الوحدة الرابعة
تكوين الأخلاق وبناؤها
تقدم أن الأخلاق كما عرفها ابن مسكويه – وهو من علماء السلوك والأخلاق - (( حال للنفس داعية لها الى أفعالها من غير فكر ولا روية )) وتقدم أيضاً أن الإمام الغزالي عرفها بأنها (( هيئة للنفس راسخة , عنها تصدر الأفعال بسهولة من غير حاجة إلى فكر وروية ))
وهذه التعريفات كلها تلتقي عند نقطة واحدة , وتكيف الأخلاق في حقيقتها وفي تكوينها متشابهاً , مما يدل على أن الجوانب المختلفة لتفكير المسلمين في هذه الناحية لا تعكس صوراً مختلفة للسلوك الأخلاقي , وإنما رغم اختلافها في مناهجها , أو في موضوعات بحثها , فإنها تنتج عنها أخلاق إسلامية موحدة ونمط للسلوك منمق .
وإذا كانت هذه هي حقيقة الأخلاق بعد أن تتكون , فعلى أي نحو تتكون الأخلاق ؟
وما عوامل التأثير فيها إيجاباً أو سلباً ؟
إن أهم هذه العوامل ثلاثة : العادة , والبيئة , والوراثة.
أولاً : العادة :
تتكون الأخلاق بالممارسة والاعتياد , وبكثرة تكرار الفعل والمواظبة عليه .
ولعل ذلك هو الملاحظ عند هؤلاء الذين عرفوا الأخلاق بأنها (( عادة الإرادة )) فعندما يُراد تحويلُ المرء من خلق ذميم إلى آخر حميد , يحمل المرء على إتيان هذا العمل وتكراره , ويُعَوَّد ذلك مرة بعد أخرى , مع استعمال وسائل الإغراء والترغيب التي من شأنها أن تحبب إليه إتيان هذا الفعل الحميد , والإقبال على ممارسته برغبة صادقة وميل أكيد , واستخدام وسائل التنفير من ضده , بحيث تصير نفرته منه وابتعاده عنه ميلاً ورغبة بل طبيعة وخلقاً .
وبالمواظبة على هذا التكرار , والمداومة على هذا الفعل الحميد يصبح إتيانه وممارسته عادة لازمة , وطبعاً دائماً يعني يصير خلقاً له , يصدر عنه تلقائياً من غير أن يسبقه تفكير وتقدير , بحيث يكون انطباعاً من انطباعات النفس , وحالاً من حالاتها , تحمل على الفعل من غير حاجة إلى تأمل أو روية.
ولعلك تدرك أن من يسخو مرة أو مرتين أو ثلاثاً تحت تأثير معين , لا يمكن أن نصفه وإنما يتصف بالسخاء من يكون السخاء من طبعه , وعادة لازمة له , ومَلَكة راسخة , تكفل صدورَ فعل السخاء عن نفس راضية .
وفي هذا المعنى يقول زهير بن أبي سلمى في مدح هرم بن سنان بالجود والكرم والسخاء الذي أصبح طبعاً وسجية له :
تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله
ومن اعتاد شيئا عُرف به وَوُصف ، ولهذا يقول خلدون في مقدمته حول هذا المعنى : " إن أهل البدو أقرب إلى الشجاعة من الحضر , وأصله أن الإنسان ابن عوائده ومألوفه , لا ابن طبيعته ومزاجه , فالذي أَلِفَه في الأحوال حتى صار خُلقاً وملكةً وعادة تَنَزَّلَ منزلةَ الطبيعة والجبلة" . ( مقدمة ابن خلدون 12) .
نشاط :
جاء في الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) (البخاري ، كتاب الأدب ، ومسلم كتاب البر والصلة ) .
س : ماذا المفهوم من قوله عليه الصلاة والسلام (عليكم بالصدق ..... وإياكم والكذب ) .
س : بين هذا الحديث الشريف أثر التعود والتكرار للفعل في تكوين الخلق ، وضح ذلك .
نعم : إن تكرار الفعل واعتياده يجعله طبعا وسجية للإنسان وخُلاقا ملازما له يوصف ويعرف به .
فلنعود أنفسنا على جميل الأفعال وحسن الأخلاق حتى تكون طبعا وسجية لنا.
اذكر / اذكري ما يحضرك من أمثلة واقعية ترسخ هذا المعنى وتوضحه .
