الصراط المستقيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد ابن عبد الله وعلى آل بيته الطاهرين أما بعد :-
يقول الله عزوجل مخاطبا آدم عليه السلام وجميع خلقه في سورة البقرة
قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(38)
فما هو الهدى الذي جاء الله به لخلقه في مختلف العصور , إن الهدى الذي أرسله الله لكل قوم وامة هو تعريف الخلق بالله وغاية خلقهم وتوحيده عزوجل وتبيان العقيدة من الملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقضاء والقدر والجنة والنار ,مع إتباع شريعة وأحكام معينة للإختبار ولتنظيم الحياة ليؤدي الانسان غاية خلقه
ونظرا لما حدث من ضلالات في الأرض بفعل شياطين الإنس والجن , فلقد تكرم الله عزوجل على البشرية جمعاء بارسال خاتم الانبياء والمرسلين بدين ناسخ لجميع الأديان لإنهاء حالة الانقسامات والصراعات والضلالات التي وقع فيها البشر , يقول الله عزوجل في اول سورة في القرآن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
فما قبل آية الصراط هو دين جميع الرسل وهو الهدى الذي أنزله الله على البشرية جمعاء مع شريعة وأوامر خاصة لكل قوم , وأما الصراط المستقيم في هذه الآية هو تطبيق ما جاء به الإسلام , وهو خط مستقيم واضحا وضوح الشمس في القرآن الكريم يصل الانسان في نهايته إلى مرضات الله ولقائه , ومن أهم قواطعه شياطين الإنس والجن الذين ضلوا الناس وحرفوهم عن الصراط ومنهم من كان مغضوب عليهم كمن عرف الحق وتركه وضل الخلق عمدا , ومنهم من ضل ضلالا بفعل الشيطان وما كان ذاك إلا لعدم إستخدامه ما تكرم الله به عليه من عقل وعلم وفطرة لمعرفة الحق من الباطل , ومن أمثلة المغضوب عليهم اليهود ومن أمثلة الضالين النصارى والصراط المستقيم هو الذي جاء به سيد المرسلين وخاتمهم وناسخ أديانهم بعد ما وقع من الشرك والضلالات والخرافات في الأرض , وهذا الخط أو الصراط تجده وتشعر به في كل القرآن الكريم وخلاصة رسالته , وإجتهادا مني فقد أوضحته بالتالي :-
يبدأ بمعرفة الله حق المعرفة ومعرفة غاية خلق الله لنا وتسخيره الارض وما فيها لنا لتحقيق هذه الغاية ثم يأتي بعد ذلك التوحيد بجميع أنواعه والذي هو دين جميع الرسل وكذلك العقيدة ثم إتباع أصول الدين الإسلامي الصحيحة ثم تقوى الله ( فعل الأوامر وترك النواهي ) بركني المحبة والتعظيم وشرطي الإخلاص لله وإتباع فعل الرسول , وحسن الخلق مع خلقه سبحانه وتعالى من حسن التعامل والنصرة والمؤازرة والتكافل وعدم التعرض لهم بالأذى والتألم لإلمهم وعدم ظلمهم والعفو عنهم والرفق بغير بني البشر
ثم الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس لنشر التوحيد والإسلام ومحاربة أعدائه من شياطن الإنس الذين يريدون أن يطفؤا نور الله أو يعتدون علينا أذى وحسدا ونهب لثرواتنا , والجهاد إخواني ليس بالضرورة يعني الجهاد بالسلاح فما يحقق بغيره تحقيقا تاما لا لبس فيه فهو خير وأولى , مع شكر الله في النعماء والصبر في الضراء , واستخدام الدعاء كسلاح والإستغفار والصدقة كطوق النجاة وراجيا عفو ربك ثم مغفرته ثم رحمته وتسير خائفا من ذنوب ماضيك ومن الذنوب والتقصيرفي حاضرك ومن عدم الثبات على الدين (( ومن سؤء الخاتمة ) تماما كمن يرد لك الإحسان طوال عمره فيأتي في آخر لحظة وينكر إحسانك أو يقصر فيه أو يتجاهله ) ولله المثل الأعلى , وما أجمل من أن تلقى الله بخاتمة حسنة , وهذا كنطاق فردي وأما النطاق الجماعي فالوحدة بين الدول الإسلامية وشعوبها والتخطيط السليم وعدم التفرق والتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون في الإثم والعدوان ونصرة الشعوب المظلومة والحكم بما أنزل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد لنشر الدين وإعلاء كلمة الله والإستخلاف في الأرض , وأهم عوائق السير في هذا الطريق لتلقى الله خير لقاء كما قلت سابقا , هو الشرك والكفر والإختلال في العقيدة وأصول الدين وظلم الناس وكبائر الذنوب , وترك الوحدة والتخطيط والتفرق والتشرذم وترك الجهاد لإعلاء كلمة الله عزوجل وترك الدعوة , وأفضل من سار على هذا الصراط هو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام لذا فإن التقيد بمفهومهم ومفهوم خير القرون كان واجبا لضمان عدم الإنحراف عن هذا الصراط ولو قيد أنملة وهؤلاء هم الفرقة الناجية ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين , ومن مال عن هذا الصراط فهو عند الله على قدر ميله , والله عزوجل لا يغفر الشرك ولا الكفر ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء , ولذلك كان التوحيد والعقيدة وأصول الدين السلفية أهم ما يتمسك به المسلم في طريق سيره إلى مرضاة ربه ونعيمه ورؤيته عزوجل , ولا ننسى إخواني وأخواتي (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) ( ومن لا يرحم لا يرحم ) ( وإن أحببت أن يغفر لك فأغفر وتجاوز عن من ظلمك )
" اللهم إني أسالك تحقيق التوحيد وسلامة العقيدة وأصول الدين , وتقواك بركني المحبة والتعظيم وشرطي الإخلاص والمتابعة , وحسن الخلق , والجهاد في سبيلك بالمال والنفس , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وأن تلهمني الدعاء وترزقني الشكر في السراء والصبر في الضراء وان تكرمني بالصدقة والإستغفار " , ( وأفضل من هذا الدعاء وما ذكرته كله , هو تدبر سورة الفاتحة في كل ركعة في كل صلاة بخشوع وتذلل لله عزوجل موقننا بإجابة الله مع تحقيق إياك نعبد وإياك نستعين وبدونها لا هداية للصراط المستقيم )
هذا ما يسره الله لي في تعريف الصراط المستقيم وأختم بقوله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم :-
( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا ۖ لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ( الأنعام )
ويقول صلى الله عليه وسلم ( " يَا ابْنَ عُمَرَ دِينُكَ دِينُكَ ، إِنَّمَا هُوَ لَحْمُكَ وَدَمُكَ ، فَانْظُرْ عَمَّنْ تَأْخُذُ ، خُذْ عَنِ الَّذِينَ اسْتَقَامُوا ، وَلا تَأْخُذْ عَنِ الَّذِينَ مَالُوا " )
اسأل الله أن يسامحني إن قصرت وأن يغفر لي ذلتي إن ذللت
وسائلكم الله أن تدعوا لي ولجميع المسلمين بما تجود به نفوسكم , فالأمر جد خطير وقد أقسم الله بجلاله وقدره وعظمته عدة أقسام ليقول لك أيها العبد المسكين " إنه لقول فصل وما هو بالهزل "
اللهم سلم سلم
إنتهى