الحمار والمزرعة
يحكى أن حماراً دخل مزرعة رجل وبدأ يأكل من زرعه الذي تعب في حرثه وبذره وسقيه. وأحتار صاحب المزرعة في اختيار طريقة يُـخرج فيها الحمار من المزرعة. أسرع الرجل إلى البيت وجاء بعدَّةِ الشغل, فالقضية لا تحتمل التأخير. أحضر عصًا طويلة ومطرقة ومسامير وقطعة كبيرة من الكرتون المقوى كتب عليها: يا حمار أخرج من مزرعتي. ثبت الكرتون بالعصا الطويلة بالمطرقة والمسمار. وذهب إلى حيث الحمار يرعى في المزرعة. رفع اللوحة عالياً, وأستمر واقفاً وهو يرفع اللوحة منذ الصباح الباكر حتى غروب الشمس. ولكن الحمار لم يخرج. حار الرجل في أمره, وظن بأن الحمار ربما لم يفهم ما كتبت على اللوحة. رجع إلى البيت ونام. وفي الصباح التالي صنع عددًا كبيرًا من اللوحات, ونادى أولاده وجيرانه, واستنفر أهل القرية, وصف الناس في طوابير يحملون لوحات كثيرة, مكتوب عليها: اخرج يا حمار من المزرعة, الموت للحمير, يا ويلك يا حمار من راعي الدار. وتحلقوا حول الحقل الذي فيه الحمار, وبدأوا يهتفون: اخرج يا حمار. اخرج أحسن لك. والحمار حمار يأكل ولا يهتم بما يحدث حوله. غربت شمس اليوم الثاني, وتعب الناس من الصراخ والهتاف, وبحت صواتهم. فلما رأوا الحمار غير مبالٍ بهم رجعوا إلى بيوتهم ليفكروا في طريقة أخرى!! في صباح اليوم الثالث, جلس الرجل في بيته يرسم خارطة طريق ة جديدة لإخراج الحمار, فالزرع أوشك على النهاية!!. وخرج الرجل باختراعه الجديد نموذج مجسم لحمار, يشبه إلى حد بعيد الحمار الأصلي. ولما جاء إلى حيث الحمار يأكل في المزرعة, وأمام نظر الحمار وحشود القرية المنادية بخروج الحمار, سكب البنزين على النموذج وأحرقه. فكبّر الحشد. ونظر الحمار إلى حيث النار, ثم رجع يرعى ويأكل في المزرعة بلا مبالاة. يا له من حمار عنيد لا يفهم. أرسلوا وفدًا ليتفاوض مع الحمار. قالوا له: صاحب المزرعة يريدك أن تخرج, وهو صاحب الحق, وعليك أن تخرج. والحمار ينظر إليهم, ثم يعود للأكل لا يكترث بهم. وبعد عدة محاولات أرسل الرجل وسيطاً آخر, قال للحمار: صاحب المزرعة مستعد للتنازل لك عن بعض من مزرعته. والحمار يأكل ولا يرد. ويردد عليه النسبة التي ستكون من حصته: ثلث المزرعة, والحمار لا يرد. نصف المزرعة, والحمار لا يرد. طيب حدد المساحة التي تريدها ولكن لا تتجاوزها. رفع الحمار رأسه, وقد شبع من الأكل, ومشى قليلاً إلى طرف الحقل وهو ينظر إلى الجمع. وفرح الناس, وظنوا أن الحمار قد وافق أخيراً على قبول حصته المعروضة. وأحضر صاحب المزرعة الأخشاب, ووسيَّج المزرعة وقسمها نصفين, وترك للحمار النصف الذي هو واقف فيه.
في صباح اليوم التالي كانت المفاجأة لصاحب المزرعة, لقد ترك الحمار نصيبه, ودخل يرعى في نصيب صاحب المزرعة. ورجع صاحب المزرعة مرة أخرى إلى اللوحات والمظاهرات والمفاوضات ولكن بدون أن يحقق أية فائدة. لأن هذا الحمار بنظره لا يفهم, وإنه ليس من حمير المنطقة, ولقد جاء من قرية أخرى. وبدأ صاحب المزرعة يفكر في ترك المزرعة بكاملها للحمار, والذهاب إلى قرية أخرى لتأسيس مزرعة أخرى. وأمام دهشة جميع الحاضرين وفي مشهد من الحشد العظيم, حيث لم يبقَ أحد من القرية إلا وقد حضر ليشارك في المحاولات اليائسة لإخراج الحمار المحتل العنيد المتكبر المتسلط المؤذي. خرج غلام صغير من بين الصفوف, ودخل إلى الحقل, وتقدم إلى الحمار وضربه بعصا صغيرة على مؤخرته, فإذا به يركض خارج الحقل . وصاح الجميع: لقد فضحَنا هذا الصغير, وسيجعل منا أضحوكة القرى التي حولنا. فما كان منهم إلا أن قـَـتلوا الغلام وأعادوا الحمار إلى المزرعة.
وهذه هي حال بعض الانظمة العربية والاسلامية مع إسرائيل.
مؤلف القصة الدكتور أمجد قورشة.
مع تحيات العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم الذي نقلها إليكم بتاريخ 5/8/2014م.