85- من دروس القران التوعوية-اليات الامر بالمعروق والنهي عن المنكر -3-

بسم الله الرحمن الرحيم
85- من دروس القران التوعوية
اليات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر: -3- المحاسبة :-
المحاسبة من الحساب ويعني العد والاحصاء والموازنة بين الربح والخسارة ؛ والمحاسبة في مفهومها العام تعني العد بما لك فتشكروتُعان وتُشجع - وجاءت منها الاحساب- وهي الخصال والاعمال الممدوحة التي يفتخر بها الاجيال الوارثة لها؛ وكذلك تشمل ما عليك فتذم او تردع وتزجر ...
والحساب يكون لمن له الولاية والحكم والملك؛ والغاية منه التقييم والجزاء ؛
واما المحاسبة فتكون للتقويم والتسديد والتوجيه ؛فتكون من الهيئات والمؤسسات والجماعات والافراد المنوط بهم ذلك الامر للامر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ويتمحور مناطها في الامور المتعلقة غالبا بالشأن العام في حياة المجتمع واداء اداراته ...
والشأن العام من اوسع واهم واخطر ابواب الفقه ؛ لانه متعلق بحياة الامةو المجتمعات ؛ والحياة امر متجدد دائب الحركة التي تنتج المستجدات والحوادث ؛ مما يجعل الامة دوما بحاجة الى وجود علماء فقهاء مجتهدين ليخضعوا هذه الحوادث والمستجدات لاحكام الشرع واصوله الثابتة المستوعبة لكافة مستجدات الحياة ؛ ويستنيطون احكامها بعملية القياس والاجتهاد التي تتطلب دوام عمق التفكير واستنارته لتخريج القيادات الفقيهة والسياسية الرعوية القادرة على تولي الشان العام وادارته؛ لرعايته وسياسة اموره بحسن الرعاية والتفكيروالادارة والتدير المستند للاحكام و الاصول الشرعية؛ التي ينبغي ان تجدد امور الحياة وفق منظارها؛ والتي على اساسها تحصل وتتم عملية المحاسبة والتقييم والتقويم ...
وهذا المجال من اهم المجالات التي يواجه فيها الانسان الابتلاء والامتحان؛ وهو المجال الذي تظهر فيه اهمية المسؤلية الرعوية للامم والشعوب.. {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)الملك} ..  
وهو من اكثر المجالات واهمها التي تتطلب تقوى الله عز وجل ؛ التي دربتنا عليها وزرعتها في نفوسنا العبادات الفردية والجماعية من ذكرو صلاة وصوم وزكاة وحج .. فبتلك التقوى نرعى امور الشأن العام للمجتمع والامة بل وتشمل البشرية جمعاء؛ التي جاءت رسالتنا رحمة للناس كافة؛ حتى لو ادى ذلك الى قتال اهل البغي والفساد لتخليص المستضعفين والمظلومين من سلطان ظلمهم واستبدادهم؛ {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)النساء}..
ونقيس الحياة ونخضعها لما استنبط المجتهدون- الربانيون القادرون على سياسة الامم وحياتهم- لها من الاحكام الشرعية؛ لتستمر الحياة العامة متجددة وفق مقاييس الشريعة وباحكامها؛ { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)النساء}..وينفذه ابناء الامة ملتزمين بذلك؛ انطلاقا من المسؤلية المتبادلة بين كل فرد في المجتمع عن المجتمع ومكوناته ؛ وبين المجتمع كمجتمع مسؤول عن افراده ومكوناته .. وهنا محك التقوى الحقيقي المخضع للحياة لشرع الله تعالى؛ وليس العكس؛ قال تعالى :- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)الحشر} .. فالله عز وجل اعطاك صراطا مستقيما امرك باتباعه وانتهاجه في هذه الدنيا لتقيم حياتك وحياة غيرك من خلقه بموجبه وعلى اساسه ؛ وتدبر هذه الايات الكريمة من سورة هود : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلًّا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ ۚ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)هود}...
وتدبر قوله تعالى في سورة الانعام : {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَن تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَىٰ طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَىٰ مِنْهُمْ ۚ فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا ۗ سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)الانعام}...
فعلى اساس هذا الصراط الذي ارتضاه الله عز وجل نظاما تنتظم به مفردات وحوادث الحياة؛ تتم المحاسبة في الدنيا لتقويم الحياة واستقامة سيرها بنهجه؛ وعلى اساس الالتزام به يتم الحساب يوم الحساب .. { لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ ۚ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (-8-)الاحزاب} ..
وفي الختام فلنستجب لله ايه المؤمنين حيث يقول (فاستقم كما اُمرت) نعم كما (أُمرت)لا كما رغبت؛ فليس وراء الاستقامة الا الطغيان !! {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} (هود: من الآية113)
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)فصلت}...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..