نبيل القدس ابو اسماعيل المدير العام
الجنس : عدد المساهمات : 38802 تاريخ التسجيل : 18/03/2009
| موضوع: بدع الصوفية واصنافهم 2023-10-03, 5:30 pm | |
| بدع الصوفية واصنافهم إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أما بعد:إنّ البدع والأهواء أمراض معدية, وآفات مهلكة, لا زالت تقوّض أركان السنّة الغراء, وتحدث شرخاً في دين الأمّة الإسلامية, بل تفرّق وحدتها, وتشتّت اجتماعها, وتهدم بنيانها.طولذا جاء النهي والشديد, والتحذير والوعيد, من ركوب صهوة البدع والضلالات لما لها من عظيم الأثر, وجسيم الخطر, على الفرد الأمة.ومن تلكم البدع التي ضربت بأطنابها وألقت بضلالها على الأمة الإسلامية منذ قرون خلت, ولا تزال تواصل زحفها في المجتمعات الإسلامية بل والغربية, بدعة التصوّف التي كان ابتداؤها غلو في الزهد والتعبّد, ثم ارتقى الحال بأصحابها فخلطوا دينهم بلبس الرقاع واعتقاد الحلول وغير ذلك من الضلالة.وما حلّ التصوّف بمجتمع ما إلا وحلّ الهلاك والبوار والكساد والفساد, إلى غير ذلك من المفاسد المردية, والآفات المهلكة.ولأجل هذا وددت أن أضع بين يدي القارئ خلاصة ما عليه هذه الفرقة من ضلال وبدع وشطحات, ليهلك من هلك عن بيّنة ويحي من حيّ عن بيّنة.وقسّمت الموضوع إلى سبعة مطالب, وهي: المطلب الأوّل: تعريف الصوفية, ونشأتها, وأطوارها, وأشهر فرقها.المطلب الثاني: أصول الصوفيّة.المطلب الثالث: أهداف الصوفية.المطلب الرابع: وسائل الصّوفية. المطلب الخامس: آثار الصوفية.المطلب السادس: موقف الصوفية من مسار منهج الدعوة القويم.المطلب الأوّل: تعريف الصوفية, ونشأتها, وأطوارها, وأشهر فرقها.أوّلاً: تباينت آراء أعلام الصوفية, وغيرهم, في تحديد مفهوم للصوفية, ولاشتقاقها(1).- عرّفها سمنون -وهو من أعلام الصوفية- فقال: "التصوّف أن لا تملك شيئاً, ولا يملكك شيء"(2).- وعرّفها -غير الصوفيّة- كابن الجوزي فقال: "التصوف طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلي, ثم ترخَّص المنتسبون إليها بالسماع والرقص, فمال إليهم طلاب الآخرة من العوام لما يظهرونه من التزهّد, ومال إليهم طلاب الدنيا لما يرون عندهم من الراحة واللعب"(3).ثانياً: نشأة الصوفية وتطورهم.اختلف أهل العلم في تاريخ نشأة الصوفية وظهورها إلى قولين هما: القول الأول: أن أصل نشأتهم كانت في الجاهلية قبل الإسلام، وإلى هذا ذهب أبو السراج الطوسي من المتصوفة(4)، وابن جرير الطبري(5) وابن الجوزي(6)، رحمهما الله تعالى. القول الثاني: أن أصل نشأتهم ظهر في عصر الإسلام، ولكن أصحاب هذا القول اختلفوا في فترة ظهورهم، هل كان في القرن الأول؟ أم في القرن الثاني؟ على رأيين هما: الرأي الأول:أن أصل نشأة الصوفية ظهر في القرن الأول من الهجرة النبوية، وهذا رأي أبي سراج الطوسي في رواية له، وسفيان الثوري في رواية(7).الرأي الثاني: أن أصل نشأة الصوفية ظهر في القرن الثاني من الهجرة النبوية، وهذا رأي القشيري من المتصوفة( وابن الجوزي، وابن خلدون(9)، وشيخ الإسلام ابن تيمية(10). ولعل الراجح في أصل نشأة التصوّف أنّه كان في القرن الثاني من الهجرة النبوية، ومما يدل على ذلك قول ابن خلدون: "إن نشأة التصوف كانت في القرن الثاني عندما أقبل الناس على الدنيا وانصرف أناس للزهد والعبادة فسموا بالصوفية"(11). ثالثاً: أطوار التصوف: مرّ التصوّف بثلاثة مراحل هي: المرحلة الأولى: وتشمل القرنين الأول والثاني من الهجرة النبوية:وهذه الفترة الزمنية شهدت ظهور عباد وزهاد ونساك، السمة البارزة فيهم التمسك بالمنهج الرباني والسير على منهج المصطفى صلى الله عليه و سلم، ما عدا بعض المغالاة والتشدد في أمور العبادة (12).