للنشر
غطرسة الحكام واستعباد الشعوب
منع من النشر في الصحف المحلية في مملكة البحرين
أيها الحكام لا بد أن تعلموا أن للشعوب غضبة , إن هي غضبت فإنها لاتهون من غضبها حتى تنزع الحاكم من حكمه لأن الشعوب ماعادت تفكر كالسابق وماعادت تسكت عن التجاوزات والظلم والفساد وما عادت ترتاع من بطش الحاكم ورجاله كما هو حاصل في الربيع العربي الذي لم يكن في حسبان تلك الأنظمة أنها ستقع من علو عرشها , لأن الزمن الذي نعيشه ليس زمن الأستبداد وزمن التسليم والاستسلام , وإنما هو زمن الفكر والثقافة والمعرفة وكشف الحقائق وعدم الاستئثار بالثروات وكسر حاجز الخوف والخنوع
لو كان لأبن آدم واديان من ذهب لابتغى ثالثا ولا يملأ فاه ابن آدم الا التراب , هذا قول نبوي شريف أدرك الطبيعة البشرية الغريزية التي عادة ماتحب أن تلتهم كل ماتجده أمامها من متع الدنيا وملذاتها , هذه النفس الجشعة لاتهتم ولا تلتفت إلى غيرها لأنها لاتعنيها ولاتشعر إلا بنفسها الجشعة التى هي بمثابة النار التى تأكل الحطب دون أن تشبع وهذه النفس التي شبت على أن ترضع وتسمن من خيرات البلد وتستأثر بها دون غيرها هي نفس مريضة , فهي نفس لا تعرف ولاتفهم المعنى الحقيقي لتوزيع الثروة العادله التى تحفظ حقوق الشعب وتصون كرامتهم بل هي تعتقد أن الأرض وماعليها ملك للحاكم وحده دون سائرالشعب , فهو المدبر وهو الحاكم وهو المالك وهو المعطي والمتفضل عليهم .
إن هذه النظرة الجشعة المقيته هو ماأورثه الحكام من أبائهم وأجدادهم فهم يتغذون من لبان العائلة التى تغرس في نفوسهم منذ نعومة أظافرهم أن الأرض وماعليها هي ملك لهم , وأن الشعب مجرد عبيد يأتمرون بأمرهم وماالشعب إلامسيرون بأمر الحاكم وليس لهم شيىء من هذه الأرض سوى الأمر والطاعة العمياء والانقياد للأوامر, وربما أصّل هذا الفكر بعض الذين يقتاتون من موائد الحكام , ويبررون تصرفاتهم , ويضعون عليها هالة من القدسية .
إن جشع الحكام ليس له حد فكلما ملك شيئا طمع في غيره حتى إن بعضهم تهفو نفسه وتجحظ عينه حينما يرى مسكينا في قارب صغير يصطاد قوت يومه وقوت أولاده ويتمنى لو أنه أخذ مايملكه هذا الصياد. هذا هو الجشع والطمع الذي لاينتهي عند حد بل تجد الحاكم والذي مهمته الأساسية هي السهر على مصالح الناس , والسعي إلى تحقيق طلباتهم ورغباتهم , تجده ينشغل بالتجارة وكسب الأموال وتسوير الأراضي وضمها إلى ممتلكاته , ومنع الناس من الأقتراب منها أو حتى النظر إليها, ناهيك عن الشواطىء التي عادة ماتكون مسكنا للقصور الخاصة , وكأنهم يعيشون وحدهم على هذه الأرض وأنها مخلوقة لهم لا ينافسهم عليها أحد .
فلم كل هذا الجشع والطمع والأموال التى لايحصيها أحد بينما يترك أبناء الشعب دون مأوى أو وظيفة محترمة تكفل له العيش الكريم , إذا أراد الحاكم أن يحتمي بشعبه وأن تكون له شرعية تضفي على حكمه فلابد من التأمل قليلا , فمن أين تأتي شرعية الحاكم إذا هو لم يسمع شعبه ويكون لهم آذان صاغية , وأي مصداقية تكون له إذا هو وعد ثم أخلف , وأي ثقة تكون إذا الشعب طلبوا ولم يلبي طلباتهم إذا كان هذا هو سلوك الحكام مع رعيتهم فكيف تبنى الثقة , وتمد جسور التواصل ؟ وكيف نزرع المحبة بين الحاكم والمحكوم ونعمر وطننا ونرتقي به إذا كانت الأقوال أحلام وكانت الأحلام أضغاث فماذا ننتظر لابد من صدق النوايا وحسن التعامل وجميل التواصل حتى يمكن أن نبني وطنا ونرفع راية ونعلو مجدا ونوجد شعبا متحابا بين الراعي والرعية
ملوك فارهة وشعوب حائرة
كيف للحاكم أن يسمح لنفسه أن يعيش في رفاهية تامة وحياة مرفهة بينما الشعب الذي هو في الأساس مصدر السلطة لايجد ما يأمن به على نفسه وأولاده وكيف يدعي بالديمقراطية والعدالة الأجتماعية وبمراعاة حقوق الأنسان وهو لا يعرف المعنى الحقيقي للإنسان ولا يدرك كنهه, بل مفهومه للأنسان هو المسخر لخدمة الحاكم والمنفذ لأوامره والواقف عند حدوده , وعليه لأبد أن يتألم لآلام الناس و يستشعر بمعاناتهم وإن الأنسان بمعنى الأنسان هو الذي يسعى لتحقيق طموحاتهم ويلبي طلباتهم.
