بسم الله الرحمن الرحيم
بحث مفهوم مصطلح المؤامرة وحقيقة واقعها من القران
المُؤامَرة: (اسم) و الجمع : مؤامرات والمصدر آمرَولها عدة مرادفات في لسان العرب، ومن مرادفاتها في اللغة العربية المكيدة من الكيد وهو التخطيط في الخفاء والسر للايقاع بالخصم ،و الكيد: ضرب من الاحتيال، وقد يكون مذموما وممدوحا، وإن كان يستعمل في المذموم أكثر، وكذلك الاستدراج والمكر، ويكون بعض ذلك محمودا، قال: ﴿كذلك كدنا ليوسف﴾ [يوسف/76] وقوله: ﴿وأملي لهم إن كيدي متين﴾ [الأعراف/183] قال بعضهم: أراد بالكيد العذاب (يروى عن ابن عباس قوله: كيد الله العذاب والنقمة. الدر المنثور 3/618)، والصحيح: أنه هو الإملاء والإمهال المؤدي إلى العقاب كقوله: ﴿إنما نملي لهم ليزدادوا إثما﴾ [آل عمران/178]، ﴿وأن الله لا يهدي كيد الخائنين﴾[يوسف/52] فخص الخائنين تنبيها أنه قد يهدي كيد من لم يقصد بكيده خيانة، ككيد يوسف بأخيه ليضمه اليه بحيلة ذكية :فالهمه الله ذلك وقام به ﴿كذلك كدنا ليوسف﴾ ، وقوله : ﴿لأكيدن أصنامكم﴾ [الأنبياء/57] أي: لأريدن بها سوءا. وقال: ﴿فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين﴾ [الصافات/98] وكذلك انظر لاستعمالات الكلمة في الايات التالية: (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿٥ يوسف﴾(فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴿٢٨ يوسف﴾(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي
كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ
﴿٣٣ يوسف﴾(فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ
كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
﴿٣٤ يوسف﴾(ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي
كَيْدَ الْخَائِنِينَ
﴿٥٢ يوسف﴾ ومن المعاني المردفة لكلمة المؤامرة:- الخدعة او الخديعة وهي اظهار ما لا يبطن او عكس ما ينوي و منها المخدع وهو مكان الاختباء او مكان تخبئة المتاع ، قال تعالى واصفا الاعداء من المنافقين :- ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: 9] ﴿يخدعون﴾: المخادعة أن يظهر المخادع لمن يخادعه شيئا، ويبطن خلافه لكي يتمكن من مقصوده ممن يخادع. ومعنى الآية: ﴿يخادعون الله﴾ : أي يخالفون الله، وأصل الخدع في اللغة الإخفاء، ومنه المخدع للبيت الذي يخفى فيه المتاع فالمخادع يظهر خلاف ما يضمر،ظنا منهم بان الله لايطلع على سرائرهم وما تخفيه صدورهم. ﴿والذين آمنوا ﴾: أي و يخادعون المؤمنين بقولهم إذا رأوهم (آمنا) اي يُظهرون الايمان قولا وفي الحقيقة هم غير مؤمنين.﴿إلا أنفسهم﴾ : لأن وبال خداعهم راجع إليهم؛ لأن الله تعالى يُطْلِع نبيه صلى الله عليه وسلم على نفاقهم فيفتضحون في الدنيا ويستوجبون العقاب في العقبى.وما يشعرون: أي لا يعلمون ولا يحسون الحس المؤدي الى العلم والادراك بأنهم انما يخدعون أنفسهم وأن وبال خداعهم يعود عليهم.واما الخدع من الله في قوله: ﴿وهو خادعهم﴾ [182-النساء] أي يظهر لهم ويعجل لهم من النعيم في الدنيا خلاف ما يغيب عنهم من عذاب في الآخرة. وقد قال النبي صلوات ربي وسلامه عليه واله : ( الحرب خدعة) رواه البخاري ومسلم ، ومن الخديعة في الحرب مفاجأة العدو وأخذه على غِرَّة قبل أن يستعد للقتال .ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يبعث بسرايا كثيرة فيوصيهم بالسير ليلاً والاستخفاء نهاراً حتى يباغتوا عدوهم .ومعلوم ان من اهم عناصر النصر والغلبة في الحرب تحقيق المباغتة و المفاجأة للعدو لارباكه .