المرحلة الثانية: وتشمل القرن الثالث والرابع والخامس من الهجرة:وتميزّت هذه المرحلة بخلط الزهد بعبارات الباطنية، وانتقل فيها الزهد من الممارسة العملية والسلوك التطبيقي إلى مستوى التأمل التجريدي والكلام النظري، ولذلك ظهر في كلامهم مصطلحات: الفناء، والكشف، ووحدة الوجود، وشاع بينهم التفرقة بين الشريعة والحقيقة، وتسمية أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن، وسموا غيرهم من الفقهاء أهل الظاهر والرسوم (13). المرحلة الثالثة: وتشمل القرن السادس والسابع وما بعدها: ونجد أن التصوف في هذه المرحلة قد نحى فيها منحاً خطيراً وذلك عندما مزج أفكاره بالفكر الفلسفي، وعمد أصحابه إلى مزج أذواقهم الصوفية بأنظارهم العقلية، مستخدمين في التعبير عنها، مصطلحات فلسفية(14). · الفرق بين الزهد, والتصوّف: يخلط البعض بين الزهد المشروع, والتصوّف المذموم, والحقيقة أنّ التصوّف أمر زائد وطارئ على الزهد, له كيانه وهيئته, نظامه وأصوله, قواعده وأسسه, كتبه ومؤلفاته, رسائله ومصنفاته, كما أنّ له رجالاً وسدنة وزعماء وأعياناً. فالزهد عبارة عن ترجيح الآخرة على الدنيا, والتصوّف اسم لترك الدنيا تماماً. والزهد هو تجنّب الحرام, والاقتصاد في الحلال, والتمتع بنعم الله بالكفاف, وإشراك الآخرين في آلاء الله ونعمه وخدمة الأهل والأخوان والخلان. والتصوّف تحريم الحلال, وترك الطيبات, والتهرّب من الزواج ومعاشرة الأهل والإخوان, وتعذيب النفس بالجوع والتعري والسهر. والزهد منهج وسلوك مبني على الكتاب و السنة, وليس التصوف كذلك. ثمّ إنّ الذين اكتفوا بحسن الخلق, والزهد في الدنيا, والتأدب بآداب الشرع لُقِّبوا بالنسّاك, والقرّاء, والزهّاد, والعبّاد, والذين أقبلوا على دراسة النفوس, وآفاتها, وما يرد على القلب من خواطر, وحرصوا على الصيغة المذهبية, لُقِّبُوا بالصوفية"(15). تنبيه مهم: إنّ ديدن أهل البدع والأهواء في كلّ زمان هو إلباس الحقّ بالباطل, إمعاناً في الإضلال والتحريف, ولقد حذا الصوفية حذو أسلافهم فنسبوا كثيراً من ضلالاتهم وخرافاتهم وبدعهم إلى أعلام السلف رحمهم الله, من أجل ترويج هذه البدع, والتلبيس على الخلق. ولذلك يقول الإمام الذهبي رحمه الله: " رابعاً: أشهر فرق الصوفية. الطرق الصوفية كثيرة جداً يصعب حصرها، إذ كل من عنّ له أن يبتدع طريقاً فعل وسماها باسمه أو اسم قبيلته أو عشيرته، وهذا مشاهد في أفريقيا وغيرها، إذ بين كل فترة وأخرى تخرج طريقة جديدة تحمل اسماً جديداً ولها أوضاع معينة وأوراد مقررة، لذا سأقتصر على ذكر بعض منها وهي(16): وقد قسّم شيخ الإسلام الصوفية إلى ثلاثة أقسام هم(17): 1- صوفية الحقائق: ويمثّل التصوف في بدء أمره حينما كان بمعنى الزهد والاجتهاد في العبادة. 2- صوفية الأرزاق: وأما صوفية الأرزاق فهم الذين وقفت عليهم الوقوف. 3-صوفية الرسم: فهمهم المقتصرون على النسبة، فهمُّم في اللباس والآداب الوصفية. ومن أشهر فرق الصوفية: القادرية: وتنتسب إلى عبد القادر الجيلاني. الرفاعية: تنتسب إلى أحمد الرفاعي. النقشبندية: أسسها بهاء الدين محمد النجاري المعروف بشاه نقشبد (791هـ). البرهامية: أسسها إبراهيم الدسوقي. التجانية: نسبة إلى أحمد التجاني. الشاذلية: نسبة إلى أبي الحسن الشاذلي. الأحمدية: أسسها أحمد البدوي. الختمية:أسسها محمد عثمان الميرغني. المطلب الثاني: أصول الصوفيّة لقد بنى الصوفية مذهبهم المنحرف, ومنهجهم السقيم على أصول منحرفة -تكاد طوائفهم على اختلاف نحلها وتبيان مشاربها- أن تجتمع عليها, ومن أبرز هذه الأصول: أ- أصول التلقي عند الصوفية: نهج الصوفية في تلقِّي علومهم منهجاً خاصاً, خالفوا فيه ما أجمعت عليه الأمة الإسلامية المتّبعة للكتاب والسنّة, وأصولهم في التلقّي ترجع إلى الأمور الآتية: 1- المنامات: أقام الصوفيّة المنامات مقام الحقائق, وجعلوها مصدراً للتشريع, وترويج بدعهم وضلالاتهم, فأحلوا بها الحرام, وحرموا الحلال, وبدّّلوا بها دين العباد(18). قال الشاطبي: "وأضعف هؤلاء احتجاجاً قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المقامات, وأقبلوا وأعرضوا بسببها, فيقولون: رأينا فلانا الرجل الصالح, فقال لنا: اتركوا كذا واعملوا كذا, ويتِّفق مثل هذا كثيرا للمتمرسين برسم التصوف"(19). ومذهب السلف رحمهم الله أنّ المنامات الصادقة هي بشائر للمؤمنين, لا تثبت بها الأحكام, ولا تشرّع بها الشرائع, قال النووي :: "إن الرائي وإن كانت رؤياه حقاً، ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي بما جاء فيها"(20). 2- الكشف: "وهو الاطلاع إلى ما وراء الحجاب, من المعاني الغيبية, والأمور الحقيقية وجوداً وشعوراً"(21). والكشف بهذا المعنى جعل الصوفية يزهدون في علوم الشريعة, ويتكّلون على هذا الكشف المزعوم في معرفة أحكام الدّين فضلّوا بذلك ضلالاً مبيناً(22)(23). قال الغزالي : -مقرّراً منهج الصوفية في الاستدلال بالكشف-: "هم الموفقون الذين يدركون الأمور بنور إلهي لا بالسماع, ثم إذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هي عليه نظروا إلى السمع والألفاظ الواردة, فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه وما خالف أوّلوه"(24). 3- العلم اللدنّي (الإلهام):"وهو ما يلقى في الروع, بطريق الفيض من علم من غير استدلال بآية, ولا نظر في حجّة"(25). والإلهام عند الصوفيّة سميّ للوحي, فلا فرق عندهم بين وحي الأنبياء وإلهام الأولياء(26). قال أبو يزيد البسطامي: "أخذتم علمكم ميّتاً عن ميّت, وأخذنا علمنا عن الحيّ الذي لا يموت, يقول أمثالنا: حدّثني قلبي عن ربي, وأنتم تقولون, حدثني فلان, وأين فلان؟ قالوا: مات"(27). 4- التلقِّي مباشرة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : فهم يدّعون لقاءه في اليقظة, ويعتبر الصوفية هذا المنهج في التلقّي من أوثق المناهج التي يستقون منها علومهم, ومصنفاتهم تطفح بهذه الروايات. قال الغزالي :: "ومن أول الطريقة تبتدئ المكاشفات والمشاهدات، حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة، وأرواح الأنبياء ويسمعون أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد"(28). 5- أقوال وأفعال المشايخ والأقطاب: أضفى الصوفية على أقوال وأفعال مشايخهم صفة القدسية, واعتقدوا فيها العصمة من الخطأ والزلل والنسيان, وجعلوها المعين الذي يستقون منه علومهم ومعارفهم. قال القشيري: "فإن هؤلاء -الصوفية- حججهم في مسائلهم أظهر من حجج كل أحد، وقواعد مذهبهم أقوى من قواعد كل مذهب, والناس: إمَّا أصحاب النقل والأثر، وما أرباب العقل والفِكر, وشيوخ هذه الطائفة ارتقوا عن هذه الجملة؛ فالذي للناس غيب، فهو لهم ظهور..... فهم أهل الوصال، والناس