======={بسم الله الرحمن الرحيم}======
13- الحلقة الثالثة عشرة من حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة
الرُسلُ والرسالة ... 
الناظر في معاجم اللغة يجد ان استخدام مصطلح الرسالة متعدد المعاني والاستعمالات ، فتطلق كلمة الرسالة على البحث العلمي في موضع معين من الفقه او التاريخ او اللغة او اوغير ذلك من فروع العلوم .. ومن ذلك ما يقدمه الطالب لنيل درجة علمية معينة !!
والرسالة هي ما  يكون بين اثنين من تواصل واخبار او تبليغ او طلب او ما شابه ذلك ..
وتطلق كلمة الرسالة ويراد بها التبليغ والاخبار شفويا كانت ام كتابية
والرسالة ما يحمله الرسول  ويُؤتمن عليه من معلومات واخبار وطلبات ومناهي من المُرسل لتبليغه للجهة المستقبلة المعنية،،، 
والرسول هو حامل الرسالة المؤتمن على ايصالها وتبليغها للجهة المعنية ..
وما يهمنا هنا هو الرسالة بهذا المعنى،اتبليغ من طرف الى طرف اخر ، والتي تكون  في واقعها علاقة بين طرفين ، احدهما غائب عن الانظار والاخر او الاخرين المعنيين بالخطاب حاضرين ، والغياب والغيب له انواع ، 1- فهناك غيب يحجبه المكان وبعد المسافة ، فالغائب هنا والمدرك كلاهما حاضران في الواقع الا انهما مفصولان ببعد المكان والزمان فاحتاج كل منهما للرسالة والرسول او المرسال او البريد كما سمي لاحقا لتوصيل الاخبار والعلم المطلوب ايصاله ..!!
2- وهناك غيب يفصله عن الواقع الزمان ،، فالزمان اما ماض حدث في الواقع ومضى امره وانقضى،فيُعلم امره بالنقل  والاخبار بالرواية وما يعرف بالتاريخ..
 واما ما زال مستمر الوقوع يضارع الحال والواقع  وهذا يعلم لمضارعيه ومعاصريه ومشاهديه بادراكه من الواقع ،،،
 واما غيب يفصله زمان المستقبل فهذا لم يقع ولكنه ممكن الوقوع ، وهذا علم اما محجوب واما متوقع، فالمتوقع منه ما تدل عليه العلامات وتهدي اليه السنن الكونية كوقوع الخسوف والكسوف واقتران النجوم والكواكب وما شابه ،او الاجتماعية و سنن التاريخ ومجريات الاحداث التي جعلها الله نواميس يسير الكون وتسير الحياة بحسبها وم ذلك ما قاله ﷺ (إذا تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا) وما قاله أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبة توليه الخلافة (وما ترك قوم الجهاد قط إلا ذلوا) وما قاله علي رضي الله عنه (وما غزي قوم في دارهم إلا ذلوا) فقد تحقق ذلك لما ترك العرب والمسلمون الجهاد وتولوا عنه وهجروه، غزاهم العدو المحتل فأخذ أرضهم ونفطهم وفقدوا خلق الرئاسة والسيادة فاستعبدهم وأذلهم!!!!
3- ومنه غيب محجوب بالعجز عن ادراك واقع ماهيته، لان الحواس لا تستطيع ذلك وتعجز عنه، ومن ذلك رؤية الخالق او الاحاطة به سبحانه،ومن ذلك ايضا عدم قدرة حواس البشر على رؤية الملائكة ،او عالم الملكوت الاعلى عن مدارك الحواس والعقل ، لان العقل لا يدرك ما لا يقع تحت ادراك حواسه من سمع ليسمع الاصوات والكلام، وبصرليبصرما يقع تحت طائلة ابصاره المجرد،فمثلا ادرك الانسان اثار الاحساس بالمرض والشعور باثاره لكنه الى وقت قريب لم يدرك ماهية المسبب له من فايروس او جرثومة او ميكروب الا بعد اختراع وصناعة المجهر، وحاسة الشم للروائح والتي تعكس احوال المشموم واقعه ، فرائحة النتن تدله على التعفن ورائحة بعض الثمار تدل على النضج، وتحرك روائح الثمار الشهية لها، فيشتهي ما يحتاجه جسمه من عناصرها الغذائية المحتوية عليها، وهنا اقول لو اكل الانسان من كل فاكهة او خضار باعتدال لتجنب الامراض التي تنتج عن نقص العناصر او عن زيادتها في الجسم . 
