". وَشَتَمَ رَجُلٌ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ له الشَّعْبِيُّ: "إنْ كُنْتُ كمَا قُلْتَ فَغَفَرَ اللَّهُ لِي
وَإِنْ لَمْ أَكُنْ كَمَا قُلْتَ فَغَفَرَ اللَّهُ لَكَ".
وشتم رجل معاوية شتيمة في نفسه ، فدعا له وأمر له بجائزة. فلا بد من تربية النفس على الرضا، والصبر، واللين، والمسامحة هي قضية أساسية، والإنسان يتحلّم حتى يصبح حليمًا. ويتصبر حين يصبح صبورا ويتكرم حين يصبح كريما .
وبإسناد لا بأس به عن أَبي الدَّرداءِ قالَ: قالَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-:
إِنَّما العلمُ بالتعلُّم، وإِنما الحِلْمُ بالتحلُّمِ، مَنْ يَـتـحَرَّ الخيرَ يُعْطَهُ، ومَنْ يَتَّقِ الشرَّ يُوقَه ُ".
مئات الألوف من المصلين يعمرون بيوت الله شكلا لا مضمونا ، ولو صدقوا مع الله لصدقهم الله ... رأيت المساجد تمتلئ حتى أبوابها ومنها لم تتسع ، لكن مع الأسف لم تجتمع القلوب كما اجتمعت الأجساد صفا واجدا ، أجسام تقف أثناء الصلاة يحكمها نظام واحد دقيق في معانيه ، تقف معتدلة متساوية متراصة ولكن قلوبهم متنافرة كاذبة ، تستجيب للإمام في كل حركة وسكنة ولا تفقه معنى ما تقوم به من نظام رباني لا مثيل له لأنه من لدن حكيم خبير ، ولا تفهم تلك الجسام غير أنها تؤدي فقط فريضة ثقيلة ، يريد كل واحد منهم أن يسقطها عن كاهله ، ونسوا أن الصلاة صلة بالله ، وان الصلة هي وصل بنور الله ، وأن المسلم يجب أن يستحضر في قلبه انه ربما لا يصلي غيرها ثم يلاقي ربه بعدها ، وان الله أثنى في كتابه على الخاشعين الراكعين الساجدين (( وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين )) إنهم لم يستشعروا كلمة : ( الله اكبر) عندما يبدأ بالدخول إلى الصلاة ويكبر تكبيرة الإحرام ، فلا يوجد كبير إلا الله الذي هو أقوى من كل شيء سبحانه ، وأنهم عندما رفعوا أيديهم مكبرين بتكبيرة الإحرام لم يرموا الدنيا من خلفهم ، وأنهم لا بد من أن يقفوا بين يدي الرحمن خاشعين خائفين ، مستحضرين في قلوبهم عظمته وقوته .
أتذكر ذلك الرجل الذي أصيبت ساقه في المعركة ، ولا بد من بترها ، فطلب من إخوانه أن يبتروها وهو ساجد ، وعندما تم البتر وهو مستغرق في سجوده ، نادوا عليه أن يقوم ، فقال لهم : لماذا لم تبتروها بعد ؟ قالوا لقد بترناها ووضعناها في زيت حار ثم لففنا عليها القماش ... كل ذلك حدث بدون أن يشعر به المصلي ....
عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض ، والصلاة نور، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو حجة عليك ، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها . رواه مسلم.
إذن الصلاة نور، والصدقة برهان ، والصبر ضياء . والإسلام تكليف وتعديل للسلوك وبناء جديد للشخصية ، فلا كراهية ولا حقد ، ولا غل ولا حسد ، ولا ظلم ولا كذب ، ولا غيبة ولا شر ولا فساد ولا إقصاء ولا كراهية ولا حقد ، بل هو الرحمة للعالمين .