ومن الالفاظ المرادفة لكلمة المؤامر والتي استعملها القران ايضا:- المكر ، والمكر: صرف الغير عما يقصده بحيلة خفية، وذلك ضربان: مكر محمود، وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل، وعلى ذلك قال : ﴿ الله خير الماكرين﴾ [آل عمران/54]. ومذموم، وهو أن يتحرى به فعل قبيح، قال تعالى: ﴿ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله﴾ [فاطر/43]، ﴿وإذ يمكر بك الذين كفروا﴾ [الأنفال/ 30]، ﴿فانظر كيف كان عاقبة مكرهم﴾ [النمل/51]. وقال في الأمرين: ﴿ومكروا مكرا ومكرنا مكرا﴾ [النمل/50] وقال بعضهم: من مكر الله إمهال العبد وتمكينه من أعراض الدنيا، ولذلك قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: (من وسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله ).
ومن مرادفات كلمة المؤامرة كلمة الدس والدسيسة وتجمع على دسائس ،والدس هو الاخفاء للشيء في الشيء وقد جاء في المعاجم : دسس والدس: إدخال الشيء في الشيء بضرب من الإكراه. وجاء هذا المعنى في قول الله تعالى: ﴿أم يدسه في التراب﴾ [النحل/59] اي اخفاءه وهو يتم من قوي لضعيف.ومن المؤامرة الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين ، - قال الفيروزآبادي عن ورود هذه الصفة في القرآن : (قد وردت في القرآن على خمسة أَوجه :الأَوّل : في الدِّين والدِّيانة " وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ " [الأنفال: 27] .
الثاني : في المال والنِّعمة " وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا " [النساء: 105] .
الثالث : في الشرع والسنَّة " وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ " [الأنفال: 71] أي : إِن تركوا الأَمانة في السُّنَّة فقد تركوها فى الفريضة .
الرّابع : الخيانة بمعنى الزِّنى " وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ " [يوسف: 52] أي : الزَّانين .
الخامس : بمعنى نَقْض العهد والبيعة " وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً " [الأنفال: 58] أي : نقض عهد) [بصائر ذوى التمييز] . ولقد وردت الآيات التي تحذر من الخيانة بعدة سياقات، فمنها قوله تعالى :" إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ " [الحج: 38] . قال ابن كثير : (وقوله : " إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ " أي : لا يحب من عباده من اتصف بهذا، وهو الخيانة في العهود والمواثيق، لا يفي بما قال. والكفر: الجحد للنعم، فلا يعترف بها) [تفسير القرآن العظيم، لابن كثير] . وقال سبحانه : " وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ " [الأنفال: 58] (يقول تعالى ذكره : وإما تخافنَّ يا محمد من عدوٍّ لك بينك وبينه عهد وعقد أن ينكث عهده، وينقض عقده ويغدر بك، وذلك هو الخيانة والغدر " فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء " يقول : فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنَّك قد فسخت العهد بينك وبينهم؛ بما كان منهم من ظهور آثار الغدر والخيانة منهم، حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر " إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ " الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبينه أن يغدر، فيحاربه قبل إعلامه إياه أنه له حرب وأنه قد فاسخه العقد) [جامع البيان،للطبرى] .ووردت كلمة المؤامرة في القران صريحة في قوله تعالى في سورة القصص : ( وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20 القصص) اي يتشاورون ويتباحثون في امر قتله.ونلاحظ مما سبق ان الصفات والمذكورة لواقع المؤامرة مشتركة، وقد تجتمع كلها او بعضها او احدها، لتشكل معنى المؤامرة ، وهي خطة يتم رسمها بالاتفاق والتخطيط والتشاور الخفي السري للاحاق الاذى بالاخرين او اصطياد العدو او تضليله وخيانته او خداعه واستدراجه لمكيدة مرسومة، وتُنفذ في غفلة منه ، ودون لفت انتباهه وفطنته ...