خطــاب موجه من حزب التحرير الى رئيس واعضاء اللجنة
المركزية للمقاومة الفلسطينية حول التحذير من قيام
دولة فلسطينية-حزب التحرير في3/6/1971
---------
حضرات السادة رئيس وأعضاء اللجنة المركزية للمقاومة الفلسطينية المحترمين .
السلام عليكم ورحمة الله وبعد , فانه لما كان الإقدام على الدولة الفلسطينية خطرا من الإخطار كالإقدام على دولة فلسطين العلمانية , رأينا من واجبنا ان نقدم لكم هذه المذكرة , بعد أن لمسنا ما انتم فيه من التلبس بالعمل لإقامة هذه الدولة , ومن السير في ركاب أمريكا وعملاء أمريكا لتنفيذ خططها ورأينا لزاما علينا ان ننبهكم لهذا الخطر ونحذركم من سوء مغبته ,وما سيجره عليكم وعلى مسألة فلسطين من ويلات وكوارث , ونهيب بكم ان لا تجعلوا أهل فلسطين الأداة الرئيسية لضياع فلسطين , وان لا تكونوا الفراشة التي تحوم فوق النار لتحترق في هذه النار , فإنكم انتم اللذين ستكونون وقود النار , وأهلكم الذين سيقعون معكم فيها , فوق ما ستجرونه على غيركم من أهل الاستلام لاسيما المجاورين لفلسطين من مصائب فظيعة وكوارث شديدة التأثير . ومن اجل ان يكون الإجرام فيما انتم تقدمون عليه بارزا نلخص لكم المسألة كلها بما يلي :
أولا: ان المسألة الفلسطينية منذ ان وجدت حتى الان مسألة سياسية وليست مسألة عسكرية , ولا تزال مسألة سياسية , وستظل مسألة سياسية مهما صحبها من اعمال عسكرية , ومهما اصطنعت فيها من مظاهر حروب الى ان تقوم الدولة الاسلامية وتخفق راية الاسلام , اي الى ان يتولى المسلمون بالجهاد حرب الكفار , او حرب الدول الكافرة وتنتهي هذه الترهات والخزعبلات , وينتهي العملاء ورجال العملاء ويصبح الجد وصدق الفعال هو المسيطر على البلاد .
ان الذين خططوا لايجاد فلسطين , او ايجاد اسرائيل , قد خططوا جميعا ان تصحب المسألة السياسية اعمال عسكرية تكون الوسيلة الفعالة لتنفيذ مخططاتهم ومن اجل ذلك صحبت المسألة السياسية اعمال عسكرية منذ ان بدىء بايجاد فلسطين , وبدىء العمل لايجاد اسرائيل حتى الان . وكانت منظمات المقاومة مرحلة من مراحل الاعمال العسكرية لتنفيذ مخططات الكفار . فمنذ سنة 1920 اوجد الانجليز ثورات في فلسطين كاسلوب لادخال اليهود , وسخر اهل فلسطين في ذلك افظع تسخير , ولا يزالون يسخرون حتى الان . فثورة سنة 1929 قام بها الانجليز عن طريق المجلس الاسلامي الاعلى الذي هو دائرة من دوائر الانجليز , وثورة سنة 1933 اشعلها الانجليز عن طريق حزب الاستقلال الذي هو حزب انجليزي وجل من فيه من عملاء الانجليز , وثورة سنة 1936 قام بها الانجليز عن طريق الاحزاب العميلة التي كانت في فلسطين والتي كان رجالها من عملاء الانجليز , ثم ثورة سنة1948-1947 التي نفذت اجلاء اهل فلسطين عن ديارهم قام بها الانجليز عن طريق الحكام العرب وعن طريق زعماء فلسطين وجلهم من عملاء الانجليز , وما صيحة الدكتور فخري الخالدي في شأن دير ياسين الا عملا واحدا من اعمال هذه الثورة التي قامت لاجلاء اهل فلسطين . ثم كانت اخيرا ثورة المقاومة او ثورة الفدائيين التي قام بها الانجليز عن طريق حكام الكويت وامارات الخليج وفيصل بن عبد العزيز . وهكذا كانت الاعمال العسكرية في مسألة فلسطين منذ نشأتها حتى الان الوسيلة الفعالة لتنفيذ مخططات الدول الكافرة من اجل ايجاد فلسطين او ايجاد اسرائيل .