ثانياً- البيئة:
س :ما مرادنا بالبيئة ؟ وما أنواعها ؟ وما أثرها في تكوين الخلق ؟ .
بيئة الإنسان هي : كل ما يُحيط به أو يؤثر فيه بطريق مباشر أو غير مباشر , منذ كان جنيناً في بطن أمه , حتى يوافيه أجله المحتوم .
فكل ما يؤثر في الإنسان , أو يعمل على تكييفه وتكوين صفاته يُعد بيئةً له , وعاملاً من عوامل تكوين الأخلاق عنده .
البيئات المؤثرة في الإنسان :
البيئات المؤثرة في الإنسان أنواع ، منها على سبيل المثال :
البيئة الطبيعية : كالإقليم وما يتميز به من مناخ , وسهول , وجبال , وتضاريس وغيرها.
البيئة الاجتماعية : كالمنزل , والمدرسة , والأصدقاء , والنوادي , ونظام الحكم , والتقاليد والعادات التي تسود المجتمع , ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية .. إلى غير ذلك من جوانب البيئة الاجتماعية .
البيئة الاقتصادية : فالمجتمع إذا كان غنيا متحضراً متعلماً أو حتى الفرد إذا كان منعماً ثريا ينعكس ذلك على سلوكياته وأخلاقه ، وكذلك يؤثر الفقر والحاجة على أهلها وعلى المجتمع الذي يرزح تحت وطأتها ، فكل منهما تسوده سلوكيات وتؤثر في أهله ، وتشكل أخلاقهم ، ولا يخفى على أحد أثر الغنى والفقر والنمو الاقتصادي على أي مجتمع .
مثال :
الإنسان الذي يتربى في بيئة صحراوية أو جبلية يتصف بخشونة الطبع وقسوته بينما من يتربى في الحضر يتصف برقة الطبع وليونته , كذلك من يتربى وينشأ في أسرة متعلمة يتصف بصفات تختلف عمن يتربى وينشأ في أسرة جاهلة .. وقس على هذا ، والذي يحكم تأثر الإنسان بالبيئة في مختلف صورها هو قانونها العام , والذي لا يختص بالإنسان وحده وإنما ينطبق على كل كائن حي وهو ( تكيف الكائن الحي نفسه حسبما يحيط به ليعيش )
ثالثاً – الوراثة :
ما هي الوراثة ؟ وهل تؤثر في تكوين الأخلاق ؟
الوراثة هي : انتقال بعض خصائص الأصل إلى الفرع , قَلَّ ذلك أم كَثُر ، والعامل الأساسي في انتقال بعض صفات الأصل إلى الفرع هو الغرائز المودعة في فطرة الإنسان , أو العادات التي ورثها عن أصوله.
أثر الوراثة في بناء الخلق وتكوينه :
والوراثة عامل مهم في نقل الصفات الأخلاقية من جيل الآباء والأمهات إلى جيل الأبناء والبنات مثل : الأمزجة , والميول , والغرائز والصفات العقلية كالذكاء أو البلادة , وحسن تقدير الأمور أو سوئه , وشدة الانتباه أو ضعفه , إلى غير ذلك من صفات , يكون لها الأثر القوي في تكوين أخلاق المرء وتكييفها , وطَبْعِها بطابع معين , خيراً كان ذلك الطابع أو شراً , حسناً كان أو قبيحاً.
وأكبر دليل على تأثر الإنسان بما ورثه من أبويه , حالة الكفار الذي دعوا إلى الإيمان , فكان ردهم بالرفض لأن هذا ما كان عليه آباؤهم يقول تعالى :
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}[البقرة/170] ، ويقول سبحانه{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا }[لقمان /21] ، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم واضح في هذا الشأن ، إذ يقول ( كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) ، فتأثير الوالدين على ولدهما ونقل الصفات إليه ظاهر بين .
الأساليب التي تساعد في تربية الأخلاق
يمكن لكل ذي لب أن يهتدي إلى بعض ما ورد في القرآن الكريم , والسنة النبوية من أساليب مؤثرة , بليغة , ربت النفوس , وارتقت بالهمم حتى حدت ببعض عشرات من ألوف المؤمنين أن يفتحوا قلب البشر للهدي الإلهي والحضارة الإسلامية , ومكنت لهم في الأرض على سعتها في المكان والزمان , ما لم يُتح لغيرهم من أمم الأرض أن يتمكنوا فيه.
