80- من دروس القران التوعوية - الدنيا والاخرة والدين!!

بسم الله الرحمن الرحيم
80- من دروس القران التوعوية :-
الدنيا والدين والاخرة في منظور القران الكريم :
قال الله عز وجل:- { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ (12)وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَىٰ (13)الليل}...
فالهدى انزله الله تعالى للخلق ليهتدوا به في سراديب هذه الحياة الاولى -الدنيا- ليصل الانسان للاخرة اما مرضيا راضيا بما وُفق اليه من هدى واما مغضوبا عليه بما اختار من ضلالٍ ورفضه للهدى ... وقد سُميت دنيا ليس لانها دنيئة كما يروج الكهنة وسحرة الفراعنة؛فيتركها الناس لهم؛بل الدنيا من الادنى وليس من الدناءة ؛ اي الاقرب للحس والادراك لان المخاطب هنا هو الحي الذي يمارس العيش فيها؛ وليس الغائب عنها؛ فمن غاب عن الدنيا وان كان حيا فان الخطاب والتكليف لا يشمله الا من باب الاحسان اليه من المكلفين؛ كالاحسان للدواب والبهائم من باب ان في كل كبد رطبة اجر...
فالتشريع المكلف به هو العاقل والعقل مناطه؛ فان غاب العقل عن ادراك الواقع والاحساس به لم يعد مكلفا بخطاب طلب او ترك؛ والعقل يغيب اما بمؤثر كالغيبوبة والجنون ؛ وهنا نقول اذا اخذ ما اوهب اسقط ما اوجب حال غيبوبته وغيابه؛ واما يغيب العقل في الفرد بالموت؛الذي هو مصير كل كائن حي ...
وهنا يتضح لنا ان الدنيا ليست ملعونة؛ لان الله تعالى نسب ملكيتها والتصرف باحوالها اليه تعالى؛ كما نسب اليه ملكية الاخرة؛ فكيف تكون دار الامتحان والابتلاء وتقرير المصير ملعونة والمصير مرتبط تقريره على ما نؤدي ونقترف فيها ؟!! ثم ان هذه الدار انما جاء الدين ليقيم فيها منهج الاستخلاف على مراد المستخلف سبحانه وتعالى !!!
ان التزهيد المبالغ فيه بالدنيا انما هو تزهيد للطالب عن دخول قاعة الامتحان؛ وهذا مخالف لمنهج وغاية الرحمن ؛ لانه خلقنا ليتعبدنا ويبتلينا في الدنيا ويمتحنا هنا في الاولى؛ وليس هناك في الاخرة ؛ فالدنيا دار العمل ؛ والاخرة دار الجزاء والحساب ...
وقد وعد الله عز وجل نبيه صلى الله عليه واله وسلم ان يظهره ويرضيه في الدنيا والاخرة على اداءه وعطاءه فقال تعالى:- { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ (5) الضحى}...
وقد وجهنا الله تعالى لطلب عطاءه في الدنيا؛ واثبت ان لنا نصيب منها؛والنصيب يكون بين الشركاء؛وانت يشاركك فيها الاحياء من بني جنسك ومن العالمين الاخرين؛ ووظيفتك اخذ نصيبك فلا تنساه ولا تتركه لغيرك ليفترسه؛فلا تترك شاتك للذئاب ولا دجاجتك للثعالب!!! ووجهنا ان تكون الاخرة مقصدنا في هذه الدنيا باقامة العدل فيها وعدم الافساد ولا اقرار الفساد؛ الذي دوما ينتج عن حيازة الثروة والمال والتصرف به بمعزل عن نظرة الحساب والثواب والعقاب !! فقال سبحانه {قال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)} [القصص: 77].
فالتزهيد المبالغ فيه للناس لترك دنياهم انما هو طلب لترك نصيبهم وحظهم مما جعله الله حقا مكتسبا للبشر والمخاليق المتشاركين في ثروات هذه الدنيا؛وهنا موطن الابتلاء وقاعة الامتحان .. فإما ان نقيم الدنيا بالعدل فيأخذ كل ذي حق حقه ... واما ان يظلم بعضنا بعضا حقه !!
ولنا عبرة في تقسيم الميراث !! وهو تقسيم تركة الميت من الثروة والمال ..