واحساس بالنهايات العصبية المنتشرة  في الجلد وغيره من اعضاء الجسد للاحساس بالبر والحرارة والالم ... 
4- وهناك احاسيس ومشاعر قلبية ناتجة عن ردة الفعل والأثر بالواقع او التأثر بالتصور الذهني الذي ترسمه الافكار، كالبغض والكراهية الناتج عن الاذية المادية والمعنوية والنفسية، والمنتج للحسد والبغضاء !! وكالمحبة الناتجة عن ميل القلب لمن يحسن اليه في التعامل ماديا او معنويا ، فيتعلق القلب بالمحسن اليه !!! وهذه الاحاسيس القلبية والمشاعرالنفسية والتي هي اثار ادراك العقل للواقع الذي يحصل للانسان من اهم العوامل المؤثرة في سلوكه وبحاجة ماسة الى الضبط كما سنبين لاحقا ان شاء الله تعالى...
ولما كان الايمان بالله امر يحتمه الواقع ويبعث عليه الادراك الفطري والادراك العقلي كان الانسان بحاجة الى الاجابة عن اسئلة عقدته الكبرى، من انا؟ لماذا انا؟ من اين اتيت ومن اوجدني؟ لماذا اتيت ولماذا خلقني؟ الى اين انا ذاهب وما المصير؟ ما علاقتي بهذا الكون العملاق؟؟ وما علاقتي بامثالي من البشر؟؟ وما علاقتي ببقية المخلوقات والموجودات ؟؟؟!هذا ما يستوجب على الانسان ان يعيش في حيرة واضطراب ويؤدي الى اختلال في تصرفاته وعدم اتزان في عقله ليزن الامور بموازينها الحقة !!
وهنا يتولد سؤال!! ما هي الموازين الحقة التي تحقق العدل والانصاف في حياة البشر ..؟؟
هل خلقنا الله -الذي ادركنا وجوب وجوده من اثاره في الواقع وعنايته بالخلق بعد الايجاد ورعايته - هل تركنا هكذا هملا دون نظام ينتظم فيه وبه سلوكنا في هذه الحياة؟؟!! هل تركنا للاهواء والشهوات تتنازع وجودنا وحياتنا، فتتقلب الحياة بناءُ على الشهوات والاهواء والملذات؟؟ فيوما نشتهي واخر نهوى ويوما نكره ونبغض ولا نشتهي!! 
هل فعلا تركنا هكذا هملا؟؟!!
ان الناظرنظرة تدبر وتعقل وادراك بعين العقل للكون وموجوداته، والحياة ومجريات احداثها، يجدها تسير وفق نظام ومسار محدد لها لا تملك ان تحيد عنه قيد انملة،،!! وحتى مجتمعات مجموعات واصناف الحيوان لها انظمة خاصة بها غريزية وراثية ،لا تملك تغييرها،فآكلة اللحوم لا يمكن ان تعيش على الاعشاب!!! وآكلة الاعشاب لا يمكن ان تعيش على اللحوم!!،،،وكذلك النباتات لها انماط حياة لاتقبل العيش الا بها !! فهناك ما يحتاج منها للبرودة وهناك ما يحتاج للحرارة الاستوائية وهناك ما يحتاج الى الاجواء المدارية...!! ومنها نباتات الفصول كنباتات الصيف ونباتات الستاء ونباتات الربيع ونباتات الخريف!!
فهذا الكون الخاضع لنظام خلقي الزامي يسير ومفرداته بوجوده ،! هل انا الجنس الوحيد المتروك فيه هملا بلا نظام ولا سنن ولا قوانين ونواميس؟؟!!