إن الإنسان الحقيقي هو صاحب المشاعر والعطف , وإذا فقد الإنسان عطفه على الناس ورحمته بهم فإنه يتجرد من إنسانيته ويخلع عباءة الكرامة فالرحمة هي من أرقى صفات الإنسان لأن الرحمة تعني أن يرق الإنسان لآلام الناس فيسعى لمسح تلك الآلام فيحمل همهم ويسعى لإسعادهم فلا يقر له قرار ولا يهدأ له بال إلا بعد أن يرجع البسمة على شفاتهم
اذن على الحاكم أن يتصف بصفة الرحمة وطيب القلب وواسع الخلق ورحابة الأناة حتى يمتلك قلوب الشعب وليس أنسانا طائشا نزغ الطبع صلف المعشر لا يعرف إلامحبة نفسه وحاشيته وفداويته ومن يزمجرويطبل حول مايقول , وأني أتعجب كيف لعقول متحجرة لا تعرف إلا مصلحة نفسها تزهو بماتملكه وتعجب بما تحصله أن تتحكم في مصيرالشعوب في هذا العصر هذه عقول لا تزال ترزح تحت عباءة القبلية والفئوية وهي لاتزال ثملة بماضيها العتيق وتتغنى ببطولاتها وأمجادها وترقص على أطلال الماضي, وتدق طبول النصر والظفر وكأنها لاتزال تعيش عاداتها العتيقة , لم تعد هذه الصفات وتلك الحركات تصلح في هذا العهد الجديد.
الحكام بين رفاهيتهم الشخصية وبين الشعوب المغلوبة
أيها الحكام لا بد أن تعلموا أن للشعوب غضبة , إن هي غضبت فإنها لاتهون من غضبها حتى تنزع الحاكم من حكمه لأن الشعوب ماعادت تفكر كالسابق وماعادت تسكت عن التجاوزات والظلم والفساد وما عادت ترتاع من بطش الحاكم ورجاله كما هو حاصل في الربيع العربي الذي لم يكن في حسبان تلك الأنظمة أنها ستقع من علو عرشها , لأن الزمن الذي نعيشه ليس زمن الأستبداد وزمن التسليم والاستسلام , وإنما هو زمن الفكر والثقافة والمعرفة وكشف الحقائق وعدم الاستئثار بالثروات وكسر حاجز الخوف والخنوع.
لنقف قليلا ونتأمل فيما حصل من حولنا ولنرد مسارح الوديان ونجوس خلال الصحراء ولنرى مايحدث من حولنا لو أننا ألقينا نظرة الى تلك الأراضي الشاسعة والشواطىء الواسعة الجميلة التى تسكن النفس اليها نجد أن تلك الخيرات لا سبيل للمواطن إليها , يمتلكها أفراد معينون ومتشبثون بها لا يريدون أن يتنازلوا عنها ولو قيد أنملة وفي كل مرة تضيق المساحة فلم يبقى في قوس الصبر منزع ولم يعد للأنتظار موضع , لأن تلك النفوس لم تعد قادرة أن تتنازل عن فيما تراه من حقها الخالص لأن الأرض وماعليها ملك يمين للحاكم يطأها وقتما يشاء
كيف للحاكم أن يعيش هو وعائلته من خيرات البلد ويجمعون المال من أرض الله لتكون في حسابهم الخاص , وتخصص الأموال والعطايا لهم وحدهم يعيشون في قمة الثراء والترف بل إن ترفهم يصل إلى صرف يفوق الخيال والتصور, فعلى سبيل المثال فالخيول تعيش أكثر رفاهية من المواطن , مسكن خاص للخيول وأطباء متخصصين وطائرات خاصة تحملهم إلى حيث يتسابقون بينما لا يحصل المواطن على حياة كريمه
المال دولة بين الناس لا حكرا على الحكام
لماذا يؤمنون الحكام على أنفسهم وعلى مستقبل عيالهم فيحملون أموال الشعوب ويصدرونها للخارج , ويبنون القصور الواسعة المترفة في الخارج ويشترون الفنادق والعقارات بلا حسيب أو رقيب وكأنهم سيعيشون للأبد أو سيأخذون أموالهم إلى مثواهم الأخير.
