خطورة مخالفة الفطرة على الإنسان في الدنيا والآخرة (1) المهندس شفيق خميس – ولاية اليمن
تمهيد:
تفشت مؤخَّرًا ظاهرة المجاهرة بالشذوذ الجنسي على مرأى ومسمع من الناس، على غير ما درجت عليه حياة الناس في أن أعمال السوء تُمَارَسُ في الظلام متوارية عن أعين الناس لقبحها، وخوف مرتكبيها من أن يكتشفهم الناس ويعاقبوهم. وأصبحت يُفْسَحُ لها المجال وتُعْقَدُ لها المؤتمرات وتَصْدُرُ لحمايتها القوانين وتحتل مساحة من الأخبار الفصلية والأسبوعية واليومية الـمُذَاعة للناس، واتخذت طابع الاستفزاز الـمَقيت لحياة الناس والتحدي السافر لله ولدين الإسلام الذي جعله الله الرسالة الخاتمة للبشرية جمعاء، مبيِّنًا فيه الحلالَ الذي يُصلح به معيشتهم في الحياة الدنيا، ويوصلهم إلى دار السعادة في أُخْرَاهُم، والحرامَ الذي يُفسد عليهم معيشتهم في الحياة الدنيا، ويؤدي بهم إلى دار الشقاء في أُخْرَاهُم.
بعد أن تراخى أتباع بقية الأديان في التصدي للشذوذ والشوَّاذ جنسيًا، وتمالؤوا مع الرأسماليين في إفساد الناس بغية السيطرة الموهومة على العالم، وانخراط جمجمة منهم في أعمال الشذوذ تاركين البسطاء في حيرة من أمرهم، لا يسعهم إلا ركوب موجة الشذوذ الهادرة وعدم التنكُّب عنها.
إن الشذوذ الجنسي يعتبر تهديدًا فعليًّا لفطرة الله التي خلق الناس عليها في الحياة منذ بدء الخليقة؛ إذ خلق آدم وجعل له زوجًا تؤانسه ويُحْفَظُ بهما النوع الإنساني في الوجود إلى ما شاء الله. ويعتبر تصدِّيًا لتشريع الله القائل (فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ) [النساء: 3] واستبدال الشذوذ الجنسي به.
إن الناظر في تسلسل أعمال الشذوذ الجنسي يرى أنها يُخَطَّطُ لها في دوائر عالمية عليا تمارس هيمنتها على العالم من خلال الأمم المتحدة والمنظمات المنبثقة عنها، فقد أفردت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في كتابها “خيارات صعبة” فصلًا كاملًا يحمل عنوان “حقوق الإنسان عمل غير مكتمل”. ذكرت فيه أن البيت الأبيض صار يربط المساعدات الأمريكية للبلدان حول العالم بقبول مجتمعاتها للشذوذ والشذوذ الجنسي، وعلى ذلك درجت الأمم المتحدة بربط مساعداتها بالحنوّ على الشوَّاذ جنسيًا، وما خطة 2030م إلا ترجمة عملية لذلك.
فكان واجبًا ولزامًا علينا كبشر أسوياء، حملة دعوة عاملين لإعادة تطبيق الإسلام في دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة – لإسعاد المسلمين بعد شقاء جاوز المئة عام، ويعم الخير الأرض ومن عليها – أن نبين للناس خطورة مخالفة الفطرة عليهم في الدنيا والآخرة بوجود الشذوذ والشوَّاذ جنسيًّا بين ظهرانيهم، وحافزًا لنا لمضاعفة جهودنا وأعمالنا صوب إنجاز مهمة إقامة نظام الله في الأرض، الذي يُصلح حياة الناس وينتفع به الحجر والشجر، وينقمع به أولئك الذين يجاهرون بالشذوذ الجنسي ولا يستحيون من الله ولا من خلقه.
