،،،،،{بسم الله الرحمن الرحيم }،،،،، 47- الحلقة السابعة والاربعون من اثر العبادات التربوي على النفس والسلوك 12- الوقفة الثانية عشرة مع الحج :- اخواني حجاج بيت الله الحرام الأكارم : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حيثما كنتم :-قاوقفتنا مع قول الله تعالى :- {(فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)البقرة}... الاية الكريمه بينت احكاما عدة يجب الوقوف عندهاعلى كل حاج ومعتمر، ومنها :- -1- (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ ) فلا يصح وقوع الحج و الاحرام به و اداء اعماله الا في اشهره المعلومة وهي كل من شوال وذي القعدة وذي الحجة. فيصح الإحرام بالحج من غرة أولها وتنتهي أركانه وواجباته في أثناء آخرها ...فالحج بشكل عام لا شك انه يعني فيما يعني مناسك الحج، وهي: ( الاحرام من الميقات المكاني في الميقات الزماني ، ويوم الترويه، ويوم عرفة،والمبيت بمزدلفة، ويوم النحر،وطواف الافاضة بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة ،ويومي رمي الجمرات والمبيت بمنى) ومناسك الحج الشعائرية يسميها القران الكريم بـتسميتين وبمصطلحين : - مرة يطلق عليها (أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) كما في الايه الكريمه :(َاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى) ، ومره اخرى يطلق عليها (أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) كما في الايه الكريمه :(لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) فالحج باطاره العام يبدأ من شوال وذي القعده وعشره من ذي الحجة ... يعني ان الحج المذكور في الايه : - (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ) : هو الحج باطاره العام وهو عبارة عن شهرين وعشرة ايام .....يعني ان اشهر الحج تبدأ من اول شهر شوال ثم ذي القعده ثم التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، وهي اشهر يتم فيها الاستعداد للحج كما قال تعالى (فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) يعني فمن قرر والزم نفسه في تلك الشهور بالحج فلا يرفث ولا يفسق ولا يجادل ... بهذه الطريقة يكون الحج اشهر معلومات، ولا يعني ولا باي حال من الاحوال اننا نتنسك و نتعبد بالشعائر التعبدية (كالوقوف بعرفه ومزدلفة ورمي الجمرات ...الخ ) فيكل الاشهر الحرم كما يتوهم اليوم ويحرف ويزيف بعض مدعي العلم والتفيهق !!! فالمناسك مربوط اداءها باماكن محددة وبازمنة وايام محددة،فالوقوف بعرفة مكانيا محدد بحدود وعلامات لا يصح ان يكون خارجها ،والدليل على ذلك ان نصف مسجد نمرة في الحل ونصفه الاخر في الحرم، فبعد جمع وقصر صلاتي الظهر والعصر وخطبة عرفة يتوجب على من في نصف الحل ان يتحولوا الى جهة الحرم ... ولا يصح الوقوف تعبدا بعرفة الا في يوم التاسع ومن رحمة الله بعباده جعله يمتد الى فجر ليلة العاشر ، ومزدلفة مكان محدد ايضا مكانيا، ولا تصح شعيرة التعبد بالمبيت بها الا في ليلة العاشر زمانيا، وبعد وقوف عرفة...والطواف لا يكون الاضمن حدود معلومة مكانيا وكذلك السعي وكذلك ذبح الهدي لا يكون الا في مكة ولا يصح ان يكون خارج حدودها مكانيا، وزمانيا في ايام النحر الاربعة - العاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ولا يصح ان يُؤخر عن ذلك الزمان او يُقدم ...وفي ذلك طبعا دروس لترويض النفس وتعويدها على الوقوف زمانا ومكانا عند حدود الله فلا تعتديها..!!-2- (فَلَا رَفَثَ) الرفث هو الجماع ودواعيه ، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره المعروف:-وقوله : ( فلا رفث ) أي : من أحرم بالحج أو العمرة ، فليجتنب الرفث ، وهو الجماع ، كما قال تعالى : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) [ البقرة : 187 ] ، وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك ، وكذا التكلم به بحضرة النساء .اه-3- ( ولا فسوق ) الفسوق هو ارتكاب المعاصي قولا وعملا بشكل عام ، وخاصة مخالفة محظورات الاحرام ،وكذا فعل المعاصي عموما في البلد الحرام بشكل خاص ...ومن اعظم الفسق ان تعظم غير الله وتشركه مع الله تعالى في طلب الحظوة او المكانة او غير ذلك من مظاهر التعظيم والتقديس فقد قال الله تعالى : ( أو فسقا أهل لغير الله به ) [ الأنعام : 145 ] .ومن الفسوق : التنابز بالألقاب . والفسوق اجمالا هاهنا هو جميع ما يصح ان يوصف بالمعصية ، كما نهى تعالى عن الظلم في الأشهر الحرم ، وإن كان في جميع السنة منهيا عنه ، إلا أنه في الأشهر الحرم آكد ; ولهذا قال : ( منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) [ التوبة : 36 ] ، وقال في تعظيم حرمة الحرم : ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) [ الحج : 25 ] .-
4- (وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ){البقرة:197} والجدال المنهي عنه والمحرم هو المؤدي الى الخصومة، والسباب، والمراء، قال الشيخ السعدي في تفسيره:والجدال وهو: المماراة، والمنازعة، والمخاصمة؛ لكونها تثير الشر، وتوقع العداوة. اهـ.ووقال في أضواء البيان: والأظهر في الجدال في معنى الآية: أنه المخاصمة، والمراء، أي لا تخاصم صاحبك، وتماره حتى تغضبه.. اهــ.