وتتنوع الأساليب التي تساعد على تربية الأخلاق الفاضلة , ولعل من أهم هذه الأساليب :
- أسلوب الحوار القرآني والنبوي .
- أسلوب التربية بالقصص القرآني والنبوي .
- أسلوب التربية بالقدوة الحسنة .
- أسلوب التربية بالممارسة والعمل .
- أسلوب التربية بصداقة الأخيار .
- أسلوب التربية بالوعظ والنصيحة .
- أسلوب التربية بالترغيب والترهيب.
وفيما يلي توضيح أثر كل أسلوب من هذه الأساليب في تربية الأخلاق الفاضلة تربية مؤثرة تسعد الإنسان المسلم وتسعد من حوله.
أولاً – أسلوب الحوار القرآني والنبوي :
يقوم الحوار في التعليم بين طرفين أو عدة أطراف تكون بينهما أسئلة وأجوبة حول موضوع معين , بشرط وحدة الموضوع أو الهدف , فيتبادلون النقاش حول هذا الموضوع وقد يصلان إلى نتيجة , وقد لا يقنع أحدهما الآخر, ولكن السامع يأخذ العبرة , ويُكَوِن لنفسه موقفا , وللحوار أثر بالغ في نفس السامع أو القارئ الذي يتتبع الموضوع بشغف واهتمام.
وفي القرآن الكريم موضوعات ومواقف كثيرة جاءت في صور استفهامية , أي بدأت بأداة من أدوات الاستفهام , بالإضافة إلى مواقف أخرى بدأت بكلمات ( يسألونك , سل , اسأل , سألك , سلهم , سأل سائل , سألها , يسألك )) ومن أمثلة ذلك في القرآن {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ }[البقرة/220] ، وقوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}[المائدة/4].
تأمل هذه النماذج من الحوار القرآني:
قوله تعالى :{الْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ*كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ}
[الحاقة /1- 4] .
وقوله سبحانه {عَمَّ يَتَسَاءلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ* الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}[النبأ/1-3] وقوله تعالى:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ*وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ }[الغاشية /1-2].
وقوله سبحانه{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ}[التوبة/38].
وقوله تعالى {أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ*أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}[ الواقعة/58-59].
فهذه الآيات تمثل أسلوب الحوار الخطابي ، والذي يمكن أن يتخذ أساساً يقاس عليه التحاور في تعزيز مسائل الأخلاق وغرسها في نفوس النشء .
وقد نحتاج إلى بيان فضيلة ما أو نقض سلوك قبيح بضرب المثل لبيان الصورة ، فنلجأ إلى أسلوب الحوار القصصي الذي نجد منه أروع الأمثلة في القرآن الكريم والسنة المطهرة ،
ومن أمثله الحوار القصصي ما ورد في سورة الكهف في قصة صاحب الجنة وحوار صاحبه له
في الآيات من [31- 43]
مناقشة في مدلول هذه الآيات :
س : دلت الآيات على بعض الصفات والأخلاق التي مثلَّها صاحب الجنة ،،، ما هي ؟ وماذا ترتب عليها من الغلو والانحراف ؟ وماذا لحقها من العقوبة والنكال ؟.
ج : من الصفات
وترتب عليها :
وأما العقوبات :
إن مثل هذه الحوار القصصي يمكن من خلاله بيان قبح الكِبْر والغرور وبطر الحق ... ، والتحذير مما يجر إليه من طغيان وانحراف وعتو ، وما يحل بصاحبه من عقوبة عاجلة أو آجله .
ومثله حوار إبراهيم عليه السلام في مواقفه المختلفة كقول الله تعالى :{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }[البقرة /258].
وربما احتاج المربي إلى تخليص ذهن المتلقي مما رسخ فيه أو علق به من ممارسات الآباء ومحاكاة أفعالهم التي لا تقوم على بينة ولا برهان . ينظر الآيات [69- 82] من سورة الشعراء في قصة خليل الله إبراهيم عليه السلام وهو يبطل تراكمت الباطل ويزهقه.
ومثل هذه وغيره الكثير من الحوارات القرآنية التي اتخذت كأسلوب تربية وتعليم للمسلم , توجهه وتبنيه , وترسخ فيه العادات الحميدة , وتنبذ ما عداها مما يخالف الحق والفطرة حتى لو كانت من فعل الآباء , وكثير ما يستخدم أسلوب الحوار في القرآن لإثبات الحق وإزهاق الباطل , بطريقة مقنعة للعقل السليم مهما كان جنسه أو ثقافته , والهدف من هذا الحوار الوصول إلى الحق بالدليل الصحيح والحجة الدافعة . مثل : حوار أبني آدم ... وغير ذلك.