من يطلع على ما جاء في هذا الكتيب من فشوِّ الدعوة إلى الشذوذ ورسميتها وتعهد حماية الشوَّاذ بإصدار القوانين الأممية… يرَ أنه ليس في العالم اليوم إلا الإسلام والمسلمون هم من يقف سدًّا في وجه هذه الدعوة الفاسقة الظالمة، اللهم إلا بقايا هنا وهناك من أهل الكتاب… ويدركْ أن مثل هذه الدعوة قد حذَّر الله فاسقيها أنه سيصيبهم الله بعذاب من عنده مثلما أصاب قوم لوط، قال تعالى: (وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ بِبَعِيدٖ) [هود: 83] وما ندري أيكون العذاب من عنده سبحانه أم يجعله بأيدينا،، قال تعالى: (قُلۡ هَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَّآ إِحۡدَى ٱلۡحُسۡنَيَيۡنِۖ وَنَحۡنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمۡ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٖ مِّنۡ عِندِهِۦٓ أَوۡ بِأَيۡدِينَاۖ فَتَرَبَّصُوٓاْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ ٥٢) [التوبة: 52] اللهم أقم فينا دولة الخلافة التي تطهر الأرض من رجس هؤلاء المجرمين الساقطين… إنك وليُّ ذلك والقادر عليه.
مقدمة
خلق الله الكون والإنسان والحياة، وجعل لها جميعًا نظامًا تسير عليه، وفيما يخصُّ الإنسان، قال الله تعالى لآدم عليه السلام: (يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٣٥) [البقرة: 35] فنهاهما عن الاقتراب من شجرة بعينها والوقوع في الظلم.
ولـمَّا خلق الله الإنسان، جعل فيه غرائز وحاجات عضوية يستلزمه العيش إلى إشباعها. وكان الناس في إشباع غرائزهم وحاجاتهم العضوية بحاجة إلى الرسل من الله ليُبَصِّروهم كيف يشبعونها إشباعًا صحيحًا يؤدي إلى السعادة في الحياة والفوز بالآخرة، قال تعالى: (مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٩٧) [النحل: 97]، ولينهوهم ويحذروهم من إشباعها إشباعًا خاطئًا أو شاذًّا مخالفًا لأوامر الله؛ لأن ذلك يؤدي إلى الضنك في الحياة والخسارة في الآخرة، قال تعالى: (وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ١٢٤) [طه: 124].
وأما ما يزعمه الغربيون والشيوعيون من أن كبت غريزة النوع في الرجل والمرأة يسبب للإنسان أمراضًا جسمية ونفسية وعقلية فإن ذلك غير صحيح وهو وَهْمٌ مخالف للحقيقة. وذلك لأن هنالك فرقًا بين الغريزة والحاجة العضوية من حيث حتمية الإشباع، فإن الحاجة العضوية كالأكل والشرب وقضاء الحاجة يتحتم إشباعها، وإذا لم تشبع ينتج عنها أضرار ربما تصل إلى الموت. وأما الغريزة كالبقاء والتدين والنوع فإنه لا يتحتم إشباعها. وإذا لم تشبع لا ينتج عن عدم إشباعها أي ضرر جسمي أو عقلي أو نفسي وإنما يحصل من ذلك انزعاج ليس غير.
والغرائز في الإنسان ثلاث: غريزة التدين، وغريزة حب البقاء، وغريزة النوع، وما عداها هي مظاهر غريزية تندرج تحتها.
فأما غريزة التدين، فتتعلق بتسيير أمور الحياة وفق دين مُتَّبَع، وبالتالي يكون إشباعها إشباعًا صحيحًا إذا كانت عقيدة ذلك الدين تقنع العقل وتوافق الفطرة، مثل عقيدة (لا إله إلَّا الله محمد رسول الله)، فيتبعها إشباع صحيح لغريزتي البقاء والنوع، فيسعد الإنسان في الحياة الدنيا ويفوز في الآخرة. والإشباعُ الخاطئُ والشاذُّ يكون عن طريق دين لم تقنع عقيدته العقل ولم توافق الفطرة، كعقيدة (فصل الدين عن الحياة)، ويتبعها إشباع خاطئ لغريزتي البقاء والنوع، وبالتالي الشقاء في الحياة الدنيا والخسران في الآخرة.