ثانيا : ان المسألة الفلسطينية لم يستطع الانجليز تنفيذ مخططاتهم بشأنها الا عن طريق عملائه لا سيما الفلسطينيين منهم , ورغم استيلاء الانجليز على فلسطين وحكمهم لها ثلاثين عاما لم يستطيعوا ايجاد دولة فلسطين ولا ايجاد اسرائيل ولولا ما قام به اهل فلسطين من ثورات مصطنعة , وما ضللوا به الناس من مطالب مجرمة مثل استقلال فلسطين ومنع الهجرة وما شاكل ذلك لما تمكن احد من ايجاد اي كيان اسمه فلسطين او اسمه اسرائيل . ولولا ما قام به اهل فلسطين من ثورة سنة1948-1947 ودخول ما يسمى بالجيوش العربية لما اتيح لكيان اسرائيل ان يقوم , ولما خرج اهل فلسطين من ديارهم وصاروا اسوأ المشردين مدة ربع قرن او يزيد وبالتالي لولاالملك عبد الله ومن بعده الملك حسين وما قام به كل منهما من اجل الانجليز وبالتالي من اجل اليهود لما استمر بقاء مسألة فلسطين حتى الان لذلك فان ازالة فلسطين او ازالة اسرائيل ليست بيد انجلترا او امريكا , ولا بيد هيئة الامم ومجلس الامن وانما هي بيد المسلمين وحدهم لا سيما المجاورين لخط النار من اهل مصر واهل الشام ومنهم اهل فلسطين , ولما كانت الدول الكبرى ولا سيما الانجليز والامريكان اصحاب المخططات على يقين من ان هذا وحده هو الدرب لذلك اتخذوا الاعمال العسكرية الخطوة الاولى من قبل اهل البلاد , ولما نجحوا في ذلك انتقلوا للناحية السياسية واخذوا يسيرون اهل مصر واهل الشام ومنهم الفلسطينيون , وجاءوا بما يسمى زعماء المقاومة للسير في الخط السياسي ليسيروهم فيه كما سيروهم في الخط العسكري ليصلوا الى تنفيذ ما خططوا للمسألة من حلول .
ثالثا : ان المسألة الفلسطينية جانب من مسألة الشرق الاوسط , وهي لا تحل على اساس ارضاء اليهود , ولا على اساس ارضاء الفلسطينيين , ولا على اساس ارضاء مصر وشرق الاردن , او غيرهم , ولا تحل على اساس انها مسألة فلسطين , وانما تحل على اساس مصالح الدولتين الكافرتين انجلترا وامريكا , وعلى اساس مسألة الشرق الاوسط لا مسألة فلسطين . لذلك ليس غريبا ان تدخل في حلها مصر , وا تدخل في حلها شرق الاردن , وان تدخل في حلها سورية , لان المسألة مسألة المنطقة لا مسألة فلسطين .
رابعا: ان اساس مسألة فلسطين وبالتالي مسألة الشرق الاوسط هو ان يعترف اهل المنطقة بوجود يهودي في البلاد , دولة فلسطين او دولة اسرائيل , او اي شكل من الاشكال التي تضمن وجودا يهوديا يعترف به اهل المنطقة ويقبلونه كما اعترفوا وقبلوا بالوجود النصراني في لبنان . هذا هو اساس المسألة عند الجميع لا فرق بين الانجليز والامريكان , فمتى وجد هذا فقد حلت المسألة ونفذت المخططات ومالم يوجد هذا فانه يستحيل ان يوجد اي حل , وهذا الاساس قد سلم به الملك عبد الله منذ سنة 1947 وسلم به من بعد الملك حسين منذ سنة 1953 , وسجل ذلك رسميا ودوليا في عدة وثائق سرية وعلنية بشكل لا لبس فيه , لذلك لم تعد الاردن طرفا في المسألة من اول يوم وجدت فيه اسرائيل . ولكن المسألة ليست مسألة شرق الاردن , حتى ولا مسألة سورية ولبنان , وانما هي مسألة مصر ومسألة المنطقة كلها وعلى رأسها مصر , ولذلك لم يجد تسليم عبدالله وحسين , وظلت المسألة تسير منذ سنة 1948 حتى الان في انتظار اخضاع مصر .
الا ان مصر لم يكن من السهل على اي حاكم ان يجعلها تسلم بوجود يهودي في فلسطين , واذا كان الملك حسين قد استطاع اذلال الفلسطينيين واذلال اهل شرق الاردن واخضاعهم لكل خيانة يرتكبها , واذا كان حكام سورية من اليمينيين والبعثيين استطاعوا قهر اهل سورية واسكاتهم عن كل خيانة ترتكب فان مصر لم يستطع اي حاكم اخضاع اهلها والتسليم بارتكاب جريمة التسليم بوجود يهودي في فلسطين فضلا عن الاعتراف به او قبوله , لذلك طال امد القضية , ومن اجل ذلك كان ضرب الجيش المصري سنة 1949 بمعاونة الملك عبدالله , وكان ضرب الجيش المصري سنة 1956 بعد ضمانة سكوت الاردن وسورية , ثم كان ما يسمى بحرب حزيران , او على الاصح ضرب الجيش المصري بمؤامرة مدبرة مع الملك حسين ومع حكام سورية من البعثيين , كل ذلك من اجل اجبار مصر على التسليم بوجود يهودي في فلسطين وارغامها على الاعتراف به وقبوله في المنطقة كما قبل الوجود النصراني في لبنان , وبالرغم من ذلك لم يستطع احد على اجبارها على ذلك الى ان قام عبد الناصر بحرب الاستنزاف وجعلت امريكا باساطيلها وقواتها هي اسرائيل , فحينئذ جرؤ حكام مصر على الاعتراف , فكان ما كان من قبول عبد الناصر لمبادرة روجرز , ثم كان ما كان من قبول السادات علنا بالاعتراف باسرائيل وقبولها في المنطقة , فانتهت بذلك القضية والمسألة لانه قد وجد الاساس وهو قبول وجود يهودي في فلسطين من قبل اهل المنطقة كلهم بما فيهم مصر , وبوجود الاساس لم يبق الا شكليات الانتهاء من امر سكان اهل فلسطين.
خامسا : فالمسألة اذن لم تعد مسألة اسرائيل , ولا مسألة فلسطين , بل اصبحت مسألة اسكان اهل فلسطين , فجاء دور استثمار الفدائيين , وجاء استثمار اهل فلسطين للانتهاء نهائيا من وجود يهودي في فلسطين وبالتالي من مسألة الشرق الاوسط كلها , ومن اجل ذلك تحركت القوى نحو الفدائيين وتحركت القوى نحو الفلسطينيين , ووضعوا في الدوامات المهلكة حتى يتخذوا الاداة الفعالة للانتهاء من مسألة الوجود اليهودي في فلسطين .
لقد اخرج ملف الفلسطينيين ووضع على الطاولة للتنفيذ منذ سنة 1969 , واخذت تتقاذفه ايدي عملاء امريكا امثال عبدالناصر والسادات ومعهم بعض زعماء فلسطين وزعماء الفدائيين , وايدي عملاء الانجليز امثال الملك حسين وحزب البعث ومعهم بعض زعماء فلسطين وزعماء الفدائيين , فكانت محاولة شباط في الاردن سنة 1970 ثم مذبحة ايلول في الاردن سنة 1970 , ثم كانت محاولات الملك حسين ومازن العجلوني ووصفي التل للقضاء على الفلسطينيين ثم على شوكة الفدائيين . كل ذلك كعمل من اعمال اسكان الفلسطينيين لانهاء مسألة فلسطين .