ولعلك هنا تذكر أن من خصائص الأخلاق الإسلامية أن تقنع العقل وتشبع الوجدان .
وفي السنة النبوية اتخذ الحوار أشكالاً متعددة , فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على تعليم الصحابة بطريق الحوار , وكانت رغبته أشد في أن يكون الصحابة هم البادئون بالسؤال .
فقد روى البخاري ومسلم ( واللفظ له ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" كان رسول الله يوماً بارزاً للناس – وفي رواية – قال رسول الله : سلوني ، فهابوه أن يسألوه , فجاء رجل فجلس عند ركبتيه , فقال : يارسول الله ما الإسلام ؟ قال (( لا تشرك بالله شيئا , وتقيم الصلاة , وتؤتي الزكاة , وتصوم رمضان )) قال : صدقت , ثم سأله عن الإيمان والإحسان وموعد قيام الساعة , قال أبو هريرة : ثم قام الرجل ، فقال رسول الله : ردوه علي ، فالتمس فلم يجدوه , فقال رسول الله : (( هذا جبريل أراد أن تعلموا إذ لم تسألوا )) , وفي لفظ البخاري : (( هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم )).
ولقد كان رسول الله يستثير أصحابه بأن يسألهم , ليثير انتباههم إلى ما سيلقيه عليهم من تعليمات , وقد استفاضت الأحاديث النبوية التي بدأت بأدوات الاستفهام مثل (( ألا أحدثكم ؟ ألا أخبركم ؟ ألا أدلكم ؟ ألا أنبئكم ؟ أتدرون ؟ أرأيتم ؟ ألا تحبون ؟ أترضون ؟...
ومن أمثلة ذلك في السنة النبوية : ما رواه حارثة بن وهب رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله يقول : ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضاعف , لو أقسم على الله لأبره , ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر )) ( المتضعف أو المتضاعف : من يستضعفه الناس لضعف حاله في الدنيا , أو المتواضع . العتل : الجافي شديد الخصومة , الجواظ : المختال في مشيته أو الجموع المنوع , المستكبر : صاحب الكبر وهو بطر الحق وغمط الناس)
وقد يكون السؤال من الصحابة والإجابة من الرسول مثل : ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال (( جاء رجل إلى رسول الله فقال : يارسول الله , من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك , قال : ثم من ؟ قال : أمك , قال ثم من ؟ قال : أمك , قال : ثم من ؟ قال : أبوك )) .
وما رواه ابن مسعود رضي الله عنه حيث قال : سألت النبي أي العمل أحب إلى الله تعالى ؟ قال (( الصلاة في وقتها . قلت : ثم أي ؟ قال : بر الوالدين . قلت : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ))
والأمثلة الحوارية كثيرة نشير إلى بعضها مثل : (( أتدرون من المفلس )) ؟ ، وقوله عليه الصلاة والسلام : (( يا أبا المنذر ... أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟)) وكقوله : (( أتدرون من المسلم ؟ أتدرون من المؤمن ؟ )).
إن أسلوب الحوار من أمتع الأساليب وأقواها أثراً في بناء الخلق وترسيخه ، وفي إبطال السلوك السيئ ومحوه ، ولا يخفى عليك حديث ذاك الشاب الذي جاء إلى النبي يستأذنه في الزنا ،، كيف حاوره عليه الصلاة والسلام حتى أقنعه بقبح ذاك الفعل ، ومحا من نفسه الرغبة فيه حتى أصبح من أبغض الأفعال عنده .
* * تؤخذ بعض النماذج والأمثلة التي تعزز هذا المعنى من مشاركات الطلاب والطالبات .
ثانياً – أسلوب التربية بالقصص القرآني والنبوي :
للقصة دور مهم في التربية لما تتركه من تأثير نفسي وعاطفي , فهي تعرض الحقائق في صورة مواقف يتفاعل معها المتعلم تفاعلاً ينقله ليعيش في أحداثها أو ينقلها لتعيش في عقله وقلبه وخياله .
ويمتاز أسلوب القصة بميزات جعلت له آثاراً نفسية وتربوية بليغة محكمة بعيدة المدى على مر الزمن .