وأما غريزة حب البقاء، فيكون إشباعها بحفاظ الإنسان على نفسه ليستمرَّ في العيش ويبتعدَ عما يهلكه، ويظهر بحب الإنسان السيادة على غيره وحب التملك وكراهية الموت…
وأما غريزة حفظ النوع، فتتجلى في تناسله وتوالده، والمسارعة في إنقاذ غيره من بني الإنسان ساعة تعرضهم للخطر، حتى ولو كان من أعدائه، وسينحصر حديثنا عن كيفية إشباعها بالطريقة الصحيحة، وخطورة إشباعها عن طريق الخطأ أو بطريقة شاذة، وما يترتَّب على كل إشباع. ومن أجل حفظ النوع الإنساني جعل الله الذكر والأنثى؛ حيث خلقهما، ونظَّم لهما إشباع غريزة النوع بما جاءت به الرسل من عنده سبحانه. قال تعالى: (وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ ٥ إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ ٦) [المؤمنون: 5-6]
إن الإشباع الخاطئ لغريزة النوع يكون بممارسة الجنس بين ذكر وأنثى بعيدًا عن أوامر الله؛ ومن دون عقد الزواج، والشرع حرم تلك الممارسة، ونهى من الاقتراب منها، قال تعالى: (وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا٣٢) [الإسراء: 32]، وقال سبحانه: (وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ) [الأنعام: 151] وجعل لمرتكبيها عقوبة رادعة بالجلد أو الرجم حتى الموت.
أما الإشباع الشاذُّ فيكون فيما وراء ذلك من لقاء الذكور بالذكور والإناث بالإناث، يضاف إليه لقاء الآدميين بالحيوانات فاعلين أو مفعولين، قال تعالىفَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ ٧) [المؤمنون: 7]. ذكر القرطبي في تفسير الجامع لأحكام القرآن: “وقال الزجاج: أي فمن ابتغى ما بعد ذلك؛ فمفعول الابتغاء محذوف، و(وَرَاءَ) ظرف. و(ذَلِكَ) يشار به إلى كل مذكور مؤنثًا كان أو مذكرًا”. (الجامع لأحكام القرآن ج12 ص107)
الشاذُّ في اللغة النادر، قال صاحب القاموس المحيط: “شَذَّ نَدَرَ”، وأضاف “وأشَذَّ: جاءَ بِقَوْلٍ شاذّ، والشيءَ: نَحَّاهُ وأقْصاهُ”. ولم يستخدم اصطلاحُ الشاذِّ جنسيًا في الشرع، وكان يعبر عنه بلفظتي اللواط Sodomy والسحاق Tribadism مضافًا إليها معاشرة البهائم. والشذوذ الجنسي مصطلحٌ مُستحدَث يُطلق على كافة الممارسات الجنسية غير الطبيعية المخالفة للفطرة الإنسانية التي فطر اللهُ عَزَّ وجَلَّ الناسَ عليها.
حكم الشوَّاذ جنسيًّا في الإسلام:
يعتبر الشذوذ الجنسي مخالفة لفطرة حفظ النوع الإنساني، وخروجًا عن المألوف عند الناس؛ لذلك كان يترتب على فعله عقوبة من الله تعالى، منذ ظهوره في زمن لوط عليه السلام وحتى الرسالة الخاتمة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم. فقد كانت عقوبة قوم لوط من أشد أنواع العذاب على الأرض. وبذلك تندرج بقية الأديان من بعد ظهور فعل الشذوذ الجنسي في زمن لوط في أن الله حرم عليهم فعله وعاقب مرتكبيه.
روى أبو داود وابن ماجة والترمذي والنسائي والدارقطني أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ». لفظ أبي داود وابن ماجة. وعند الترمذي «أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا».