انظروا إلى مكارم الخلاق :
وفي حديث خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- من الطائف وقد آذوه : تقول عائشة – رضي الله عنها-: إنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُد ٍ؟ قَالَ : " لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ ،فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ؛ فَنَادَانِي فَقَالَ:
إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ ، فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ! فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا " أخرجه البخاري ومسلم .إنه المبعوث قدوة للمسلمين ورحمة من رب العالمين للعالمين .
طلب أحد الخلفاء من الذين يعملون لديه أن يحضر له ( المرقة ) و كانت حارة ، فحينما قرب هذا الخادم إلى الخليفة .. سقط الإناء على رجل الخليفة ، فقال الخادم بسرعة بديهية : والكاظمين الغيظ ، فقال الخليفة : كظمت غيظي ،قال الخادم : والعافين عن الناس ،فقال الخليفة : عفوت عنك ، قال الخادم : والله يحب المحسنين ، فقال الخليفة : اذهب فأنت حر لوجه الله .
سئل أحد الخلفاء .. كيف ملكت شعبك ؟ فقال بالكلمة الطيبة ، فقد طلب ذات مرة أن يأتي إليه خادمه .. فقالوا انه نائم ، فقال : دعوه .. أطاب الله منامه ، وطلب آخر .. فقالوا انه يأكل
فقال : دعوه .. هنيئا ً مريئا .
ما أحوجنا إلى أن نتعلم الطيب من القول في زمننا هذا ..
رسول الله صلى الله عليه وسلم .. حينما أراد أن يراسل هرقل كتب إليه :
من محمد بن عبد الله .. إلى هرقل عظيم الروم . وانظر الفرق بين الكلمتين ( عبد الله وعظيم الروم ) . فاستخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الطيب من القول في مراسلة العدو .. حتى وان كان كافرا ً , وذلك بقوله " عظيم الروم "
أنس بن مالك - رضي الله عنه - خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم 10 سنوات يقول .. لم افعل شيء قط , وقال لي : لمِ تفعل هذا ؟ ولم اترك شيئا ً قط .. وقال لي : لماذا تركت هذا ...؟
أحد الخلفاء رأي في المنام أن أسنانه سقطت , فطلب أحد المعبرين ليعبر له هذه الرؤيا ..فقال له المعبر : يموت اهلك وتبقى أنت ، ففزع وحزن وغضب الخليفة .. وأمر بمعاقبته ، وطلب مفسرا آخرا فقال له المفسر الآخر : ما شاء الله هنيئا ً لك يا أمير المؤمنين ، هذه دلالة على طول عمرك ، فاستبشر الخليفة وفرح .. وأمر بإعطائه جائزة .... هذا هو الطيب من القول .
ففي الصحيحين من حديث أبي مسعود الأنصاري t أن النبي r قال
حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنْ الْمُعْسِرِ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ)
وقال : من أنظر معسراً أظله الله في ظله
وقال : ما كان الرفق في شيء إلا زانه .
يقول الله تعالى: ((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)) .
ويقول في حديث قدسي : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا .
كل ما سيق نتعلمه من الصلاة إن كما صادقين مع الله فالصلاة رحمة ورفق في كل الوجود وليس لبني آدم فقط ، وكما قال صلى الله عليه وسلم : ما كان الرفق في شيء إلا زانه وقال إذا ذبحت فأحسن الذبحة وإذا قتلت فأحسن القتلة وليرح أحدكم ذبيحته وليمض سكينه .
فهل يتعلم الناس في مساجدنا كل تلك المعاني الكامنة وراء الصلاة فيرحم بعضنا بعضا ويصلح حالنا كما صلح حال من سبقنا !! ؟ أم أنها فتن كقطع الليل المظلم تجعل الحليم حيران .؟
لَنْ يَبْلُغَ الْمَجْدَ أَقْوَامٌ وَإِنْ عَظمُوا
حَتَّى يَذِلُّوا وَإِنْ عَـزُّوا لأقْـوَامِ
وَيُشْتَمُوا فَتَرَى الأَلْوَانَ مُسْفِـرَةً
لا صَفْحَ ذُلٍ وَلَكِنْ صَفْحَ أَحْلامِ