ما هي فوائد القصص ، والآثار التي يتركها في نفس السامع ؟
ومن المناسب هنا أن نشير إلى بعض فوائد القصص قبل أن نذكر أمثلة له من القرآن والسنة ، فمن فوائده :
1- إثارة العاطفة وتهيئة النفس للتفاعل والقبول .
2- بعث حيوية وحركية في النفس تدفع الإنسان إلى تغيير سلوكه وتجديد عزيمته بحسب مقتضى القصة وتوجيهها وخاتمتها , والعبرة منها .
3- عمق الأثر الذي تحدثه في نفس السامع ، والذي قد يقوم مقام الكثير من رسائل الوعظ والنصح والتذكير .
4- رسوخه في الذهن وقربه من الذاكرة ، وكثيرا ما نلحظ أن الإنسان يردد ما وقع له أو سمعه من القصص بكثرة ، مما يؤكد رسوخه في نفسه وتأثره به .
وغير ذلك من الفوائد التي يمكن معرفتها واستنباطها .
وأما آثاره فمن أبرزها :
1 - التفكر : {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }[ الأعراف/176].
2- التثبيت : {وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}[هود/120].
3- العظة والعبرة : {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ}[يوسف /111].
وغير ذلك مما يظهر من خلال تتبع آيات القصص في القرآن الكريم .
وهل يلزم أن تكون القصة طويلة حتى تكون مؤثرة ؟
حجم القصة :
تختلف القصة من حيث الطول والقصر في القرآن الكريم والسنة النبوية تبعاً لاختلاف الموقف والهدف , ومن أمثلة القصة القصيرة في القرآن الكريم قوله تعالى : {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ *فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء/87-88] .
ومع قصرها تضمنت الكثير من المعاني والعبر.
ومن أمثلة القصة المتوسطة قصة مريم في سورة مريم ، وتأمل منها ما جاء ذكر أخلاق عيسى عليه السلام حيث أخبر الله عنه بقوله : {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً* وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً* وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً}[مريم/30-32].
وانظر إلى قصة شعيب عليه السلام مع قومه وكيف ينهاهم عما اتصفوا به من تطفيف الكيل وبخس حقوق الناس والصد عن سبيل الله {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ }[هود/84-85].
ومن أمثلة القصة الطويلة : قصة يوسف عليه السلام في سورة يوسف , وقصة موسى في سورة القصص , وقصة أصحاب الكهف – وقصة موسى والخضر – وقصة ذي القرنين , في سورة الكهف ))
(يختار الأستاذ نموذجا من هذه القصص ويتطرق لبعض ما ورد فيه من قضايا الأخلاق للنقاش والمشاركة )
ويتضح من خلال القصص القرآني مدى اهتمام القرآن الكريم بأسلوب القصص في تربية الأخلاق الفاضلة , وتثبيت الفؤاد والتفكير والاعتبار.
ولا يختلف القصص النبوي من حيث أهميته وميزاته التربوية عن القصص القرآني , ولكننا قد نجد فيه تفصيلاً وتخصيصا من حيث الأهداف .
وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة في صورة قصص ، ومن المألوف أن نسمع رسول الله وهو يلقى مواعظه في صورة قصص مثل : ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال : " بينما رجل يمشي في حُلَة تعجبه نفسه , مرجل جمته ( شعره ) , إذ خسف الله به , فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة " .
( وقصة الثلاثة الذين آووا إلى غار فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار , ولكي يفرج الله عنهم ذكر كل واحد قصته .. فانفجرت الصخرة وخرجوا يمشون )) .
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال : " بينما رجل يمشي في الطريق اشتد عليه العطش , فوجد بئراً فنزل فيها , فشرب ثم خرج , فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني , فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب , فشكر الله له فغفر له ، قالوا : يا رسول الله , وإن لنا في البهائم لأجراً ؟ فقال : في كل كبد رطبة أجر .
وما رواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال :" عذبت امرأة في هرة ربطتها – وفي رواية حبستها – حتى ماتت , فدخلت فيها النار , لا هي أطعمتها , ولا سقتها إذ حبستها , ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض )) ( خشاش الأرض : هوامها وحشراتها ).
ففي القصص السابقة تربية أخلاقية تتمثل في النهي عن الكبر , وبر الوالدين , ومعاملة الأجير وإعطائه حقه , والعفة , والعطف على الحيوان , والتنفير من تعذيبه .