إن أول من قام بالإشباع الشاذِّ بين الذكور منذ بدء الخليقة، هم قول لوط عليه السلام، قال تعالى: (وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ٨٠)[الأعراف: 80]
(وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٨٠ إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ ٨١). ولإعادة الناس إلى فطرتهم السويَّة، وعدم انتقالها إلى غيرهم من بني الإنسان، أرسل الله إلى قوم لوط رسولًا منهم يبصِّرهم بخطورة ممارستهم، وينهاهم عنها، ويحذِّرهم عقوبة خالقهم. أما إتيان النساء النساء فقد جاءت تالية لإتيان الذكور الذكور ولم تسبقها.
فلا خلاف أن الله سبحانه قد بعث لوطًا عليه السلام لينهى قومه عن فعل الفاحشة “إتيان الذكور”، ويحذِّرهم من عقوبة الله الشديدة لهم. قال صاحب القاموس المحيط: “الفاحشة: الزِّنَى، وما يَشْتَدُّ قُبْحُه من الذُّنوبِ، وكلُّ ما نَهَى اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ عنه”. ولقد كانت عقوبتهم أن أمر الله جبريل عليه السلام أن يقتلع مدائنهم ويرفعها إلى السماء، ثم يقلب عاليها سافلها، وأن يتبعها مطرًا بحجارة من سجيل. قال تعالى: (وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِم مَّطَرٗاۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ٨٤) [الأعراف: 84].
الشذوذُ الجنسيُّ في التاريخ اليوناني والروماني:
قرابة ألف وخمسمائة عام كانت تفصل بين زمن لوط عليه السلام وزمان اليونان. إلا إن اليونان غير البعيدين عن سادوم والمطلين على البحر الأبيض المتوسط من جهة الشمال عاودوا أفعال قوم لوط عليه السلام. ولما كان يونان “الإغريق” غارقين في وثنيتهم، كان الشذوذ الجنسي منتشرًا لديهم قبل ميلاد عيسى عليه السلام بأربعة قرون، ونتاجًا طبيعيًا في المدينة الفاضلة لإعطاء السياسيين والجنود حق ممارسة الجنس بحرية، وحرمانهم من تكوين أسر خاصة بهم، بدعوى أن الروابط العائلية التي تمنح الإنسان العاطفة والدفء تعطِّلهم وتقيِّدهم وتجعلهم جبناء مترددين يشعرون بالخوف على عائلاتهم، وكذلك كان للفاشيين الإيطاليين بزعامة موسوليني مثل هذا المنحى.
لقد اشتهرت أثينا باللواط وإسبرطة وجزيرة لسبوس بالسحاق، واشتهرت فيها الشاعرة سافو Sappho 570 ق.م. وقد ظهر في أثينا الفيلسوف الأستاذ والمعلم سقراط 470-399 ق.م الذي كان شغفه بالفتيان معروفًا، فقد كان لديه عشيق اسمه ألسيبياد، وكان يطارده باستمرار، كما هو موصوف في “المأدبة”: “لا أعتبر حبَّ هذا الرجل بالنسبة لي إحراجًا… منذ الفترة التي بدأت أحبه فيها، لم أعد أستطيع أن أنظر إلى شاب وسيم ولا حتى التحدث إليه من دون أن يبدأ، تحت تأثير الغيرة، بالشتم والسب، ثم الامتناع عن رؤيتي”. يتبعه في ذلك تلميذه أفلاطون 428-348 ق.م صاحب المدينة الفاضلة، الذي لم يتزوَّج أبدًا، ويروي غريغوري فلاستوس أنّ أفلاطون كان مثليّ الجنس، وما خوضه النضال ضد المثلية الجنسية سوى نتيجة لعقدة الذنب التي شعر بها جرّاء ذلك. وقد تناول الشذوذ الجنسي في كتابه الوليمة. وكان معظم النبلاء اليونانيين يجمعون بين زوجة وغلام معشوق. وكان زينون الرواقي “مؤسس الرواقية” شاذًا جنسيًا، فيما كان الشاعر أغاتون مُخنَّثًا.