كل هذه الاسئلة وامثالها تجيب عنها الرسالة .. الرسالة التي ارسل الله بها الرسل للبشر.. والتي بينت الغاية من وجود البشروهو عبادة رب البشر وطاعته، وبينت لهم ماتستقيم به احوال دنياهم واعطتهم الميزان الذي يزنون به الفكر وهو العقيدة ، واعطتهم الميزان الذي يزنون به الافعال والتصرفات والتعامل والمعاملات وهي الشريعة، وبهذا اختصهم الله تعالى ليكونوا عبادا له وحده ، فلا يتيهون في متاهات الفكر والفلسفة وطاعة الاهواء واستعباد الخلق لهم،بل يعبدوه باتباع منهج عقيدته في الفكر وشريعته في السلوك .. ووظيفة الرسول بيان ذلك وتفصيله للناس، ليقتدوا بافعاله واقواله وبسلوكه ومنهج تفكيره المبني على عقيدة التوحيد المقتضية اتباع شرع ونظام الرب الواحد الاحد المتفرد في وجوده فلا اله غيره يُعبد او يُطاع ، والمقتضية توحيد المؤمنين بالمؤاخاة بينهم والمقتضية في النهاية توحيد البشرية جمعاء لاتباع الرسول في رسالته المقتضية طاعة وعبادة الرب الواحد الاحد ،قال الله تبارك و تعالى:-  ﴿تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا﴾ [الفرقان:1] 
وامره الله تعالى بان يبلغ ذلك للناس بوصفه رسول يحمل رسالة ربه فقال سبحانه :-  (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) [المائدة: 67]،
أما النبي الرسول  صلى الله عليه وسلم فقد حرص على هداية قومه اولاََ ودعوتهم حتى آخر لحظة، وكتب الله لبعضهم الهداية والرشد، ومات على الضلالة والكفر من تبع الهوى والشقوة والنكد، وربك أعلم بمن فيه الخير ومن ليس اهلا له، وهوأحكم الحاكمين ولا يظلم أحدًا. وبعد ان  حيد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قريشًا وحلفاءها بمعاهدة (الحديبية) وأدب اليهود المناوئين في (خيبر) وكسر شوكتهم، توجه بعد ذلك بخطة راشدة وتخطيط حكيم للدعوة العالمية، مخاطبًا الرؤساء والملوك والأمراء، محملا اياهم مسؤوليتهم امام الله تعالى عن حق رعاياهم عليهم في الهداية والرشاد ،وبعث بذلك  رسله، وكتب رسائله يبشر بالإسلام ويدعو للدين والمنهج الحق، ويقول للسادة والكبراء (أسلموا تسلموا) ومهما كان نوع استجابة هؤلاء المدعوين، فقد حصل البلاغ، وأوحي لهؤلاء المدعوين بأن قوة في الأفق تلوح، وأن دينًا في الكون جديد يبشر بالخير، ويدعوا للحق، وأن جيلًا صالحًا سينشر العدل ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قد ظهر وسيرث الرسالة ويستمر في تبليغها لانها رسالة الله الى كافة الناس. قال الله تعالى:  (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سبأ: 28].
وما فارق صلوات ربي وسلامه عليه واله الحياة حتى طهر جزيرة العرب من الشرك والتبعية للفرس والروم القوتين الاعظم في زمتنه عالميا، بل خاضت جيوشه معارك كبيرة بقيادته صلى الله عليه واله وسلم مع القوتين الاعظم في عالمه ان ذاك واتبعهما واذنابهما من عرب الجزيرة شرقا وشمالا وجنوبا وغربا...
وقد ورث اصحابه الكرام مهمة التبليغ من بعده لاكما واتمام ايصالها للعالمين وورثوا ذلك للمخلصين من ابناء الامة بعدهم..
  ... فكانت رسالة الاسلام للناس كافة وهذا يقتضي خاتمية رسالة الاسلام للرسالات، والتي تقتضي هذه الخاتمية ان يستمر ميراثها وتوريثها للاتباع وجوبا لا ندبا،فمهمة هداية الناس والاجيال والنشىء انما هي مهمة عينية كما انها مهمة جماعية واجتماعية ومن اوليات ولاية الامر والاستخلاف ..
 فكانت خاتم الرسلات كما سنبين ان شاء الله ان بقي لنا من العمر شيئا .. واستودعكم ربي وربكم الواحد الاحد الذي لا تضيع ودائعه ونستودعه جل وعلا اهل بيت المقدس اهل الرباط واهل غزة اهل الجهاد والعزة نصرهم الله على كل من عاداهم وعلى كل من خذلهم - والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....