أهل الاستدلال"(29). ب- الأصول العقدية عند الصوفيّة(30): يجتمع غلاة الصوفية في جملة من العقائد المنحرفة, التي شابهوا فيها أهل الصلبان والأوثان, وفي ذلك يقول الهجويري -وهو أحد أقطاب الصوفيّة-: "وهم كانوا -أي الصوفية- مختلفين في المعاملات والمجاهدات والمشاهدات والرياضيات، فإنّهم موافقون ومتفقون في أصول وفروع الشرع والتوحيد"(31), وفيما يأتي ذكر لأبرز هذه العقائد: 1- الحلول: ومعناه: أن الله تعالى يصطفي أجساماً يحلّ فيها بمعاني الربوبية، فيزيل عنها معاني البشرية، وأن الله تعالى يحلّ بالعارفين من أوليائه وأصفيائه"(32). وممّا صرّح به الصوفية في هذا المقام, قول الحلاّج: "رأيت ربي بعين ربي, فقال: "من أنت؟" قلت: "أنت"(33), وكان يقول: "أنا الحقّ, وما في الجبة سوى الله"(34). وقال (35): أنا أنت بلا شك فسبحانك سبحاني وتوحيدك توحيدي وعصيانك عصياني 2- وحدة الوجود:وتعني: "أنّه ليس في الوجود إلاّ واحد هو الله, وكلّ ما يُرى هو أجزاء منه تتعيّن بأشكال مختلفة"(36). وقد يقولون : "أنّ العالم بكل ما فيه, إنما هو تعيينات وتجليات لله, فلا شيء إلاّ الله, فالإنسان والحيوان والجماد آلهة, وأرباب مقدّسة"(37). قال الغزالي: "جميع الموجودات مرآة للوجود الحقّ, فالظاهر بذاته هو الله سبحانه, وما سواه فآيات ظهوره ودلائل نوره"(38). 3- الغلو في الأولياء: جعل الصوفية لشيوخهم مقاماً رفيعاً, واعتقدوا فيهم القداسة والولاية والعصمة, بل ربما جعلوا لبعضهم مقاماً أرفع من مقام النبوّة, ومقارباً لمقام الألوهية. واستصحب هذا الاعتقاد الفاسد جملة من الانحرافات العقدية الخطيرة, مثل: دعوى علم الأولياء الغيب, وقدرتهم على المنع والعطاء والإحياء والإماتة,ومن ذلك أيضاً تقديس قبور الأولياء, وصرف أنواع العبادة إليها ودعاءها من دون الله عز وجل, والأخبار عنهم في ذلك مستفيضة, ومن ذلك قول الشعراني عن أحد الأولياء: "وهو أحد الأربعة الذين يتصرّفون في قبورهم بأرض العراق, وكان أهل خرسان يستسقون به فيسقون"(39). ج- الأصول التعبدية عند الصوفيّة: 1- الغلو في التعبّد: الغلو هو مجاوزة الحدّ, وقد غلت طوائف من المتصوّفة في مجال العبادة, وحمّلوا أنفسهم ما لا تحتمل, ومن ذلك قول السهروردي: "جمع من المشايخ كانوا يديمون الصوم في السفر والحضر على الدوام, حتى لحقوا بالله, وكان عبد الله بن حابار قد صام نيفاً وخمسين سنة لا يفطر في السفر والحضر"(40). 2- الابتداع في العبادة: لم يكتف الصوفية بالغلو في التعبّد, حتى شرعوا طقوساً وبدعاً ما أنزل الله بها من سلطان, ورتّبوا لها الأجور العظيمة, والثواب الجزيل, ومن ذلك أنهم جعلوا لكل يوم من أيام الأسبوع صلاة مخصوصة, ومن ذلك أيضاً صلاة الرغائب, وغيرها(41). المطلب الثالث: أهداف الصوفية لقد حمل التصوّف في أصوله وطقوسه وتعاليمه جملة من الأهداف, التي سعى سعياً حثيثاً لتحقيقها, وقطف ثمارها, وهذه الأهداف على ضربين: أ- الأهداف المعلنة: كثيراً ما يعلن مشايخ الصوفية في كتبهم ومجالسهم, أنّ التصوّف, إنما جاء لتحقيق جملة من الأهداف النبيلة -بزعمهم- ومن ذلك: 1- ادعاء تهذيب النفوس والأخلاق: يزعم كثير من مشايخ الصوفية أنّ الغرض الأسمى للتصوّف هو تهذيب النفوس والأخلاق, ممّا علقهما من أرجاس الجاهلية, وأدران المدنية(42). وربما كان هذا الهدف واضحاً جلياً عند أوائل المتصوفة في القرن الثاني للهجرة, ولكن حاد أكثر الصوفية عن هذه الأهداف, فصار التصوّف معولاً لهدم الدين والأخلاق. 