ويُطلق على من يقوم بها المُتآمرون، وعلى من يهيء الاجواء لتنفيذها العملاء وهم الخونة الذين يخونون امتهم وشعوبهم لتنفيذ مخططات الاعداء في الامة ، سواءََ قاموا بذلك عن وعي وادراك ام قاموا به بجهل ودون وعي ولا ادراك . فهم في الدنيا موصومون ومحاسبون بذلك العار الذي ترثه عنهم اجيال ابنائهم . والمؤامرة والمكيدة والخديعة والخيانة والدسائس موجودة ما وُجدت في العالم الدول الطامعة والطامحة التي تسعى للسيطرة على البشرية او مواردها . ومن اخطر انواع المؤامرات الارجاف ..والارجاف لغة تحريك، التحريك، او لاضطراب بشدة،فرجفت يداه ارتعدت واضطربت من شدة الخوف او من شدة البرد ،ومنه الرجفة: زعزعة الأرض تحت القدم،والإرجاف هو الإخبار بما يضطرب الناس لأجله من غير تحقق به.. ومن الإرجاف: إشاعة الباطل للاغتمام به والاضطراب وانتشار الفوضى المؤدية للغلبة على اهلها.... واصطلاحًا: يمكن أن يُعرَّف الإرجاف بأنه: بث ونشر الأخبار والاشاعات المثبِّطة والمحبطة والمؤلمة؛ بغرض إحداث الاضطراب، وزعزعة الثقة، وزعزعة الأمنِ والإيمان في نفوس المؤمنين لاضعاف صفهم.
ومن وسائل المؤامرات لانجاحها اتخاذ الجواسيس وبث العيون لبث الاشاعات من جهة لخلق اجواء الاضطراب والفوضى في المجتمع المستهدف،او لمراقبة مكامن الضعف والقوة عند الخصوم . وقد كان يقوم بهذه المهمات القذرة للاعداء في عهد النبوة - المنافقون - وقد حذرهم الله سبحانه وتعالى من عقابه في الاخرة وعقوبتهم بالطرد والنفي عن المدينة -مجتمع الايمان وعاصمته - ان لم ينتهوا ، فقال تعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ [الأحزاب: 60-61]. وقال الله جل وعلا طالبا ممن ينشرون الاشاعات والاخبار دون وعي،و بمجرد تلقفهم لها ومسارعتهم لنشرها وبثها ليحققوا سبقا اعلاميا او ليقال عنهم عارفون ومطلعون :- (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء:83]، اي إذا ردت المشتبهات في الفهم والادراك وردت الأمور إلى كتاب الله وسنة رسوله وإلى أولي الأمرمن العلماء الربانيين استنبطه أهل العلم الرباني، ووضحوا معناه، وأرشدوا الحائر إلى الحق والهدى، وكشفوا الشبهة، وبينوا لهم الطريق السوي في الفهم والفقه والتحليل للمواقف ، حتى يسير المسلمون على هدى وعلى نور من الله في الحياة، ولا يثيرون البلابل والقلاقل في المجتمع فيثبطون العزائم ويحطمون النفوس بتضخيم وتهويل الامور.فتنهار العزيمة وتموت المعنويات فتخور عن المواجهة ومقاومة الاعداء.ومن المؤامرات القذرة التي يمارسها اعداء الامة والدين اليوم محاولاتهم لنشر الفكر المادي الضال والمنحرف في الامة عن طريق دعاتهم دعاة جهنم الذين هم من ابناء جلدتنا و ينطقون بالسنتنا، لحرف ابناء الامة عن جادة الحق والهدى وتحقيق العزة والسؤدد، وينشرون بينهم حب الشهوات وما يؤدي بهم الى المنكر واشاعة الفاحشة، لقتل قيم ومعاني المروءة والشرف والكرامة في نفوسهم ، فما من مجتمع تشيع فيه الفواحش والمنكرات الا وانهدم بنيانه وتدمر وجوده وانتهت هويته....فلذلك قال الله تعالى للحفاظ على طهارة المجتمع المؤمن في سورة الانعام ( ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن )( 151)،وقال سبحانه في الاعراف :- (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)(33). وتوعد سبحانه مشيعي الفاحشة في المؤمنين بتسهيل عمليات ارتكابها وتزييبنها في اعين الناس كالسيداويين وامثالهم من اهل الخنا والقوادة، فقال جل من قائل : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (19 النور) . قال الشيخ السعدي في تفسيره :- { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ } أي: الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة { فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: موجع للقلب والبدن، وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله؟" وسواء كانت الفاحشة، صادرة أو غير صادرة.وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم، وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه. { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } فلذلك علمكم، وبين لكم ما تجهلونه.).
ومن اشكال المؤامرة على الامة اليوم تفتيتها وتقسيمها احزابا وشيعا، كل حزب منتم الى حدود وهمية فرقت الامة ومنعت وحدتها التي هي من مقتضيات عقيدتها عقيدة التوحيد التي يعتنقونها، وقد نهانا الله في غير موضع عن التفرق فقال :- ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159 الانعام). وقال سبحانه :-(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) ۞ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)الروم). قال ابن كثير - تفسير سورة الروم - الآية 32. وقوله : ( من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ) أي : لا تكونوا من المشركين الذين قد فرقوا دينهم أي : بدلوه وغيروه وآمنوا ببعض وكفروا ببعض .
واستمع لهذه الايات من سورة ال عمران وتدبرها جيدا لتعلم الحبل الذي يربطك بامتك وافرادها وجماعتها : - ( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۗ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ (108) .
وقد طلب الاسلام من ابناء الامة ان يتحلوا بالفطنة والذكاء ليتنبهوا لمكائد ومؤامرات الاعداء،وكشفها واستكشافها لردها والحذر منها،ان الفطنة والفهم والذكاء أمر مطلوب شرعاً وعقلاً، وإلا فما أسرع ما يوقع شياطين الجن والانس و المحتالون وسرّاق الأوطان والثروات و الأفكار بالبسطاء والبُلداء! فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(الاعراف 203) ..
فالواجب المتحتم على المسلم السعي لاكتساب الفطنة والذكاء، وقد قال سيدنا علي رضي الله عنه وارضاه :- ((وَالْيَقِينُ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى تَبْصِرَةِ الْفِطْنَةِ وَتَأَوُّلِ الْحِكْمَةِ وَمَوْعِظَةِ الْعِبْرَةِ وَسُنَّةِ الْأَوَّلِينَ:
فَمَنْ تَبَصَّرَ فِي الْفِطْنَةِ تَأَوَّلَ الْحِكْمَةَ، وَمَنْ تَأَوَّلَ الْحِكْمَةَ عَرَفَ الْعِبْرَةَ، وَمَنْ عَرَفَ الْعِبْرَةَ عَرَفَ السُّنَّةَ، وَمَنْ عَرَفَ السُّنَّةَ فَكَأَنَّمَا عَاشَ فِي الْأَوَّلِينَ)) .ومن الفطنة الحذر، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71 النساء) ، و الفطنة اليقضة الدائمة والفطنة ضد الغفلة، ورجل مغفل أي لا فطنة له.
أما الذكاء فهو تمام الفطنة. فيقال: ذكت النار أي تم اشتعالها. فلذلك قيل المؤمن كيسٌ فطنٌ حذر .
نسال الله ان يعلمنا ويفهمنا ويرزقنا العقل والفطنة في الامور كلها ويرد عنا كيد الكافرين ومكرالطغاة و الظالمين ونصر امتنا على المغتصبين والمحتلين ...والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...