يسم الله الرحمن الرحيم
39- من دروس القران التوعوية :-
-3- موقف الصحابة الكرام من الروايات الاسرائيلية :
لم يكن الصحابة الكرام حاشاهم لا بلهاء ولا سخفاء ولا بسطاء او سطحيون ليمرروا مرويات مسلمة ومتأسلمة يهود دون بحثها وتمحيصها ومناقشتها وقياسها بكتاب الله تعالى الحاكم المهيمن على غيره ؛ وهم من استنارت بصائرهم واستضاءت عقولهم وقلوبهم بنور القران الكريم...وهذا يعطينا مؤشرا قويا على ان ما نُسب اليهم بانهم كانوا يبحثون او يتلقفون ما يقوله اهل الكتاب ويروونه انما هو من وضع الزنادقة عليهم ؛ والمقصد منه اعطاء صورة للمستمع ان الصحابة الكرام كانوا سذجا مساكين بسطاء سطحيون؛ ومن ثم بعد رسم هذه الصورة في الاذهان يمكن الطعن فيهم وفي روايتهم للقران الكريم وصحيح السنة!! واعطاء صورة عنهم وهم قدوة من بعدهم انهم كانوا يلجأون لفهم قرانهم الذي انزله الله تعالى بعربيتهم بمرويات اهل الكتاب .. وكأن اهل الكتاب هم المرجع في العلم و الفهم الصحيح للقران!!!
وقد مر بنا
إنكار الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث جابر أن عمر بن الخطاب أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه النبي - صلى الله عليه وسلم - فغضب وقال ( أمتهوكون فيها يا بن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به ، أو بباطل فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده لو أن موسى - صلى الله عليه وسلم - كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني )) . وكذلك نورد هنا إنكار بعض الصحابة - كابن عباس نفسه المنسوب اليه الكثير من روايات الاسرائيليات - على من كانوا يرجعون إلى أهل الكتاب بقوله - كما في البخاري : " يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم- أحدث الأخبار بالله ، تقرؤونه لم يشب ، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله ، وغيروا بأيديهم الكتاب ، فقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم ، ولا والله ما رأينا منهم رجلاً قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم " .
وهنا نقول ان الروايات وان صحت سندا فانها يجب ان تمحص متنا؛ والمقياس في القبول والرفض هو الكتاب المهيمن ... وتعالوا لنرى هذه المواقف لبعض الصحابة من تخاريف الاسرائيليات التي حاول متأسلمة ومسلمي يهود وغيرهم تمريرها .. فكانوا لهم بالمرصاد !! حيث جعلوا مقياس القبول والرفض هو القران الكريم .. فلننظر تلك الروايات ومواقف المسلمين والصحابة منها :
فمنها ما
جاء في رواية أوردها ابن كثير في تفسيره . قال معاوية لكعب: أنت تقول إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا! فقال كعب: إن قلت ذلك فإن الله قال: وآتيناه من كل شيء سببا!! ... فكما تلاحظ ان معاوية استغرب قول كعب وراجعه فيه !! فأراد بهذا الجواب قطع الطريق على معاوية، لأن وصول غيره إليها ليبحث عنها سيفضحه ويفضح رواياته وخرافاته. قال ابن كثير معلقاً : " وهذا الذي أنكره معاوية رضي الله عنه على كعب هو الصواب ، والحق مع معاوية في ذلك الإنكار " . وجاء في صحيح البخاري عن معاوية في شأن كعب : " إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب ، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب " .ومن ذلك ما أخرجه ابن خيثمة عن قتادة قال: بلغ حذيفة أن كعبا يقول: إن السماء تدور على قطب كالرحى فقال: كذب كعب، إن الله يقول: ” يمسك السماوات والأرض أن تزولا” - الاصابة في معرفت الصحابة- . ومما يدل أيضاً على أن الصحابة لم يكونوا يتلقفون كل ما يصدر عن أهل الكتاب دون نقد وتمحيص تلك المراجعات العديدة ، والردود العلمية على بعض أهل الكتاب ، في أمور أنكروها ، وردوا عليهم خطأهم فيها .