إن الجمع بين الحكم والتجارة هو تضييع لحقوق الشعوب , فإما حكم نزيه أو تجارة حرة , أما الإثنان فلا . لأن اشتغال الحاكم بالتجارة يعني أنه يدمر شعبه ويسحق بإنسانيتهم ويلعب بمشاعرهم فكيف يتفرغ لسماع آلام الشعب ومتى يسمع لشكايتهم ويدنو منهم إذا كان همه هو جمع المال وثروات البلد , الحكم ليس تكبرا وترفعا وجمع المال وبناء القصور ونفخ البطون وازدراء الشعب وتحقيرهم , بل الحكم أحساس ومسؤولية عظيمة والوقوف على حاجات الشعب وكفهم عن السؤال وأن تسعى لخدمتهم .
كما قال غاندي ( الطريقة المثلى لتجد نفسك هي أن تضيع في خدمة الآخرين) وقال ( يوجد في العالم مايكفي حاجة الأنسان لا جشعه ) نعم إن نهم الحاكم وزيادة جشعه يعني أنه يأخذ حق غيره ولو أنه أحسن توزيع الثروات لما وجدت محتاجا أو متألما أو مادا يديه يتسول الناس ويستجديهم لكن الفكر والموروث القديم يأبى أن يتنازل عن تلك الموروثات ويرى أنها من كمال الرجولة .
نصيحتي إلي الحكام
أن تقفوا مع أنفسكم وقفة تأمل وأن تعلموا أنكم مسؤولون عن رعيتكم فإذا أراد الحاكم أن يسود الأمن في بلده فعليه أولا أن يحاسب نفسه ويحاسب أبناءه ومن حوله قبل أن يحاسب الشعب وأن ينظر إلى ذاته جيدا قبل أن يحاكم الأخرين لأن تمرد الحاكم وأبناءه وعائلته وبطانته وأفداويته ومن يزمجر ويطبل خلفه على الأنظمة والقوانين يعني ذلك إيذان بالدمار وحلول الكوارث وضمان لعدم الاستقرار السياسي , لابد للحاكم أن يعود نفسه على أتباع القانون فحينها يكسب حب الشعب وأحترامهم
ولابد للحكام أن يظهروا للنور وأن يستمعوا جيدا حقيقة الأصوات التى تنتقد سياساتهم وأن ينزلوا إلى الناس وأن لا يعلوا على الشعوب , كما وأنصح الحكام أن يكونوا صادقين مخلصين مع شعوبهم فالأخلاص والصدق صفتان إنسانيتان لابد أن يتحلى بها الحكام لأنها تبني الثقة بينهم وبين شعوبهم فتصفوا النوايا وتشيد بنيان المحبة لأنه قيل حيث يكون قلبك يكون كنزك .
إن الشعوب أيها الحكام تستأهل الكثير فهم من يشيد صروح الحكم ويقوي أركانه ويثبت بنيانه ويضفي عليه الشرعية والمشروعية فإن ضيعتموه وأعرضتم عنهم زال حكمكم وسقطت مشروعيتكم , وإياكم أيها الحكام من البطانة الفاسدة والمستشارين أصحاب المصالح التى هي السبب الأول في إسقاط الحكم وزجهم في مأزق , فالبطانة لا يجب أن يتخذها الحاكم بناء على المحسوبيات والقبلية أو بناء على صداقة قديمة وإنما البطانة هي النصوحة المحبة لوطنها ولشعبها وهي التى تتجرد من الأنانية وحب الذات ولا تنظر إلى مصلحة نفسها وحينما سأل المنصور العباسي أحد بني أمية عن سبب زوال ملكهم أجاب : تشاغلنا عن تفقد ماكان تفقده يلزمنا ووثقنا بوزراء آثروا منافعهم على منافع الناس وأبرموا أمورا أسروها عنا فظلمت رعيتنا وفسدت نياتهم لنا وجذب معاشنا فخلت بيوت أموالنا وضاع عدلنا وقل جندنا فزالت هيبتنا واستدعاهم أعداؤنا فظاهروهم علينا وكأن أكثر الأسباب في ذلك إخفاء الحقائق عنا .
وهكذا تسقط الحكومات ويزول الملك والعاقل هو من يتعلم من تجارب الحياة ويتعلم من دروس الماضيه
غادة يوسف جمشير
مدافعة عن حقوق الأنسان
هاتف:39680807
ص.ب:10533
البحرين