15- من ذاكرة الايام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
النصارى في بلادنا والاسلام !!!!
اذكر عندما كنت رجلا صغيرا - ولا اقول طفلا- كان والدي رحمه الله كغيره ممن هُجروا من ارضهم في منطقة وادي الحسي حيث كانت تقع اراضي قبيلة الجبارات ، جنوب الخليل وشرق الفلوجة وغرب الدوايمة وشمال عرب الشلاليين و منطقة رخامة من اراضي العطاونه قبيلة التياها و التي فيها اليوم مستعمرة للمحتل الغاصب ..
هُجر اهلنا ىواكثرهم ليس له مهنة او عمل خاصة وانهم تركوا ااضيهم التي كان يزرعها الزراع ويتقاسمون معهم بركات خيراتها...
فكانت اسهل مهنة التجارة ففتح والدي رحمه الله بفالة في مدينة مادبا، وكان مستاجرا مبنى البقالة والسكن من رجل نصراني من نصارى مادبا اذكر لقبه (ابو عدنان) وكانت زوجته تدعى ايضا (أم عدنان) ...
جاء اقاربنا البادون في الاعراب فأقنعوا والدي بأن ينقل دكانه عندهم في وسط مضاربهم ،، بحجة انهم يأتون من مسافة بعيدة ليشتروا منه ميرتهم وحاجاتهم !!
وان رحيله هو اهون من مجيئهم اليه !! فوافق رحمه الله ورحل بدكانه الى مضاربهم واشترى لنا بيتا من الشعر وبجواره عملوا للدكان عريشا ..من نبات القصب والحلفا...
لم تعمر الدكان طويلا .. فما هي الا اشهر قليلة وذهبت البضاعة ديونا موعدها بيع مواليد الغنم او بيدر الحب !! كان ذلك سنة 1961م...
فاشتر رحمه الله بما تبقى معه من مال حمارة اجلكم الله ، حيث كانت وسيلة النقل والتحميل ولها ادوار اخرى كالدراس والحراثة ..!!
واشترى ايضا عددا من الماعز ...!! مما جعل لي عملا موكولا الي القيام به وانا في صغر السن !! فاصبحت بذلك رويعي غنيمات اتتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر !!
كان ابو عدنان يزورنا بعد رحيلنا عنه هو وام عدنان .. وكانوا يحضروا لنا معهم هدية من حلوى (الكعكبان) والحلقوم او الراحة ،،، واحيانا الزبيب و التمر والقطين(التين المجفف) ...
كان الشتاء قد اقبل ، فنصح ابة عدنان والدي بان يفلح ارضا له شرقي ذيبان - في منطقة كان يقال لها (ارجيم سليم) .
كان الناس ولا يزالون يفلحون الارض مقابل ان يعطوا ثلث ناتجها لصاحب الارض !!!
فسأل والدي ابا عدنان كيف سيأخذ نصيبه من الارض ؟؟
فقال له ابو عدنان النصراني:- ( يا ابومحمد هذا الذي يفعله الناس اليوم حرام وجهل بالدين، الارض لله فلا يجوز ان اخذ منها شيئا حتى اشاركك في البذار واجور الحراثة !! وفعلا هذا ما حصل..
لم نكن نعلم وربما الكثير من الناس لليوم انه لا يجوز كراء الارض على شيء من ثمارها !! ولكن علم هذا النصراني -ابو عدنان- والدي هذا الامر عمليا .. وبين له كيف يحل له مشاركته في ريع الارض بحيث يجب ان يكون شريكا في البذار والحراثة !!
وما علمت ذلك انه من فقه ديننا وشرعنا الحنيف الا يوم دخلت كلية العلوم الاسلامية في سبعينات القرن الماضي !!!
جاء موسم الحصاد ، وحضر ابو عدنان وزوجه ام عدنان _واقاموا معنا في رفة من البيت(قسم من بيت الشعر).. ورفة لنا ورفة مضيف للرجال !!
وكان مكان قضاء الحاجة اجلكم الله الوادي او اي منخفض غائط في الارض يذري العورة !! وكانا يقيمان معنا طوال موسم الحصاد ،، فاذا ما نتهى ترك لوالدي حصته من البذار للعام المقبل وذهب بحصته الى داره ...
كان والدي رحمهما الله يخرجان في الصباح الباكر للحصيد، وانا كنت اخرج مع المعز لارعى بها ، وكانت ام عدنان تعتني بالصغار وتطبخ وتخبز .. وكان ابو عدنان يعمل القهوة العربية والشاي ويلحق بالفطور والشاي والقهوة الحصادين.. اما انا فكانت والدتي رحمها الله تعمل لي رغيف ساندوش بالزبدة والسكر !! واحيانا بالزبدة و دبس التمر !!
فاعود اخر النهار وكثير من الاحيان ما اعاني من الصداع لعدم وجود ظلا استظله ..فكانت ام عدنان تذيب الملح في الماء وتضع منه قطرات في اذني و تقرأ على رأسي اية الكرسي والمعوذات وخواتيم البقرة وعلمتها لامي رحمها لتقرأها علينا لتكون حرزا لنا من العين والشياطين !!!
لم نكن في ذلك الوقت نميز النصراني من المسلم لان الثقافة السائدة في المجتمع كانت ثقافة دولة الاسلام التي علمت الامة واشرفت على ذلك التعليم الذي وحد ثقلفة امتنا بما فيهم اهل ذمتنا !!
في الستين من القرن الماضي لم يكن مضى على الغاء خلافتنا وسقوط دولتنا الا اقل من ثلاثين سنة !! فلذلك وجدنا هذا التأثر بثقافتنا واحكام ديننا التي كانت هي المنظمة لحياتنا وحياة اهل ذمتنا !!!
لقد عبث المستشرقون والمبشرون وكنائس الغرب الحاقد بعقول وثقافة اهل ذمتنا فاصبح لهم خليط من الثقافة واصبح لهم دور يلعبونه في افساد ثقافتنا والتشكيك في معتقدنا فحصل التنافر والنفور لعدم تجانس ثقافتنا الاصيلة مع ثقافة الغرب الغازية الدخيلة !!!
والى لقاء اخر اسال الله ان يعيد لنا امجادنا ويظهر ديننا على الدين كله و استودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...