) في محافظة ليون، تضمً أحفاد هؤلاء النورمانيون الذي بقوا في إسبانيا.
يُعتقد أن هناك من بقى في إشبيلية من الفايكنج وعملوا في صناعة الجبن الذي تشتهر به حتى اليوم- مصدر الصورة: bonviveur
و يعتقد بعض المؤرخين أن بعضًا من شعب النورمانيين بقوا في الأندلس وتحوّلوا إلى الإسلام واستوطنوا إشبيلية وعملوا في صناعة الجبن الذي تشتهر به إشبيلية إلى اليوم. وفي غاليسيا جرى العثور على بقايا أثرية يُرجح أنها كانت معسكر مؤقت لمحاربي الفايكنج. وقيل إن بعض الأسرى منهم خرجوا واعتنقوا الإسلام وعملوا في الزراعة ورعاية الخيل، لكن إقامتهم القصيرة لم تُحدث أثرًا في المجتمع الإسباني، مثلما حدث في فرنسا وإنجلترا، كما لم يُعثر لهم على آثار تُذكر.
لم يكونوا مجرد عصابات شرسة
رغم ما شاع عن الفايكنج من أنهم عصابات شرسة من القراصنة تهاجم الأديرة والمدن الغنية وتقتل العزل وتخلّف الدمار وراءها، إلا أن هؤلاء المهاجمين كانوا جزءًا فقط من شعب النورمانيين الذي احترفوا الزراعة والصيد والتجارة والحرف اليدوية.
وتقدّموا في علم الهندسة والرياضة، وقدموا إنجازات مهمة ففتحوا طرقًا جديدة للملاحة البحرية، ونشطت بفضلهم التجارة العالمية، ووصلوا إلى أراضٍ جديدة.
سياسة
منذ 3 سنوات
جماعات الدم: «الفايكنج» الذين روعوا أوروبا ووصلوا إلى شواطئ أمريكا والأندلس