2- الوصول إلى درجة الكمال, ومن ثمّ الحلول والاتحاد: إنّ من أبرز ما جهد مشايخ الصوفية لتحقيقه وبلوغه -عن طريق الرياضة, والمجاهدة- هو بلوغ الكمال البشري في النسك والصفاء, ثم التدرج بعد ذلك في سلم الكمال إلى أن يصل المتصوّف إلى درجة الحلول والاتحاد مع الذات الإلهية تعالى عن ذلك علواً كبيراً. وممّا صرّح به الصوفية في هذا المقام, قول الحلاّج: "من هذب نفسه في الطاعة وصبر على اللذات والشهوات, ارتقى إلى مقام المقربين, ثم لا يزال يصفو ويرتقى في درجات المصافاة حتى يصفو عن البشرية, فإذا لم يبق فيه من البشرية حظ حلّ فيه روح الإله الذي حلّ في عيسى بن مريم, ولم يرد حينئذ شيئا إلا كان كما أراد, وكان جميع فعله فعل الله تعالى"(43). ب- الأهداف الخفيّة: وهي أهداف لا يكاد يقف عليها إلاّ من سبر مذهب القوم, وجال في دهاليزه, لأنّ الصوفية قد أحاطوا هذه الأهداف بالسريّة والكتمان, ولم يصرحوا بها إلى لخواصهم, ومن ذلك: 1- تحريف العقيدة الصحيحة: لقد سعى أعلام الصوفية سعياً حثيثاً لتحريف العقيدة الصحيحة, حتى يتسنى لهم بثّ عقائدهم الباطلة, بل تمادى بهم الأمر إلى تصحيح عقائد الكفار من اليهود والنصارى, كما فعل ذلك ابن عربي, والتلمساني, وابن هود, وغيرهم, بل بعض الطرق انتسب لها نصارى كالطريقة البكتاشية. 2- الكيد للإسلام والمسلمين: لقد تآلبت كثير من طرق الصوفية على الإسلام وأهله, وأقامت التحالفات مع أعداء الدين والملّة. وفي ذلك يقول محمود أبو ريّة: "الكلام في رجال طرق الصوفية ومناصرتهم في كلّ زمان لأعداء الدين والمسلمين من المستعمرين في أقطار الأرض عامّة, وشمال إفريقيا خاصة مما يحتاج إلى مؤلفات"(44). ومما يجلّي هذا التآمر, أنّ التصوف يعتبر من أهم وسائل الاستشراق, ولذا حمل المستشرقون على عاتقهم نشر الفكر الصوفي, وبعثه في المجتمعات المسلمة, والغربيّة على حد سواء. 3- جمع حطام الدنيا: يلهث أكثر الصوفية وراء جمع الحطام الفاني, رغم ادعاؤهم الزائف للزهد, ولذلك غدت موائدهم عامرة, وقصورهم فارهة, يقتاتون على التلبيس والدجل, والقرابين التي تقدم للقبور باسم الأولياء, بل كثير من رجالات الطرق الصوفية اليوم يأخذون مساعدات من بعض الدول الكافرة, كما هو شأن جماعة التبليغ مع الحكومة البريطانية(45). قال ابن الجوزي رحمه الله -مخاطباً الصوفية-: "ويحكم .... يقعد أحدكم عن الكسب مع قدرته عليه, معوِّلاً على الصدقات والصلات, ثم لا يكفيه حتى يأخذ ممن كان, ثم لا يكفيه حتى يدور على الظلمة فيستعطي منهم ويهنئهم بملبوس لا يحلّ, وولاية لا عدل فيها, والله إنكم أضر على الإسلام من كل مضر"(46). 4- الرئاسة والسيادة على الخلق: اتّخذ كثير من الصوفية التصوّف سُلَّماً للارتقاء إلى أعلى المناصب, وتحملوا لأجل بلوغ هذه الغاية المصاعب والأهوال. إذ تُجمع الطرق الصوفية على أنّ لشيخ الطريقة وأعوانه التسلّط على الخلق, بحيث لا ترد لهم أوامر, ولا تمنع عنهم رغبة, فهم المتصرّفون الآمرون, وأتباعهم العبيد المطيعون. المطلب الرابع: وسائل الصّوفية للمتصوّفة أساليب شتى ووسائل متعدّدة لنشر دعوتهم الباطلة, وممارسة طقوسهم المبتدعة, ومن أبرز هذه الوسائل البدعية: 1- مجالس الذكر الصوفي:"كانت مجالس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع أصحابه؛ عامتها مجالس تذكير بالله وترغيب وترهيب؛ إما بتلاوة القرآن, أو بما آتاه الله من الحكمة والموعظة الحسنة, وتعليم ما ينفع في الدين"(47), أمّا متصوِّفة الزمان, فقد أحدثوا بدعاً منكرة أخرجت هذه المجالس عن مقصودها الشرعي, وصارت هذه المجالس مراتع لمنكرات والاختلاط والفحش, متضمّنة لألون من البدع كالذكر الجماعي, والسماع والرقص, وغير ذلك من البدع المنكرة, وكانت مجالس الذكر تعقد في الزوايا والخلوات غالباً، وربما عقدت في المساجد أحياناً. 