المرآة المشروخة
بقلم: ملكة احمد الشريف
أخذت تتلمس تلك الخطوط التي داهمت وجهها على غفلة منها، وهي تزيح بيدها خصلة بيضاء تحاول دفنها بين ما تبقى من شعرها الأسود اللامع.
تنظر إلى مرآتها المشروخة وكأنها لم ترها منذ سنين؛ تلك المرآة الكبيرة ذات الإطار الخشبي المزركش، التي أهدتها إياها إحدى صديقاتها عند تخرجها في الجامعة، وعند ما أخرجتها من مغلفها وجدت فيها شرخا كبيرا يقسمها نصفين، لم تبال حينها بهذا الشرخ، فجمال المرآة جعلها لا تبالي كثيرا به، وجعلها ترجئ إصلاحها إلى يوم آخر.
تعكس المرآة أغلب جسدها المتناسق، وكأن السنين لم تزده إلا جمالا...
تزم شفتيها... تبتسم... تلقي على المرآة نظرة جانبية... لجسدها... تبتعد عن المرآة، تعدل من هندامها، ثم تعود من جديد لتلقي نظرة أخرى على النصف الآخر من المرآة لترى نفسها بشكل مغاير وهي تبتسم.
وتعود لتقترب منها، لتلقي نظرة قريبة أخرى، وتزم شفتيها من جديد... تتمتم بكلمات مبهمة.
تلعن فيها هؤلاء الرجال الذين لم يلقوا بالا إلى أنوثتها المتدثرة وراء وجهها الصارم... لا أحد غيرها يعلم أن في جنبات هذا الجسد ما زال يقبع قلب بريء، وأحلام صغيرة...!!
تنهدت...
تململت...
وعادت تتمتم ببعض الكلمات...
الآن... وبعد أن ذبلت زهرة شبابها، تراهم يتذكرونها بكيل المديح لها... ألا يعلمون أنهم بمديحهم هذا كانوا كأنهم ينعتونها بالقبح؟؟!!
لم يكن الجو باردا، ورغم دفء المكان لفت نفسها بوشاحها المزركش بألوان زاهية طالبة للدفء، الدفء الذي طالما انتظرته... كانت تحاول جاهدة طرد رطوبة السنين القابعة في جسدها، جلست على كرسي الخيزران الهزاز الذي كان يخرجها من صمتها وألمها... ألقت رأسها المثقل إلى الوراء لتسلم نفسها لشريط الذكريات، مر في الذاكرة أصدقاء الطفولة ومغامراتهم الشقية، وما كانت تحوي من مقالب وشقاوات بريئة، ومر بخاطرها العديد من أصدقاء الجامعة الذين - رغم مرور الكثير... الكثير من السنين- ما زالوا يتواصلون معها، يحيون ذاكرتها بأحداث ومواقف مرت، وتركت اثرا جميلا في نفسها...
شيء ما في أعماقها المتقدة بلهيب الذكريات ناداها... وبخطوات رزينة اتجهت نحو المرآة... أنزلتها من مكانها، وغلفتها بعناية، فقد عزمت على إصلاح المرآة المشروخة عند خروجها.
صوت هاتفها يوقظها من صمتها، ولكنه يصمت قبل وصول يدها إليه، يعود ليصدح من جديد وكأن المتصل يلح في الاتصال، ترفع حاجبيها متسائلة:
- ترى من هذا اللحوح الذي فقدني؟؟
- نحن ننتظرك في المطعم القريب و... و...
كانت المتحدثة إحدى صديقاتها الودودات القريبات إلى نفسها، وهي تطلب منها الحضور إلى الاستراحة القريبة من بيتها لتناول العشاء سوية، ولاستعادة بعض ذكريات الزمن الجميل.
أشرق وجهها بابتسامة عريضة ترحيبا بالفكرة وقبولا لهذه الدعوة المفاجئة...
بسرعة فائقة ذهبت تغير هندامها، واتجهت إلى المرآة لتلقي نظرة نهائية على نفسها... ولكنها تذكرت أن المرآة بانتظار إصلاحها...
خرجت وهي تقول للمرآة سأصلحك قريبا، فما زال في العمر بقية...!!
ما زال في العمر بقية...!!
مراجعة وتدقيق:أ.محمود عيد