ما إن ظهرت الإمبراطورية الرومانية في 27 ق.م وريثًا لليونان، حتى كان الشذوذ يتبع خُطا اليونانيين، ويبلغ فيها مبلغًا، فقد سُجِّل العام 27 ق.م، خلال عهد أغسطس قيصر، أول زواج مثلي وثّقه التاريخ، واحتفى الرومانيون في ذاك الوقت بالمثلية الجنسية من خلال اللوحات والتماثيل الفنية التي تتغزل في مفاتن جسد الرجل، وتجسِّد العلاقة الجنسية بين الرجال، وتبع ذلك ممارسة الأباطرة أنفسهم الشذوذ مع ذكور مثلهم، اتخذوهم أزواجًا.
يذكر المؤرخون أن الإمبراطور الروماني نيرون 54-68م كان يمارس الشذوذ مع الأمير أوتو، ثم مع فتى يدعى سبوروس بعد أن قتل زوجته بوباي سابينا. لقد قام بإخصاء سبوروس واتخذه علنًا زوجة له وجعله يرتدي الملابس النسائية. وكذلك كان الإمبراطور تراجان 98-117م شاذًّا يهوى الذكور. والإمبراطور أيل جبل 218-222م يتزوج زوتيكوس في حفل عام وسط ترحيب الجمهور.
وإذا نظرنا إلى أفعال اليونان والرومان في ممارسة أفعال الشذوذ علنًا، بالزواج بالغلمان، وممارسة الشذوذ مع العبيد، وممارستها في الحمامات الساخنة، فهم لا يرَوْن بها بأسًا، وقنَّنوها فيما عُرِفَ بالـ”باداراستيا” “παιδεραστίᾱ” إضافة إلى أنهم كانوا يمارسونها مع أعدائهم المنهزمين أمامهم نكايةً بهم؛ لأن أعداءهم الشرقيين ينظرون للشذوذ على أنه أمر مُعيب.
ومع ظهور النصرانية – التي عادتها الإمبراطورية الرومانية منذ ظهورها، ولم يجعلها قسطنطين دينًا رسميًّا للإمبراطورية إلا في مجمع نيقيه في 325م – لم يكن فيها مكان للشذوذ، واعتبرت الشذوذ خطيئة قاتلة وفظيعة، ولم تقبل بها بصفتها جريمة نكراء منافية لتعاليم الدين النصراني والطبيعة البشرية، خصوصًا أن قرية قوم لوط كانت على مرمى حجر من الناصرة. فقام قسطنطين بسنِّ قانون يجرم الشذوذ الجنسي، ويضع عقوبته الحرق بالنار. ومنه سرت لأوروبا حتى القرن الثامن عشر، وكانت ألمانيا بدأت في القرنين الخامس والسادس عشر تعاقب ممارسي الشذوذ بالموت الرهيب، كإلقائهم في أقفاص الحيوانات المتوحشة أو حرقهم بالنار، وظلَّ الشوَّاذ رجالًا ونساءً ملاحقين في جميع أنحاء القارة.
الشذوذُ الجنسيُّ في العصر الحالي:
مع ظهور الإسلام توارى الشذوذ الجنسي إلى الظلام، ولاقى مرتكبو فعل قوم لوط عليه السلام عقوبة القتل بالرمي من شاهق وإتباعهم بالرمي بالحجارة. مع ضعف دولة الخلافة وقبل سقوطها في 1342هـ – 1924م عاودت أفعال الشذوذ بالظهور مجدَّدًا، وظهر مروِّجون لها. ففي تاريخنا المعاصر، يعتبر سيغموند شلومو فرويد (1856-1939)م أول من عبَّد الطريق للشوَّاذ مجدَّدًا في أوروبا في العصر الحديث في نظرية التحليل النفسي باستنتاجه “إن الإنسان شاذٌّ جنسيًّا بالأصل، وكل نزواته في مجال الجنس طبيعية جدًّا، وإنه إنَّما يدور مع الجنس أينما دار، وكل المحظورات بالنسبة له في هذا المجال عبارة عن خزعبلات دينية”!