فالثروة والمال يُقسم على الاحياء لا على الاموات؛ اي حاضري هذه الدنيا لا الغائبين عنها وجودا !!
وقد جعل الله الثروة والمال قوام الحياة؛ فحرصت تشريعات ربنا على الحفاظ عليه؛ فحرم تبذيره وتبديده والاسراف في انفاقه؛تما كما حرم كسبه من غير حله .. وطلب منا عدم اتيانه للسفهاء حتى لو كانت ملكيته حقا مكتسبا لهم ؛ كأن يكون السفيه وارثا للمال او جامعا له قبل سفهه؛ فاوجب الحجر عليه؛اي منعه من التصرف بالمال الذي يملكه؛ لان المال لله استخلف فيه الناس ليكون قوام حياتهم؛فاوجب على جماعة المؤمنين الحجر على السفهاء مع الانفاق عليهم بالمعروف من قبل العقلاء من الاقارب والعصبة او الدولة وقضاتها .. فمنع سبحانه وتعالى تمكين السفيه من التصرف وتبديد وتبذير ثروات الامة التي هي قوام الحياة وعصبها فقال سبحانه:- { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (5)النساء} .. فبعد هذا التحذير والبيان هل يحق لعاقل ان يزهد الناس في الحرص على الحفاظ على الثروة والمال؟؟ في حين الله تعالى يحرم علينا تبذير وتبديد المال ؟؟!! فعلاوة على منع السفهاء - والسفيه ليس بالضرورة من فقد العقل- بل كل من تصرف بطيش نافى الاهلية في التصرف المنضبط باحكام الشرع - كذلك حرم على العقلاء ان يسرفوا ويُبذروا والا كانوا من السفهاء الذين يجب ان يُحجر عليهم ..{ وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)الاسراء}.. فكل له حقه مما تقوم به حياته حياةً كريمةً .. ومنع التبذير وجعل المبذرين اخوان الشباطين؛ الذين يجب ان يُستعاذ بالله منهم ويُحاربوا ؛ ولا يجوز اتباع خطواتهم او طاعتهم او او التأسي بهم وتقليدهم ؛ قال تعالى :- {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا ۚ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (142)الانعام} ... فبالمال تبنى المدارس والمساكن والمساجد والمشافي ومصانع التسليح والغذاء والدواء واللباس
وبه ومنه تتم النفقات الواجبة والمشروعة في وجوهها المشروعة ؛ وفي الحديث: نعم المال الصالح للمرء الصالح. رواه أحمد وغيره .
ودعا الرسول صلى الله عليه واله وسلم لأنس، وكان في آخر دعائه: اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه. رواه مسلم
وقال لسعد: إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة. رواه البخاري
فقد جاء الاسلام و القرآن الكريم ليصنع للانسان احسان منهج الاستخلاف في الدنيا؛ ويضع المسلم على الجادة المستقيمة، فالدنيا ليست غاية؛ وإنما وسيلة، ولا بد من إعمارها. ففي هذه الدنيا نعبد الله ونتعلم ونجاهد ونصلي ونصل ما امر الله به ان يوصل... قال الله تعالى: ﴿إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيٰوةِ الدُّنْيَا ويَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ [غافر:51]. ولان الدنيا انما هي الحياة الاولى التي تبنى عليها المصائر في الحياة الاخرة فلا يجوز ان تكون غاية بحد ذاتها منسية عن الاخرة؛ فكما نبهنا ان لا ننسى انصبتنا وحظوظنا منها ؛ وامرنا ان نبتغي فيما آتانا الله الدار الاخرة؛كذلك قد وصف سبحانه الحياة الدنيا في أكثر من موضع في كتابه الكريم بأنها متاع الغرور؛ لأنها تغر العباد الذين يتخذونها غاية وتقتصر نظرتهم عليها فتحجبهم عن الاخرة بالمغريات، وتغرر بهم إلى طريق الشهوات، قال تعالى: {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} (آل عمران:185).
ونختم بقول الله عز وجل الذي يبين فيه مكافأته وجزاءه لمن آمن واستقام في الدنيا قبل الآخرة فقال سبحانه:- {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف: 96].
{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)ابراهيم} ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...