محمد بن يوسف الزيادي
الجنس : عدد المساهمات : 4330 تاريخ التسجيل : 03/05/2010 العمر : 66
| موضوع: رد: الفرق بين التصديق والاعتقاد... محمد بن يوسف الزيادي 2018-12-19, 10:15 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم اضاءات في موضوع الإيمان وتعريفه والفرق بينه وبين التصديق: الكلام في لغة العرب أحد أمرين: الأول: إما طلب سواء كان طلب ترك, أو طلب فعل, فلو قال لك احدهم اكتب, أو اقرأ فالأمر, هنا متعلق بالامتثال, أو العصيان, إما أن تفعل, وإما أن لا تفعل. الثاني: وإما خبر, وهو ما احتمل التصديق, أو التكذيب, فلو قال لك أحدهم جئتكم من القمر, فالأمر هنا متعلق بخبر يحتمل الصدق إن طابق الخبر الواقع, وصدقه, وقامت البينة عليه, أو التكذيب حال عدم مطابقته للواقع, وعدم قيام البينة, ومكان بحث الطلب: هو أحكام الأفعال وهو ما نسميه الفقه, وهو: الشرع المنظم للسلوك الإنساني المستنبط من أدلته التشريعية الشرعية. ومكان بحث الأخبار هو ما يتعلق بالتصديق, أو التكذيب, وهو علم العقيدة ,أو التوحيد وهو: العلم الذي يبحث في الأخبار عن الله تعالى, واليوم الأخر, والنبوات, والكتب والغيبيات, من معاد ومال. وعلاقة ذلك بالوجود الإنساني ليحدد للإنسان وجهة نظرها ومساره في الحياة. ومن هنا نأتي إلى علاقة الإيمان والعقيدة بالسلوك, والعمل, فإذا أدركنا إن معنى الإيمان أو الاعتقاد بأنه: التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل وعرفنا مطابقته للواقع, إي أن الواقع لا يناقض خبره وان خبره يصدقه الواقع وقام الدليل عليه شاهدا له ليجزم بصحة المخبر عنه, أي موضوع الخبر فان هذا التصديق يكون جازما وتولد الجزم به عن صحة وقوة الدليل ومطابقة الخبر للواقع, وعدم نفي الواقع له وتكذيبه, وليس كل خبر يفيد القطع والجزم, أي ليس كل خبر يفيد الإيمان لان الخبر بطبعه لغة يحتمل التصديق, ويحتمل التكذيب بذاته بعكس الطلب, فان الطلب لايحتمل تصديقا أو تكذيبا بذاته, بل يحتمل رفضا, أو قبولا من المخاطب به فلو قال لك قائل اشرب فان الطلب اشرب لا يتعلق به تصديق أو تكذيب, بل يتعلق به إرادة المخاطب به هل يفعل أو لايفعل أي قبول وطاعة فتنفيذ أو رفض وعصيان. لذلك يجب التنبه لإدراك ذلك عند البحث لذا وجدنا أحكام الأفعال خمسة أحكام واجب التنفيذ, ومندوب, ومحرم, ومكروه, ومباح. واندرجت كلها تحت باب الطلب, والتخيير، أي أن الواجب, والمندوب, والمحرم, والمكروه, اندرجت تحت مسمى صيغة الطلب للفعل, أو الترك له, وجاءت صيغة التخيير للإباحة. أما أحكام العقيدة فكانت فقط حكمان لا ثالث لهما: وهما إما كفر, وإما إيمان, فالإيمان حكم لمن صدق جازما فاعتقد بما أفاد القطع, من الإخبار المطلوب الاعتقاد بها والكفر حكم لمن كذب بما أفاد القطع من تلك الإخبار المطلوب التصديق الجازم بها. والأخبار بطبيعتها إما معاينة ترتب الشهادة, وإما منقولة, فالخبر المستفاد من المعاينة يفيد لصاحبه القطع واليقين, والخبر المنقول الأصل فيه التصديق مع احتمال تكذيبه لذلك حتى يبنى عليه اعتقاد لا بد من الجزم بمصدره وطرق نقله لينتفي عنه احتمال التكذيب, لذلك قال العلماء: إذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال, لأنه لا يبنى اعتقاد مع وجود احتمال ولايتولد يقين مع وجود شك.والإيمان جزم بالتصديق, وقطع به عن الظن, والشك المتولد من دخول الاحتمال, أو وجوده (أفي الله شك؟) لذلك كانت أدلة العقيدة لا بد فيها من قطعيتين 1=قطعية الثبوت. 