فالمخاصمة بين الزوجين، او الرفقة وحتى مع سائر الحجاج او المقيمين من تجار وباعة وغير ذلك كلها داخلة في الجدال المنهي عنه، وعليه التوبة من ذلك؛ لقول الله سبحانه: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). فالحاج جاء محرما بلباسه الابيض، متجردا من الزينة ومناصب الدنيا ومراتبها ، متساويا مع اخوانه المؤمنين في المظهر والمسلك ويجب ان يكون ذلك الامر منعكسا على النفس مؤثرا في السلوك، مسالما لا معاديا حتى مع الحيوان والطير والشجر والنبات ، محرما في اشهر حرم وفي بلد حرام، فعليه استشعار عظمة ذلك في قلبه ونفسه، قال تعالى:-{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ..}(الحج30)...
وليس من الجدال المنهي عنه مدارسة العلم، والجدال المصاحب للنهي عن المنكر،فقد قال ابن عاشور -رحمه الله - صاحب التحرير والتنوير: (واتفق العلماء على أن مدارسة العلم، والمناظرة فيه ليست من الجدال المنهي عنه.... واتفقوا على أن المجادلة في إنكار المنكر، وإقامة حدود الدين ليست من المنهي عنه، فالمنهي عنه هو ما يجر إلى المغاضبة، والمشاتمة، وينافي حرمة الحج.) اهــ.
-5-[b](وما تفعلوا من خير يعلمه الله) :- فلما نهاهم عن إتيان القبيح قولا وعملا، حثهم على فعل الحسن و الجميل ، وأخبرهم أنه عالم به ، وسيجزيهم عليه أوفر الجزاء يوم القيامة .. [/b]
[b]-6- ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : "كان أناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة ، يقولون : نحج بيت الله ولا يطعمنا . فقال الله : تزودوا ما يكف وجوهكم عن الناس ".وفي هذا اشارة الى وجوب التزود بالنفقة ووجوب معفة النفس عن الناس وحرمة ان تكون عالة على الغير، فعبر عن ذلك انه من اعمال التقوى المؤدية والمقتضية عفة النفس وصونها عن الانكسار للخلق، خاصة وانت قادم لأداء ركن عظيم من اركان الاسلام المقتضي الاستسلام والانكسار لله وحده والاستغناء به عمن سواه . [/b]
*- ومن عجيب ما رأينا من خلال رحلاتنا مع الحجاج والمعتمرين في الأعوام السابقة: ان الجدال والنزاع يحتد بين المرشد والسائق من جهة والحجاج من جهة اخرى على الطعام احيانا، او غالبا على ما يُسمونه بالاكرامية، وهي مبلغ من المال يجمعه الحجاج او المعتمرون ليعطى للسائق او للمرشد !!..
واحيانا بين الحجاج وبين موظفي ومسؤلي الشركة الناقلة والمتعهدة بتامين الحاج او المتمر بالسكن وفق مواصفات معينة، فيتفاجأ الحاج بغير ما ابرم عليه الاتفاق معهم، فبسبب الجشع والطمع يخسرون كيل الحاج ويطففون الميزان ابتغاء الربح ظاهر في الدنيا في حين انه اكل لاموال الناس بالباطل كالاحتيال والنصب والسلب والنهب ،وتذكر اخي الناقل ان المؤمنون عند شروطهم !!! واحذر ان تتسبب في افساد حج الناس وتتحمل وزر ذلك !!!
- فايها السائق ساقك الله لهداه وابتغاء رضاه، وايها المرشد ارشدك الله للهدى والسداد والرشاد، فانتما كل منكما قبض اجره من الجهة التي وظفته وشغلته!! فعفوا انفسكم عما في ايدي الناس، وانت اخي المرشد عف نفسك ، فما هان العلم وما هان اهله الا يوم مدوا ايديهم للناس وطلبوا العطاء من غير الله تعالى!! فاحرى بك ان تكون قدوة في تعظيم شعائر الله وتتقي حرماته وتكون اماما قائدا للناس, لا عبدا ذليلا لما في ايديهم !!
قال ابن كثير :- "وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا عبدان ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا مروان بن معاوية ، عن إسماعيل عن قيس ، عن جرير بن عبد الله ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم قال :- " من يتزود في الدنيا ينفعه في الآخرة " .
وقال مقاتل بن حيان : لما نزلت هذه الآية : ( وتزودوا ) قام رجل من فقراء المسلمين فقال : يا رسول الله ، ما نجد زادا نتزوده . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تزود ما تكف به وجهك عن الناس ، وخير ما تزودتم التقوى " . رواه ابن أبي حاتم ".
-7- ( واتقون يا أولي الألباب ) يقول تعالى : واتقوا عقابي ، ونكالي ، وعذابي ، لمن خالفني ولم يأتمر بأمري ، يا ذوي العقول والأفهام .
وختاما اللهم نسالك في هذا الشهر الحرام ان تعظم دماء المسلمين وتعصمها وان تهلك الكافرين المحاربين المعادين لدينك وامة نبيك والمستحلين لدمائنا ونهب خيراتنا وديارنا ومقدساتنا ، وان تنصر المرابطين والمجاهدين في بيت المقدس واكنافه وتظهرهم على كل من خذلهم وعاداهم، اللهم امين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...