اما الانجليز فانهم اتخذوا الاردن قاعدة لهم للمنطقة كلها , واداة لاسكان الفلسطينيين في فلسطين لايجاد الدولة العلمانية , وكشفوا عن ذلك منذ سنة 1964 . واما الامريكان فانهم لم يكشفوا اوراقهم الا سنة 1970 بعد ان جدوا في التنفيذ . فقد كانوا يقولون بايجاد دولة فلسطينية في فلسطين اي بما يسمى بالضفة الغربية , وكانوا يخفون ما يبيتون من تمزيق شرق الاردن واقامة دولة فلسطينية فيها للفلسطينيين , ومن اجل ذلك تورط شرق الاردن باحتضان الفدائيين , وتورطت انجلترا بتشجيع الفدائيين بل ايجادهم , وتورط الفلسطينيون بالتوطن بشكل كاسح في شرق الاردن كل ذلك وامريكا لم تكشف عن مشروعها , الاعن اقامة دولة فلسطينية في فلسطين . فلما انتهت من اخذ موافقة مصر على الاعتراف بوجود يهودي في فلسطين اخذت تعمل لنسف الحكم في شرق الاردن واقامة دولة فلسطين على انقاض الحكم الاردني , فكان هذا الصراع بين حكومة الاردن واهل فلسطين , بين الجيش الاردني والفدائيين , كل ذلك صراع على اسكان اهل فلسطين .
سادسا : ان المنظمات الفدائية بالرغم من ان الانجليز هم الذين اوجدوها ,وبالرغم من ان منظمة فتح كبرى المنظمات منظمة انجليزية بحتة , ولكن مصر بمساعدة امريكا ثم بمساعدة سورية استطاعت ان تستميل اكثر الفدائيين للدولة الفلسطينية في الاردن , فدخلوا في مفاوضات مع امريكا في اول الامر فاخفقت باقناعهم , لان منظمة فتح كبرى المنظمات كانت ضد هذه الفكرة , ولكن المخابرات المركزية الامريكية , وتأثير مصر قد اوجد رأيا عاما بين الفدائيين وحتى بين الفلسطينيين في اقامة دولة فلسطينية في شرق الاردن وبقايا فلسطين , فتحولت اللجنة المركزية باكثريتها الى جانب امريكا , وسايرهااو سار معها عملاء الانجليز في المنظمة فكانت التحركات الاخيرة التي بدأت في نيسان الفائت واشتد ساعدها حتى صارت مسألة اقامة الدولة الفلسطينية مسألة وقت عند الكثيرين من الفلسطينيين , وبذلك صارت اللجنة المركزية وصار اكثر زعماء الفدائيين يعملون وكأنهم على وشك تسلم الحكم في الاردن لايجاد الدولة الفلسطينية للفلسطينيين .
هذا هو وضع المسألة : الفلسطينيون هم الذين مكنوا الانجليز من ايجاد اليهود في فلسطين حتى سنة 1948 , والفلسطينيون هم الان بثورتهم يريدون ان يكونوا الاداة الفعالة لاعتراف المنطقة عمليا بالوجود اليهودي في فلسطين , وبانهاء المسألة كلها وانهاء مشكلة اسكان الفلسطينيين , وذلك بان يكونوا حكاما ولو عملاء على اشلاء الاردن بل على جثة فلسطين واهل فلسطين . لذلك فان ما يقدمون عليه هو جريمة من افظع الجرائم لانهم يريدون ان يجعلوا انفسهم الاداة التي لولاها لما استطاع الغرب تنفيذ المخططات , والتي بها يتم تنفيذ هذه المخططات .
انه مع اعتقادنا بان الفلسطينيين لن ينجحوا في اقامة الدولة الفلسطينية , لا في شرق الاردن ولا في فلسطين ولن ينجحوا في اخذ الحكم في شرق الاردن ما دامت قبائل شرق الاردن على قيد الحياة , وما دام اهل شرق الاردن يقاومون مخططات الامريكان , وما دام المخلصون من الفلسطينيين يقاومون مخططات الانجليز ومخططات الامريكان . الا اننا نشفق على المسلمين ان يكونوا طعام النار في الاشتباك بينهم في السلاح لحساب الكفار , ونأسى على الفلسطينيين ان يكونوا هم الاداة لاضاعة فلسطين وتركيز الاسفين اليهودي في قلب بلاد الاسلام . لذلك جئنا بهذه المذكرة محذرين من مغبة الاقدام على الدولة الفلسطينية انى كانت , منذرين بسوء العواقب من الاقدام على خوض معركة لتمزيق الاردن واخذ قسم منها لاقامة دولة فلسطين , مهيبين بكم ان تتراجعوا عن هذه الفعلة الشنعاء.
والله نسأل ان يحمي بلاد الاسلام من الخونة وعملاء الكفار.
وتقبلوا خالص التحيات .
حزب التحرير في3/6/1971