12- من ذاكرة الايام
محيسن الراجودي يجعل البكباشي جمال عبد الناصر يبكي !!
الحاج محيسن عامر الراجودي من عشيرة الراجودي فرع من عشائر الفقرا من صف قبيلة الجبارات، واشتهر رحمه الله بالرجولة والشهامة والمروءة التي تزينها الحكمة ، وسعة العقل وبعد النظر ، لقد كان رحمه الله مدرسة وناصحا صادقا امينا لكل من قصده طالبا للنصح ومستشارا لقضاة العشائر واهل القضايا ولا يبخل على احد بنصحه وتوجيهه ، كان لا يقرأ ولا يكتب ولكن تعجز عن علومه اساتذة القانون والجامعات ...
ادركته شيبة وقد انحنى ظهره وضعف جسده ، وكنت الفي مجلسه في ديوانه بين الفينة والفينة لانهل من معارفه وعلوم الرجاجيل التي كان يمثل فيها موسوعة ناطقة . حدثنا في احد المرات عن حصار العصابات الصه يونية للجيش المصري الذي كان يرابط في الفالوجه، واحكموا الطوق والحصار للجيش المصري الذي كان يقوده العقيد البيه طه ، وكان مساعده البكباشي جمال عبد الناصر، وكان ذلك في سنة 1948م ... وصمد الجيش المصري صمودا اسطوريا لمدة تجاوزت الارعة اشهر ، وكان تعداد الجيش المصري 2500 مقاتل. وقد كان يزودهم بالذخيرة والعتاد القائد للثوار في منطقة الخليل عبد الحليم الشٍِلف الجيلاني زعيم دولة شعب الملح -منطقة شديدة الوعورة من ضواحي برية الخليل - مستخدما الجمال والدواب كوسيلة نقل للاحمال ...
وكان ابناء قبيلة الجبارات وابناء القرى المحيطة بالفالوجة تخبز نساؤهم نهارا ويحملون الخبز وما تيس لهم ليلا ويتسللون به الى اخوانهم المصريين المحاصرين حيث اهل مكة ادرى بشعابه .
وكان ابناء قبيلة الجبارات يتخذون من قصر الشيخ حسن ابو جابر مقرا لهم لمناصرة ومؤازرة الجيش المحاصر وامداده بما يتيسر من طعام وشراب ونجدات ..
في يوم من الايام حصلت جولات من المفاوضات لتامين انسحاب الجيش المصري وفك الحصار عنه اوكل مهمتها البه طه لجمال عبد الناصر وكانت المفاوضات تحصل بين عصابات الصه اينة وعبد الناصر برعاية انجليزية فرنسية اميريكية ...
تقرر في احد المرات ان تكون جلسة المفاوضات القادمة داخل مسكرات الجيش المصري ، تسلل عبد الناصر ليلا بمساعدة الادلاء من المنطقة الى ديوان الشيخ ابو جابر وطلب منه ان يذهب في الصباح الى مدينة الخليل ويحضر معه الشوكولاه ليضيفوا الوفد المفاوض والراعين للمفاوضات !!
وهذه لفتة ذكية من المصريين لتعطي للمفاوضين انطباعا عن ان الحصار لم يؤثر فيهم طوال هذه المدة بحيث انهم ما زال عندهم شوكولاته يضيفون بها ... سمع محيسن بقدوم ضباط مصريين الى ديوان خاله الشيخ حسن ابو جابر ... فتناول بندقيته الالمانية وخريطة ذخيرة لها وجاء الى عبد الناصر يطلب منه ان يسمح له بمرافقته الى حيث موقع الحصار ، وقال له لن اكلف الحكومة المصرية ولا الجيش المصري لا سلاحا ولا ذخيرة... معي خمسماية طلقة كل طلقة براس صهيوني ، فان انتهت وبقي منهم احد فساهجم عليهم بشبريتي وليقتلونني بعدها فاموت شهيدا ... نظر عبد الناصر اليه ثم التفت وعيونه تفيض بالدمع الى من معه من مرافقين وضباط وقال وهو يبكي:مش حرام يا رب هذا الشعب اللي فيه رجالة كده ينباع وينشرى، والله ده حرام... ياحج محيسن لما نعوزك حنجيبك - احفظ ببندقيتك وعتادك ليوم عوزة ...
فيما بعد تم الاتفاق على ان يسلم البيه طه وعبد الناصر المقاتلين المصريين مقابل ان يؤمنوا لكبار الضباط والقدة طريقا امنا الى مصر ويقبضون دية المقاتلين من جنودهم فوافق البيه طه وتم تحديد ساعة وليلة التنفيذ وجائته الاموال ... في عصر ليلة التنفيذ جمعهم البيه طه وفتح الحقيبة التي فيها ثمنهم ...فقال لهم هذا ثمنكم والليلة موعد ذبحكم ... فاستبسلوا وقاتلوا واذبحوهم وهذه الاموال لكم فهي دياتكم ...
وكان قد رسم خطة بحيث تدخل قواتهم من جهة معينة فيحكمون عليهم الطوق فاذا ما تكاملت قوة الذبح اطبقوا عليهم ورموهم رمية رجل واحد ، وبالفعل هذا ما حصل وكانت مذبحة الفالوجي الشهيرة للصهاينة ...
الى هنا وتنتهي قصتنا هذه الليلة مع الشيخ محيسن الراجودي --
والعجيب انني علمت فيما بعد ان عبد الناصر تأمنت له الطريق الى غزة فالعريش فمصر ،واما البيه طه فقد انقطعت اخباره كما انقطعت اخبار الجيش المصري ، والذي علمت فيما بعد انه سلك طريقا مكشوفا عبر صحراء النقب باتجاه صحراء سيناء مما جعل الياته العسكريه ومدرعاته هدفا مكشوفا سهلا لطيران العدو ولم ينج منه الا طويل العمر .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .