*****(بسم الله الرحمن الرحيم )*****
42- الحلقة الثانية والاربعون من سلسلة اثر العبادات التربوي على النفس والسلوك :-
8- الوقفة الثامنة مع الحج :-
اخواني واخواتي حجاج بيت الله الحرام الكرام ، السلام عليكم حيث كنتم وحيثما حللتم ونزلتم وبعد:-
في الحلقة السابقة احرمنا ولبينا واسمرينا بالتلبة الى ان نصل الى مكة المكرمة زادها الله تشريفا وتكريما وزاد بيته تعظيما .. والان ها أنت أيها الحاج -أو المعتمر- على مشارف مكة محرمًا، فمتى دخلتها -بعون الله تعالى وتوفيقه - فاطمئن أولًا على أمتعتك في مكان إقامتك المخصص لك ولرفقتك، ثم اغتسل -إن استطعت- أو توضأ.لانك مقبل على الدخول لبيت الله المعظم ..
دخول المسجد الحرام:
ثم توجه إلى البيت الحرام؛ لتطوف طواف العمرة إن نويتها متمتعا بها الى الحج، أو طواف القدوم إن كنت قد نويت الحج منفردا او قارنا .
وكبِّر، وهلِّل عند رؤية الكعبة المشرفة وقل: "الحمد لله الذي بلَّغني بيته الحرام، اللهم افتح لي أبواب رحمتك ومغفرتك، اللهم زد بيتك هذا تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزد مَن شرَّفه وكرَّمه -ممن حجه أو اعتمره- تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًّا، اللهم أنت السلام ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام، وأدخلنا دار السلام بسلام "، ثم ادع بما يفتح الله به عليك، فالدعاء في هذا المقام مقبول بإذن الله تعالى.
وإذا لم تحفظ شيئا من الأدعية المأثورة فادع بما شئت وبما يمليه عليك قلبك، ولا تشغل نفسك بالقراءة من كتابٍ غيرِ القرآن، فهو الذي تقرؤه وتكثر من تلاوته.
الطواف بالبيت:
ثم اقصد إلى مكان الطواف؛ لتبدأه وأنت متطهر متوضئا فتحية البيت الطواف، وهو كالصلاة يُشترط الطهارة له من الحدثين ...
واستقبل الكعبة المشرفة تجاه الحجر الأسود،واستقبله بوجهك وصدرك، وارفع يديك حين استقباله كما ترفعها في تكبيرة الإحرام؛ للدخول في الصلاة، ناويًا الطواف، مكبرا، مهللا، معلنا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، قائلًا: اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-.
ثم اجعل الكعبة على يسارك مبتدئًا من قبالة الحجر الأسود، وسر في المطاف -مع الطائفين- حتى تتم سبعة أشواط بادئًا بالحجر الأسود ومنتهيًا إليه في كل شوط.
ويسن استلام الحجر الأسود وتقبيله عند بداية كل شوط إن استطعت، فإن شق عليك ذلك فلتسْتلِمْه بيدك ولتقبِّلْ يدك، وإلا أشرت إليه دون تقبيل.
ويستحب أن تقول عند الاستلام ما تقدم من التكبير والتهليل، ودعاء: اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-. واحذر من الزاحمة وايذاء الناس،فلا تركتب حراما من اجل تحقيق امر مستحب لا شيء عليك ان لم يتسنى لك فعله ..
واشغل نفسك وفكرك في الطواف بذكر الله تعالى والاستغفار والدعاء وقراءة ما تحفظ من القرآن مع الخضوع والتذلل لله، فانت الان لائذ ببيته فاقبل عليه بكل حواسك ومداركك، مستذكرا المعاني التي ذكرناها في حلقة سابقة للطواف، ومن أفضل الدعاء ما جاء في القرآن الكريم كقوله تعالى: {رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَة وَفِي ٱلأخِرَةِ حَسَنَة وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ} ، ولا ترفع صوتك، ولا تؤذ غيرك.
ركعتا الطواف:
فإذا فرغت من أشواط الطواف السبعة فتوجه إلى المكان المعروف بمقام إبراهيم وصَلِّ فيه -منفردا- ركعتين خفيفتين ناويًا بهما سنة الطواف، أو صلهما في أي مكان في المسجد إن لم تجد متسعًا في مقام إبراهيم، وادع الله بما تشاء وما يفتح به عليك.
ثم توجه إلى الملتزم وهو المكان الذي بين باب الكعبة والحجر الأسود.
وإذا استطعت الوصول إليه فضع صدرك عليه مادًّا ذراعيك، متعلقًا بأستار الكعبة،مستجيرا بصاحبها عز وجل تطلب منه قبول التوبة والغفران لما ستر، واسأل الله من فضله لنفسك ولغيرك من المسلمين فإن الدعاء هنا مرجو الإجابة إن شاء الله تعالى.
الشرب من ماء زمزم:
ثم توجه إلى مصادر وجود مياه زمزم واشرب منها ما استطعت، فإن ماءها لما شرب له، كما ورد في الحديث الشريف .
السعي بين الصفا والمروة :
ثم ارجع -بعد شربك من ماء زمزم أو بعد وقوفك بالملتزَم- واسْعَ بين الصفا والمروة بادئا بما بدأ الله تعالى به في قوله: {إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلمَروَةَ مِن شَعَائِرِ ٱللَّهِ} .
ومتى صعدت إلى الصفا فهلل وكبر، واستقبل الكعبة المشرفة، وصلِّ على النبي المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- ، وادع لنفسك وللمؤمنين ولامة الاسلام بالنصر والتمكين ولمن تحب ولنا معك بما يشرح الله به صدرك.
ثم ابدأ أشواط السعي -سيرًا عاديًّا- من الصفا إلى المروة في المسار المعد لذلك مراعيا النظام والابتعاد عن الإيذاء.
وأسرع قليلا في سيرك بين الميلين الأخضرين -في المسعى القديم والجديد علامة تدل عليهما-، وهذا الإسراع هو ما يسمى "هرولة" وهي خاصة بالرجال دون النساء.
فإذا بلغت المروة قف عليها قليلا مكبرا مهللا مصليا على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، جاعلا الكعبة تجاه وجهك داعيا الله تعالى بما تشاء من خيري الدنيا والآخرة لك ولغيرك، وبهذا تم شوط واحد.
ثم تابع الأشواط السبعة على هذا المنوال مع الخشوع والإخلاص والذكر والاستغفار، وردد ما ورد عن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في هذا الموطن: «رب اغفر وارحم، واعف عما تعلم، أنت الأعز الأكرم، رب اغفر وارحم واهدني السبيل الأقوم» .
وبانتهائك من أشواط السعي السبعة تكون قد أتممت العمرة التي نويتها حين الإحرام.
وتذكر انك بسعيك هذا وترددك بين الصفا والمروة كأنك تعيش حياتك بين كفتي ميزان، فتوازن بين الرجاء بالرحمة والقبول والمغفرة فتتودد اليه بالطاعات والقربات والذكر، وبين الخوف والخشية من الله تعالى فتتجنب موجباتها بعدم قرب المعاصي والمنكرات والذنوب والخطايا المستجلبة لسخطه وغضبه ..
التحلل من العمرة للمتمتع :
وبعدها احلق رأسك ، أو قص شعرك كله أو بعضه، والحلق أفضل للرجال وحرام على النساء. وتحلق بذلك وتمحوا افكار الضلال والكفر والشرك من فكرك، وتمحوا محبتها من قلبك ونفسك ..
وبهذا الحلق أو التقصير للشعر يتحلل المحرم من إحرام العمرة رجلا كان أو امرأة، ويحل له ما كان محظورا عليه، فليلبس ما شاء، ويتمتع بكل الحلال الطيب إلى أن يحين وقت الإحرام بالحج ،حين العزم على الذهاب إلى عرفات ومنى يوم التروية.
ملاحظة حول طواف القدوم للحاج المفرد والقارن:
من أحرم بالحج فقط مفردا أو كان محرمًا قارنًا بين الحج والعمرة، فإن عليه -حين وصوله إلى مكة محرمًا وبعد أن يضع متاعه ويطمئن على مكان إقامته- أن يطوف بالكعبة طواف القدوم سبعة أشواط، وله أن يسعى بين الصفا والمروة، حسبما تقدم، وله تأجيل السعي إلى ما بعد طواف الإفاضة، يبقى على احرامه ولا يتحلل من إحرامه، بل يظل محرمًا حتى يؤدي مناسك الحج للمفرد والحج والعمرة للقارن ويقف على عرفات، ثم يبدأ التحلل الأول ثم الأخير بطواف الإفاضة ..
اما المتمتع فيبقى متمتعا حلالا الى يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة فيحرم من مكانه الذي يقيم فيه كما سنبين في قادم الايام ان شاء الله ..
نسال الله تعالى منا ومنكم القبول والنصر للامة والعز والتمكين ، والظفر واثبات للمرابطين والنصر والنصرة للمجاهدين ، والى ان نلتقي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..