2- الزوايا والتكايا والأربطة: وهي تعتبر أهم محاضن الصوفية، وأكثر نقاط تجمع أصحابها, وكان الصوفيون في كثير من الأحيان يبادرون إلى بناء زواياهم، لأن الزوايا بالنسبة إليهم، تمثل شرايين الحياة، التي تجري فيها طرقهم وطقوسهم وبدعهم(48). 3- الوجد والسماع: ابتدع المتصوفة في حلقاتهم ألواناً من الذكر وسماع الأناشيد الغزلية، حتى جعل بعضهم الرقص والسماع من العبادات المفضلة. يقول أبو الهدى الصيادي الرفاعي وهو يصف هذه الحلقات: "وفي أثناء ذكرهم، يهتزون يميناً وشمالاً، يميلون ويبكون ويتواجدون، ويئنون ويتأوهون... وينشد لهم الحادي من كلمات الصالحين، ومن منظومات العارفين، وأقوال العاشقين الصادقين شيئاً كثيراً من المدائح النبوية"(49). 3- الشعر: من البدع العملية عند المتصوفة، سماع الأناشيد والأشعار الغزلية، ففيها ذكر الهجر والوصل، والقطيعة والشوق والحب والعشق، وفيها ذكر الخمر والكؤوس، مع آلات أو بدونها مكاءً وتصديةً. واستخدموا لذلك أبياتاً ومقطوعات في الغزل والعشق، ويزعمون أنهم يقصدون بها حب الله, وقد حاكى شعراء الصوفية شعراء الحب العذري(50). وصنف آخر من الأشعار يعجّ بالكفر وألوان الشرك, والاستغاثة بالأموات, والأجداث, كقصيدة البردة, والهمزية, وغيرهما. 4- القصص: انحرف القصص عند الصوفية -في مقصده ومضمونه- وتشبّعت كتب أصحاب الطرق الصوفية بقصص الأولياء المزعومة التي تعجّ بالبدع والمخالفات والشرك والكفر والغلو, وبعض هذه القصص مكذوبة على أصحابها منسوبة لأعلام السلف زوراً من أجل ترويج هذه الطرق البدعية. ومن أشهر الكتب التي جمعت هذه القصص: "طبقات الصوفية"لأبي عبد الرحمن السلمي و"الحلية" لأبي نعيم, و "الأربعون في شيوخ الصوفية" للماليني. 5- الوعظ والترغيب والترهيب: انحرف الصوفية في جانب الوعظ والترغيب والترهيب, فحمّلوا الموعوظين, والمريدين فوق ما تطيقه أبدانهم, وحملوا الناس على ترك دورهم, وأموالهم, وشؤونهم, كما غلت طوائف الصوفية في باب الترهيب والتخويف, وخرجت به عن حدّ التوسّط والاعتدال, بل زاد الأمر بها إلى أن وضعت أحاديث في التخويف والوعيد, بقصد زجر الناس عن اقتراف المعاصي, وأغلقت باب التوبة دون المذنبين والعصاة, فتولّد عن ذلك اليأس والقنوط من رحمة الله عز وجل(51). 6- المؤلفات والمصنفات:دأب شيوخ الصوفية على تصنيف المؤلفات لترويج مذاهبهم الباطلة, حتى أصبح لكل طريقة مصنفاً جامعاً منه يصدرون, وإليه يردون. وتنوّعت هذه المصنفات في مضمونها وطرائقها, فبعضها ألف في بيان أحوال مشايخ الصوفية, وبعضها في بيان أوراد الطريقة, وأخرى في بيان واجبات المريد تجاه شيخه وطريقته. وإن كانت أغلب الطرق الصوفية ترجع إلى كتابين مهمّين, وهما: "قوت القلوب" لأبي طالب المكي, و "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي(52). 