وما إن أطلَّ العام 1897م حتى كان ماغنوس هيرشفيلد (1868-1935)م يطبِّق ما قاله فرويد عمليًّا في ألمانيا غليوم الثاني بدءًا بنشر مقالة في العام 1896م بعنوان “سافو وسقراط” (سافو Sappho سحاقية يونانية من القرن السابع ق.م 570 ق.م شاعرة تغزَّلت في بنات جنسها. عاشت في جزيرة لسبوس Lesbos في بحر إيجة التي ينسب إليها الليزبيانية معربة من Lesbianism التي تعني السحاق. وسقراط هو الفيلسوف اليوناني الذي عُرِفَ بالشذوذ) تحدث فيها بأن “اللواط ظاهرة طبيعية جدًا، ولا يجب أن يدينه المجتمع”.
ثم أُسِّس أول اتحاد للواطيين في التاريخ تحت مسمى “الصندوق العلمي الإنساني”، يدعو للواط بشكل مصرح به، وأصدر أول مجلة للشوَّاذ جنسيًّا، رجالًا ونساءً، وقام بحملة لإلغاء القانون البروسي، الذي يحظر الشذوذ بين الرجال، ونظَّم، ومعه الشوَّاذ من الرجال، حملة جمع تواقيع حول العالم ضد القانون المعادي للشوَّاذ، ضمت مشاهير كـ”إلبرت إينشتاين (عالم الفيزياء المشهور 1879-1955م)، وإميل زولا ( كاتب روائي فرنسي 1840-1902م)، وتوماس مان (أديب ألماني 1875-1955م)، واستطاع إطلاق الشوَّاذ من السجون الألمانية، عبر تأثيره على أمثالهم في حاشية غليوم الثاني)، وليون تولستوي (أديب روسي 1828-1910م)
ومع نهاية الحرب العالمية الأولى وحدوث التغيير الدرامي للمشهد الدولي، كهزيمة ألمانيا وهدم الخلافة العثمانية وظهور الاتحاد السوفياتي، فقد كانت الفرصة سانحة لهيرشيفلد لإظهار المزيد من الانحلال والتفسُّخ، فقد أنتج في برلين في 1919م أول شريط سينمائي بعنوان مختلف عن الآخرين، تناول الشذوذ، وفي العام نفسه أنشأ معهد العلوم الجنسية، الذي تحوَّل إلى مركز للشوَّاذ من الرجال وليصبح المقر الرئيسي في الدعاية للشذوذ، ونشر كتاب الشذوذ عند الرجال وعند النساء، ضم أكثر من 1000 صفحة. ولم يردَّ هيرشفيلد عن غيِّه سوى أدولف هتلر في 1933م، حين ألغى حقوق الشوَّاذ، وأعاد صياغة قانون بروسيا الذي يُجَرِّمُ الشذوذ، وقام باعتقال 10.000 – 15.000 من الشوَّاذ. وفي عام 1957م تخلَّت حكومة ألمانيا عن قانون تجريم الشذوذ. وفي عام 2000م أنشأت ألمانيا الموحدة صندوقًا لتعويض ضحايا هتلر، وكان للشواذ نصيب فيه، وفي 2008م أُقِيْمَ لهم نصب تذكاري.
أوروبا والشذوذ الجنسيّ:
لقد رأينا كيف لعبت ألمانيا الدور الأكبر في إظهار الشوَّاذ في أوروبا. كذلك كانت بقية دولها على موعد مع الشذوذ والشوَّاذ؛ حيث كان الشوَّاذ قد شقُّوا طريقهم، ووصلوا ليشغلوا مقاعد في حكوماتها قبل بزوغ القرن الجديد بأعوام ثلاثة؛ حيث شغلوا ثلاث وزارات في لندن، لتتبعها أخواتها من العواصم الأوروبية بتعبيد الطريق وإفساحها للشوَّاذ للمشاركة في الحكومات.
