ألم يأن لنا أن نؤمن أن أعداءنا لا يرعون لنا إلاً ولا ذمة ؟؟؟
لو استعرضنا تاريخنا بشكل سريع منذ تكوين الدولة الإسلامية في المدينة المنورة بقيادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عقب الهجرة .. وإلى هذه اللحظة ... لوجدنا أن كل المعاهدات .. وكل المواثيق .. وكل الإتفاقيات التي حدثت أو أُبرمت في هذا التاريخ الطويل سواء بين الرسول صلى الله عليه وسلم واليهود أو بينه وبين المنافقين .. أو عقب ذلك بين المسلمين عامة وبين غيرهم .. لوجدنا أنها كانت تُنتهك وتُنقض من قبل أعداء المسلمين أياً كانت جنسيتهم ، وأيا كانت عقيدتهم ، وأيا كان دينهم ، وأيا كانت طائفتهم ..
وهذا قول الله الصادق
لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ
ففي المدينة المنورة نقضت بنو النضير اليهودية المعاهدة التي أبرمتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاولت قتله .. ثم نقضت بنو قريظة العهد وتحالفت مع الأحزاب .. فكان الرد عليهم من رسول الله صلى الله وسلم وبأمر من الله تعالى مزلزلاً ومدمراً .. وساحقاً ماحقاً لهم .. حيث تم قتل رجالهم أجمعين .. وسبي النساء والذرية ..
وفي حالة بني قريظة عبرة .. ودعوة صريحة وقوية للمجاهدين السوريين ألا يتركوا مقاتلاً أسدياً أو فارسياً أو شيعياً إلا ويقتلوه دون شفقة أو رحمة ولو بلغ عددهم مئات الألوف .. جزاءً وفاقاً لما ارتكبت يداه من قتل الأبرياء .. تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم ..
كما نقض المناقون عهودهم مع رسول الله صلى الله وسلم مراراً وتكراراً .. وانسحبوا من غزوة أحد قبل أن تبدأ .. وتحالفوا مع كفار قريش سرا لمحاربة المسلمين ..
وهذا ما حذرنا الله تعالى منه بقوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً .. ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ... ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم ... وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ .... ) .
وهذا ما يعبر عنه سيد الشهداء .. سيد قطب في الظلال بكلامه الذي يصيب كبد الحقيقة فيقول:
إنها صورة كاملة السمات , ناطقة بدخائل النفوس , وشواهد الملامح , تسجل المشاعر الباطنة , والانفعالات الظاهرة , وتسجل بذلك كله نموذجا بشريا مكرورا في كل زمان وفي كل مكان . ونستعرضها اليوم وغدا فيمن حول الجماعة المسلمة من أعداء . يتظاهرون للمسلمين - في ساعة قوة المسلمين وغلبتهم - بالمودة . فتكذبهم كل خالجة وكل جارحة . وينخدع المسلمون بهم فيمنحونهم الود والثقة , وهم لا يريدون للمسلمين إلا الاضطراب والخبال , ولا يقصرون في اعنات المسلمين ونثر الشوك في طريقهم , والكيد لهم والدس .
وما من شك أن هذه الصورة التي رسمها القرآن الكريم هذا الرسم العجيب , كانت تنطبق ابتداء على أهل الكتاب المجاورين للمسلمين في المدينة ; وترسم صورة قوية للغيظ الكظيم الذي كانوا يضمرونه للإسلام والمسلمين , وللشر المبيت , وللنوايا السيئة التي تجيش في صدورهم ; في الوقت الذي كان بعض المسلمين ما يزال مخدوعا في أعداء الله هؤلاء , وما يزال يفضي إليهم بالمودة , وما يزال يأمنهم على أسرار الجماعة المسلمة ; ويتخذ منهم بطانة وأصحابا وأصدقاء . . فجاء هذا التنوير وهذا التحذير , يبصر الجماعة المسلمة بحقيقة الأمر , ويوعيها لكيد أعدائها الطبيعيين , الذين لا يخلصون لها أبدا , ولا تغسل أحقادهم مودة من المسلمين وصحبة . ولم يجيء هذا التنوير وهذا التحذير ليكون مقصورا على فترة تاريخية معينة , فهو حقيقة دائمة , تواجه واقعا دائما . . كما نرى مصداق هذا فيما بين أيدينا من حاضر مكشوف مشهود . .
والمسلمون في غفلة عن أمر ربهم:ألا يتخذوا بطانة من دونهم . . وألا يجعلوهم موضع الثقة والسر والاستشارة . . المسلمون في غفلة عن أمر ربهم هذا يتخذون من أمثال هؤلاء مرجعا في كل أمر , وكل شأن , وكل موضع , وكل نظام !