7- وسائل معاصرة: الوسائل المرئية, الوسائل المسموعة, المواقع الالكترونية, الجمعيات والمؤسسات, الصحف والمجلات: فقد اغتنمت الطرق الصوفية هذا التطور الإعلامي, واستغلّته في بثّ تعاليم طريقتها, حيث وُجد لكثر من هذه الطرق حضوراً ملفتاً في القنوات الفضائية من خلال البرامج الدينية, وكذا الشأن في المجلات والصحف, وأنشأت كثير من هذه الطرق مواقع الكترونية تعنى بنشر مذهبها, بل صارت البيعة عند بعض هذه الطرق تتمّ عن طريق هذه المواقع العنكبوتية. المطلب الخامس: آثار الصوفية لا بليّة أصابت المسلمين في عباداتهم وعقائدهم أخطر من بليّة المتصوِّفة, إذ من بابهم دخلت على المسلمين تصورات ومفاهيم لا قبل لهم بها, بل من بابها دخلت الوثنيّة, فهم أصل كل بليّة, وشرارة كلّ رزيّة, وفيما يلي عرضٌ لأبرز آثارهم على الإسلام والمسلمين: أ- الآثار العقدية: لقد استغلّ أعداء الملّة من الرافضة والباطنية, كثيراً من الطرق الصوفية لنشر الشرك في هذه الأمّة, قال الذهبي : في ترجمة نفيسة ابنة الحسن بن زيد العلويّة صاحبة المشهد المعمول في مصر: "لم يبلغنا كبير شيء من أخبارها, ولجهلة المصريين فيها اعتقاد يتجاوز الوصف، ولا يجوز مما فيه من الشرك، ويسجدون لها، ويلتمسون منها المغفرة، وكان ذلك من دسائس دعاة العبيدية"(53), ومن أبرز أنواع هذا الشرك: 1- الشرك في الألوهية: للطرق الصوفية أثر بالغ في نشر الشرك المتعلّق بالألوهية, كدعاء الأموات, والالتجاء للقبور, والاستغاثة بالجان, بل وتعبيد الناس لغير الله عز وجل, وغير ذلك من مظاهر الشرك الأكبر, وكتبهم تعجّ بهذا اللون من الشرك, حتى ألّف بعضهم كتاباً سمّاه: "تحفة الأحباب وبغية الطلاّب في الخطط والمزارات والتراجم والبقاع المباركات"(54). 2- الشرك في الربوبيّة: زعم الصوفية أنّ للأولياء قدرة نافذة يتصرفون بها في الكون, ويشاركون بها الباري جلّ وعلا في الملك والخلق والتدبير. ومن ذلك قول الدسوقي في تائيته(55): أنا الواحد الفرد الكبير بذاته أنا الواصف الموصوف بذاته ب- الآثار التعبدية: 1- صرف العبادة لغير الله تعالى: صرف الطرقية العبادات الشرعية الإلهية إلى شيوخهم, والتي أعظمها أركان الإسلام الخمسة, وهذه نماذج مما ذكروه: أ- الصلاة: كالتوجّه إلى صورة الشيخ في الصلاة, والصلاة إلى قبور الأولياء, بل واتخاذها مساجد وأربطة(56). ب- الحج لأوثانهم: فقد شرع الصوفية الحج إلى قبور شيوخهم, كما قال البدوي(57): ألا أيها الزوار حجوا لبيتنا وطوفوا بأستار له لتبلغوا المنا فهيا بني الحاجات سعيا لمنهل ورثناه في الدارين من فيض جدنا 2- الابتداع في أصل العبادة, وفي كيفيتها: شرع الصوفية عبادات ليضلّوا بها العباد, ومن هذه العبادات ما لها أصل في شرعنا ولكن زادوا في وصفها وكيفيتها, كصلاة الفاتح وغيرها. ومنها ما كان الابتداع في أصلها؛ كالخلوة المحرّمة التي يتركون فيها الجماعة والجمعة, وفي هذه الخلوات تتنزل عليهم الشياطين, وتلبس عليهم أمر دينهم. ومن ذلك أيضاً: تعبّدهم بالرقص والغناء الذي يسمونه السماع. ومن ذلك أيضاً: ابتداعهم للمولد النبوي أو غيره من شيوخهم(58). 3- صرف الناس عن الأذكار الصحيحة:لقد أصبح لكل طريقة صوفية ذكر وورد خاص مبتدع, ضاهوا به المشروع الثابت في الكتاب والسنّة, وبعض هذه الأذكار متضمّنة للشرك والاستغاثة بالجن(59). ج- الآثار الأخلاقية والسلوكية: 1- التشديد على النفس, وإرهاقها بأنواع التكاليف: إنّ النفس لجوج, لا تنقاد إلى الخير إلاّ بالمجاهدة والمصابرة, ولكن طوائف الصوفية غلت في هذا الجانب غلواً كبيراً, فحملت الناس على ركوب الأهوال, وملازمة الجوع, وطول السهر؛ بغية تطهير النفس, والسموّ بها إلى علياء الفضيلة, ومن صور هذا الغلو, والتشديد: زعم المتصوّفة أنّ ملازمة الجوع, وإطالة السهر, والتعرّي, ولباس الصوف, هو الطريق الأوحد لتهذيب النفس, وإصلاحها, ولكنهم غلو في ذلك غلواً كبيراً. قال ابن الجوزي رحمه الله: "بالغ إبليس في تلبيسه على قدماء الصوفية, فأمرهم بتقليل المطعم, وخشونته, ومنعهم شرب الماء البارد...