2=قطعية الدلالة. فالنص الباني للعقيدة لا بد أن يكون مقطوع به من جهة وروده فلا تبنى عقيدة إلا على قطعي الثبوت, ثم لابد أن يكون دالا بما لا لبس فيه, ولا احتمال على المعنى المقصود, الذي جاء النص لخدمة إفادته وإثباته كقوله تعالى قل هو الله احد), وكقوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير), فهي نصوص قطعية الثبوت, كونها قرانا منقولا بالتواتر, وقطعية الدلالة على مضمونها, كونها لا تحتمل وجها أخر من المعاني, حيث رتبت ألفاظها من الألفاظ الصريحة الدلالة والمعنى الذي لا يختلف عليه اثنان من أهل اللسان.. ذلك أن العقيدة هي الفكرة الكلية البانية للإنسان وجهة نظره عن الكون, والوجود, والإنسان, والحياة, ودوره فيها, وهي القاعدة الفكرية التي تنبثق أفكاره منها, وبالتالي هي مقياس أفكاره, ومفاهيمه, وقيمه, ومن هنا دخل دور العقيدة في توجيه السلوك, والعمل, لان تصرفات الإنسان الأصل فيها الدوافع الاشباعية لغرائزه, وحاجاته العضوية موجهة بما عنده من فكر عن الكون, والإنسان, والحياة وبحسب هذا الفكر المبني على المعتقد طبعا, إما أن ينهض بسلوكه, فيكون مكرما على العالمين, وإما أن ينحط فيكون في أسفل سافلين, و أضل سبيلا من الأنعام التي في الأصل خلقت لخدمته.لذلك كانت العقيدة لها الدور المهم في بناء شخصيته, وفي بناء نظام حياته, بما ينبثق عنها من فكر, ونظام تشريع لحياته, ينتظم بها سلوكه ويرتقي بها فكره, فلا بد إذا من كون العقيدة صحيحة لتبني بدورها الإنسان السوي القويم, المستقيم, بفكره, وسلوكه, ليستقيم وجوده في الخلق, متوافقا مع سنن الخالق -جل وعلا- في الوجود. ولا يستوي الفكر ويستقيم, ولا يكون السلوك قويما كذلك بقاعدة فكرية مهزوزة مبنية على الشك, والظن, والتخمين. ونلاحظ أن من سنن الله تعالى, في أسباب هلاك الأمم هو: سفولها في معتقداتها. وبالتالي سفولها في سلوكها فيهلكهم الله ولا يأبه بهم. فالعقيدة: هي أساس الوجود الإنساني, وهي أساس استقامته والخلل فيها سبب للخلل في سلوكه, وهبوطه, فهي الوجود, وهي الهوية, وهي العنوان, وهي الشخصية الإنسانية للإنسان. والمتتبع لاستعمال كلمة الإيمان في النصوص الشرعية من حديث, أو قران, يجد أنها لا تستعمل إلا متعدية بحرفين فقط وهما: إما الباء, أو اللام, وانتبه معي لهذه القاعدة جيدا, فإنها إذا تعدت بالباء فإنها تعني قولا واحدا التصديق الجازم, كقوله تعالى: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ... } [البقرة:285] أو قوله تعالى: (قل أمنت بالله ثم استقم), وقول الله تعالى: (ويؤمنون بالغيب), فإذا تعدت بالباء فان المقصود منها يكون: إيمان القطعو اي التصديق الجازم الذي لا يحتمل موضوعه الشك, أو الظن, أو التكذيب. <وإذا تعدت باللام فإنها: تعني التصديق. فقط كقوله تعالى على لسان إخوة يوسف عليه السلام لأبيهم: { وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } [يوسف:17] وهذا هو التصديق ا، لكنه مع ذلك يقبل الشك؛ لأن شهادة العدل -مثلاً- الأصل فيها أنها تفيد علماً، ولكن هذا العلم غير يقيني، ومن هنا اختلف أهل الحديث في الحديث الصحيح الذي رواه العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه دون انقطاع, ولا شذوذ, ولا علة، هل هو يقتضي اليقين الجازم أو لا يقتضيه؟ فجمهورهم على أنه لا يقتضي القطع. وهذا لا يعني تكذيبه ولا رده, بل يجب تصديق خبر الآحاد الصحيح, ولا يجوز تكذيبه, ولا يجوز رده بغير مسوغ لأهل الدراية, كمناقضته صريح القران, ولا يجوز بناء المعتقد به لأنه ظني الثبوت.وقديكون ظني الدلالة مع قطعية ثبوته, وظني الدلالة: ما احتمل وجوها من المعاني وان كان قطعي الثبوت فمثلا رأينا البعض قال بإثبات اليد لله تعالى وأخذه من قوله تعالى: (يد الله فوق أيديهم), والنص قطعي الثبوت كونه قرانا إلا انه لا يقطع بإثبات اليد, لان من معاني اليد القدرة التي بتا فسرها جل المفسرون فطالما أن الاحتمال دخل للاستدلال, واللفظ احتمل اليد على الحقيقة, واليد على المجاز, بمعنى القدرة, لم يصح الاستدلال على إثبات اليد ولم يصح على نفيها فبطل الاستدلال على اليد الجارحة من هذا النص, لان الله لم يطلب منا إثبات اليد, أو نفيها بل جاء في إثبات قدرته, ومعونته للمؤمنين ومباركته لهم, ولم يكن سياق الحديث عن الإثبات, أو النفي, كما في قوله تعالى: (وهو السميع البصير), أو,(أن الله عليم حكيم). | |
|