والله سبحانه يقول:
( إن تمسسكم حسنة تسؤهم , وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها .. )
ومرة بعد مرة تصفعنا التجارب المرة , ولكننا لا نفيق . . ومرة بعد مرة نكشف عن المكيدة والمؤامرة تلبس أزياء مختلفة ولكننا لا نعتبر . ومرة بعد مرة تنفلت ألسنتهم فتنم عن أحقادهم التي لا يذهب بها ود يبذله المسلمون . . ومع ذلك نعود , فنفتح لهم قلوبنا ونتخذ منهم رفقاء في الحياة والطريق ! . . وتبلغ بنا المجاملة , أو تبلغ بنا الهزيمة الروحية أن نجاملهم في عقيدتنا فنتحاشى ذكرها , وفي منهج حياتنا فلا نقيمه على أساس الإسلام , وفي تزوير تاريخنا وطمس معالمه كي نتقي فيه ذكر أي صدام كان بين أسلافنا وهؤلاء الأعداء المتربصين ! ومن ثم يحل علينا جزاء المخالفين عن أمر الله . ومن هنا نذل ونضعف ونستخذي . ومن هنا نلقى العنت الذي يوده أعداؤنا لنا , ونلقى الخبال الذي يدسونه في صفوفنا . . إنتهى.
وتمضي مسيرة العداوة للمسلمين متتابعة متدافعة حتى تصل إلى الثورة السورية المباركة .. فلا يتورع ولا يخجل أعداؤها من الكشف عن خبيئة نفوسهم الخبيثة .. الحاقدة .. الماكرة .. وإعلان العداوة جهاراً .. نهاراً .. بعد أن غلفوها بالمجاملات الدبلوماسية الزائفة لأكثر من عشرين شهراً .. فأصبحوا يعلنون أنه من المستحيل إسقاط نظام بشار بالسلاح .. وإبن إنطوانيت غاردنر ملك شرق الأردن يعلن صراحة أنه لا يمكن إسقاطه قبل ستة أشهر .. والدول التي تزعم صداقتها للشعب السوري .. وقد اجتمعت أربع مرات في أماكن مختلفة من العالم .. وتعاهدت على مساعدته بالمال والسلاح وخاصة بعد تشكيل الإئتلاف الوطني .. قد نكثت بوعودها .. وداست على قيمها .. وأخلاقها ..
ألم يأن لنا بعد كل هذه الأكاذيب .. والدجل .. والخبال .. والخداع .. من قوى الأرض كلها .. بما فيهم الذين هم قريبون من ديننا .. وعروبتنا .. أن نؤمن ونتيقن أنه لن ينتصر لنا أحد منهم ولو توسلنا إليهم .. ولو ناشدناهم بأغلى إسم في الدنيا .. ولو قبلنا أرجلهم ؟؟؟
لأنهم بكل بساطة لو انتصروا لنا .. لقضوا على أنفسهم وملكهم وجبروتهم .. فأنى لهم أن ينتصروا لنا وفيه هلاكهم ؟؟؟
فالعداوة لنا ليست لأننا مسلمون في غالبتنا العظمى فحسب – فهذا أمر مفروغ منه - .. بل لأننا أصبحنا أحراراً .. نمثل عنوان .. ورمز حرية الإنسان التي يخاف منها الطغاة .. المستبدون ..أيا كان جنسهم وعقيدتهم .. ويخاف منها أيضا العبيد الذين استمرؤوا .. وتعودوا على حياة الذل والهوان وخدمة أسيادهم .. فهم يكرهون الحرية كما يكرهها أسيادهم وملوكهم وأمراؤهم بالضبط .. وهذا أغرب شيء يحصل في تاريخ البشرية .. وأسوأ مرحلة تصل إليها البشرية في إرتكاسها .. وطمس بصيرتها .. وانحدارها إلى أدنى من الحضيض ..حيث تهوى .. وتعشق حياة الذل والخنوع .. وتنفيذ أوامر الطغاة بكل حب وسرور .. وترفض الحرية .. والعزة .. والكرامة .. لأن فيها مسؤولية .. وأعباء .. وتبعات .. وواجبات .. لا يتحملها العبيد .. ولذلك هم يقاتلون بكل شراسة .. وعنف .. وقوة .. كل من يدعوهم إلى الحرية والتحرر .. دفاعاً عن أسيادهم .. ودفاعاً عن عبوديتهم .. وذلتهم !!!
وهكذا نرى أن أعداء ثورتنا تشمل القوى العظمى وخاصة الكيان الأمريكي – رأس الإستكبار والطغيان في الأرض - .. والحلف الشيعي الصفوي الفارسي والعربي .. والصليبية العالمية .. واليهودية .. والطواغيت العرب .. والعبيد العرب ..
20/3/1434 1/2/2013