وكان فيهم من لا يكون له سوى ثوب واحد زاهداً في الدنيا"(60). 2- معاقبة النفس بأنواع العقوبات: غلت الصوفية في علاج أمراض النفس, وآفاتها, ولم تكتفي بالمجاهدة الشرعية, وإلزام النفس بأنواع النوافل, بل شرعت طقوساً, وألواناً للعقوبات, ما أنزل الله بها من سلطان, وقد أورد الإمام الغزالي في "الإحياء" صوراً كثيرة من معاقبة النفس, وتعذيبها, وأثنى على من فعل ذلك(61). 3- التَّبَتـُّـل: هو: الانقطاع عن النساء, وترك النكاح, انقطاعاً إلى عبادة الله(62). وكان للصوفية أحوال عجيبة في هذا الأمر, فمنهم أقوامٌ جبوا أنفسهم, وعمد من تزوّج منهم إلى هجر زوجه وولده(63). 4- العزلة, وهجر الناس: لبّس إبليس على كثير من المتصوّفة, وزيّن لهم الانقطاع عن الناس, وهجر الجُمَع والجماعات, والدعوة إلى الله تعالى, وغير ذلك من الحقوق والواجبات, بدعوى الهروب من الفتـن, والاشتغال بعيوب النفس, والتفرّغ للعبادة, وغير ذلك من الدعاوى. وقد تنادى الصوفية بالعزلة, والخلوة, وألزموا بها المريدين, وشرَّعوا لذلك طقوساً, وبدعاً ما أنزل الله بها من سلطان(64). د- الآثار الاجتماعية: 1- ترك عمارة الأرض:التصوّف مبني على الكسل, وقد حذّر من آثاره وآفاته على معايش العباد أكثر أئمة الإسلام, ومن ذلك: قول الإمام الشافعي رحمه الله: "التصوّف مبني على الكسل, و لو تصوف رجل أول النهار لم يأت الظهر إلا و هو أحمق"(65). وقال أبو بكر الطرطوشي رحمه الله: "مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة"(66). 2- الاستسلام للأعداء, والإعراض عن الجهاد في سبيل الله: تزهّد الطرق الصوفية الناس في الأخذ بأسباب القوّة في مواجهة أعداء الإسلام, وقد عاصر أئمة التصوّف الغزو التتري لبلاد المسلمين, ولم يحرّكوا ساكناً, بل ثبّطوا عزائم الناس بدعوى التوكل(67). المطلب السادس: موقف الصوفية من مسار منهج الدعوة القويم لقد كانت ولا زالت الطرق الصوفية من أشد الجماعات والمناهج عداوة للمنهج القويم على مدّ العصور والدهور, ولهذا الموقف أسبابه ودوافعه, إذ المنهج القويم قد حدّ كثير من نشاطات هذه الطرق, وكشف كثيراً من زيفها, وفضح الكثير من ألاعيبها. ويمكن أن نجمل موقف هذه الطرق من المنهج القويم من خلال: 1- عدم الاستجابة للمنهج القويم. 2- معادة المنهج القويم وأصحابه. 3- محاولة الطعن في المنهج القويم من خلال الكتب والدراسات. 4- إثارة الشبه, ومحاولة تشويه أصحاب المنهج القويم وصرف الناس عنه. 5- محاولة إبعاد أصحاب المنهج القويم ورجالاته عن المراكز الحساسة. 6- محاولة تعطيل مسار المنهج القويم, باستخدام المكر, والتهديد, والإرهاب الفكري والجسدي, وغير ذلك من الوسائل. 7- مصادرة الكتب والدراسات, وإغلاق المساجد, والمراكز الداعية إلى المنهج القويم. 8- تفريق شمل المسلمين إلى فرق وأحزاب وشيع ما أنزل الله بها من سلطان. 9- تسلط الصوفية في بغض البلاد الإسلامية على الجامعات والمراكز العلمية. 10- محاولة تشويه صورة الإسلام النقيّة عن طريق الخزعبلات والبدع والخرافات التي ينشرونها بين الناس. كل ١٠
| |
|