ومن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوم الجمعة فقال : (( فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه الله إياه )) ، فقد اختلف السلف في تعيين هذه الساعة ، وهل هي باقية أم رفعت ؟ وإذا كانت باقية فهل هي في جمعة واحدة من السنة ، أو في كل جمعة منها ؟ .
وقد سأل أبو هريرة رضي الله عنه كعب الأحبار عن ذلك فأجابه كعب بأنها في جمعة واحدة من السنة ، فرد عليه أبو هريرة قوله هذا ، وبين له أنها في كل جمعة ، ولما رجع كعب إلى التوراة ، وجد أن الصواب مع أبي هريرة فرجع إليه ، كما في الموطأ .
كما سأل أبو هريرة أيضاً عبد الله بن سلام عن تحديد هذه الساعة قائلاً له : " أخبرني ولا تَضِنَّ عليَّ " ، فأجابه عبد الله بن سلام بأنها آخر ساعة في يوم الجمعة ، فرد عليه أبو هريرة بقوله : " كيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلِّي " ، وتلك الساعة لا يصلَّّى فيها ؟ .... أخرجه أبو داود وغيره .
ومن ذلك أيضاً ما رواه ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أنه قال : " المفدي إسماعيل ، وزعمت اليهود أنه إسحق وكذبت اليهود " .
ولما بلغه -ابن عباس- أن نوفاً البكالي - وهو ربيب كعب الأحبار - ، يزعم أن موسى بني إسرائيل ليس بموسى الخضر : قال : " كذب " حدثنا أبي بن كعب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وساق الحديث الذي عند البخاري في قصة موسى مع الخضر .
فهذا كله وغيره يؤكد على أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا مغفلين سذجا بسطاء مخدوعين يصدقون كل ما يلقى إليهم ، بل كانوا يتحرون الصواب ، ويردون على أهل الكتاب أقوالهم التي تستحق الرد والمراجعة، ويقيسون ما يعرض لهم على كتاب الله تعالى فيصدقون ما صادق عليه ويردون ويكذبون ما كذبه ورده...
فهل يعقل بعد هذا يا ابناء الاسلام!! يا ابناء اقرأ!! يا ابناء فتبينوا !! وبعد ما عرفناه من عدالة الصحابة وتزكية الله تعالى لهم ؛ وبعد معرفتنا لرجاحة عقولهم وسعة فكرهم مع حرصهم على امتثال أوامر الله تعالى و رسوله ، وعدم تسليمهم لأهل الكتاب وكتابنا يحذرهم ويحذرنا من اهل الكتاب وفسقهم وكفرهم وخياناتهم لعهد الله تعالى ؛؛ هل يعقل تسليمهم بكل ما يروونه اهل الكتاب لهم من إسرائيليات؛ بل ويصورونهم انهم اعتبرها مرجعا ومعيارا للفهم كما تزعم الروايات!! ، وهل يعقل أن نقول بتهاونهم ، ومخالفتهم لتعاليم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم من عاصر نزول القران وحضر تطبيق النبي سلام الله عليه واله لاياته واحكامه فنقلوا ذلك كتابا متواترا والطريقة الحكيمة في تطبيق الكتاب، وقياس ومناقشة الافكار والعقائد على اساس ما اثبته من قواعدعقدية ايمانية؛ ومناقشة احسن الاحكام وقبولها حسب ما ارساه من قواعد سنة مقتفاة؛ لبيان الكتاب الذي انزله الله تبيانا لكل شيء !!
ونكتفي بهذا القدر من مناقشة مواقف الصحابة رضوان الله عليهم من المرويات الاسرائيلية ؛ والتي نحتاج الى ازالتها من مصادرنا ومراجع علومنا لتعود عقلياتنا تستنير بنور ربها ولا تتهوك !!والى لقاء جديد استودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..