في الماضي، نُعِتَ الشوَّاذ في أوروبا عبر القرون بنعوت مختلفة تحتقرهم، وكانوا يواجهون عقوبات تجعلهم مُطَارَدِين. ففي العام 1260م، سُنَّت في مدينة أورليونز عقوبة استئصال الخصيتين للشواذ من الرجال، واستئصال البظر للسحاقيات في المرة الأولى، واستئصال القضيب والثديين في الثانية، والحرق في الثالثة. وألغيت معاقبة الشوَّاذ عقب الثورة الفرنسية. ومرَّت فرنسا في الأعوام 1942م و1981م بمحطات فقط في تغيير السنِّ المسموح بممارسة الشذوذ. وفي 1985م أدخلت قانونًا ضد التمييز على أساس التوجُّه الجنسي. وفي 2010م تم إخراج الشذوذ من الأمراض العقلية، وأخيرًا السماح للشوَّاذ بالزواج في 2013م.
كذلك كان الحال في بريطانيا في العصور الوسطى؛ ولكنها لحقت بفرنسا في إلغاء عقوبة الإعدام على الشوَّاذ في 1861م واستبدلت بها السجن المؤبد، فتبعتها إسكتلندا عام 1889م. وفي العام 1967م أُخْرِجَ الشذوذ في بريطانيا من قائمة الجرائم، ففتحت الباب للشوَّاذ بممارسة شذوذهم دون عقاب يردعهم. البريطاني مارك سايكس المتوفى في فندق بباريس بالإنفلونزا الإسبانية، والذي ارتبط اسمه باتفاقية تقسيم وترسيم الحدود بين بلاد المسلمين، كان ضمن قائمة الشوَّاذ.
وإيطاليا صاحبة الفاتيكان، استندت إلى قانون جوستنيان بإعدام الشوَّاذ، ومع ذلك اشتهرت مدن جنوب إيطاليا كفلورنسا والبندقية بالفعل القبيح. هذا وقد تأثرت إيطاليا بالجوار الأوروبي، واستبعدت عقوبة الإعدام بحق الشوَّاذ، ووصل بها الحال إلى أن شهدت الثمانينات من القرن الماضي تأسيس واحدة من أكبر مجموعات الشوَّاذ في العالم بلغ عدد أفرادها 150.000 من الشوَّاذ. وأطلَّ الشذوذ برأسه من الفاتيكان بوجود الشوَّاذ فيه.
أما أُستراليا وكندا ونيوزيلندا، فقد مضوا كبقية الدول الغربية مع الشوَّاذ جنسيًّا واستبعدوا تجريم الشذوذ بتغيير قوانينهم الخاصة بالشوَّاذ وشرَّعوا وجودهم.
ومما يجدر ذكره أنه حذفت من القاموس الأوروبي كلمة إثم وذنب عن الشذوذ، واستعيض بكلمة مرض محلها، ثم استبعدت وحلَّ محلها ميول ومثلية جنسية! فقد عادت أفعال الشذوذ تجتاح أوروبا، والسماح للشوَّاذ بالاحتفال في مختلف مدنها ناهيك عن الظهور. فقد توجَّت القارة العجوز أعمالها مع الشذوذ بتعريف الزواج أنه اتحاد بين رجل وامرأة إلى اتحاد بين رجلين أو امرأتين تباركهما الكنيسة! ففي 2001م كانت هولندا أول دولة في العالم تسمح بزواج الشوَّاذ، فتبعتها بلجيكا وإسبانيا وكندا والنرويج، والسويد والبرتغال وآيسلندا والدنمارك وفرنسا وبريطانيا وإسكتلندا ولكسمبورغ، وأيرلندا وفنلندا ومالطة وألمانيا والنمسا في 2019م، ليأتي الدور على الكنائس بمباركة زواج الشوَّاذ بداية من السويد في 2009م فآيسلندا والنرويج.[يتبع]