علي بابكر
تونس تحت نيران القناص السياسي!!
علي بابكر محمد مختار – محلل سياسي
خيم التوتر السياسي والأمني على مناطق واسعة من تونس متزامناً مع تشييع جنازة شكري بلعيد السياسي المعارض البارز والأمين العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين الذي قتل برصاص مجهولين صبيحة يوم الأربعاء 6/2/2013م, وقد أعقب ذلك في نفس اليوم مظاهرات أمام مقر وزارة الداخلية بشارع الحبيب بورقيبة طالب فيها المتظاهرون باستقالة الحكومة المؤقتة متهمين وزير الداخلية علي العريض وباقي الحكومة بالتراخي في تطبيق القانون وردع المليشيات والتغاضي عن ما سموه "العنف الديني" على الرغم من التحذيرات المتكررة, ثم شارك الألوف من الأحزاب الليبرالية واليسارية والعلمانية في جنازة شكري بلعيد يوم الجمعة 8/2/2013م وسط إجراءات أمنية مشددة.
ونشأ ذلك التوتر على إثر دعوات إلى إضراب عام ورفض رسمي من قبل حركة النهضة لاقتراح رئيس الوزراء حمادي الجبالي تشكيل حكومة تكنوقراط, هذا وقد تعددت المظاهرات الاحتجاجية على البطالة والبؤس، ولا يزال الغضب يسيطر على الشارع، وقد عمدت حشود إلى اقتحام وحرق مقرات لحركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم، والتي رفضت تحميلها المسؤولية عن عملية اغتيال بلعيد ,فما هي حقيقة الأوضاع في تونس؟ ومن هي الأطراف المستفيدة مما يحدث في تونس؟
من خلال المستجدات وتسارع الأحداث في تونس وهي كالتالي: إغتيال المعارض والقيادي في الجبهة الشعبية بتونس شكري بلعيد, وتوجيه الإتهام من قبل القوى الديمقراطية للحكومة وحركة النهضة تحديدا, ودعوة المعارضة لإسقاط الحكومة وحل المجلس التأسيسي قبل البحث في حيثيات الجريمة ومن يقف وراءها, وقرار رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي تشكيل حكومة كفاءات ورفض حركة النهضة وحزب المؤتمر لهذه الخطوة, وتنديد المسؤولين الفرنسيين بهذه الجريمة وتجديد دعمهم للديموقراطين (حركة نداء تونس ومن تحالف معها) ودعوة الحكومة الأمريكية للفرنسيين بعدم التدخل في الشأن الداخلي التونسي, كل هذه المعطيات تدل دلالة صريحة بأن الصراع في تونس هو صراع نفوذ بين الدول الإستعمارية وخاصة فرنسا وأمريكيا وبريطانيا وعملائهم في تونس.
وبالرجوع إلى مسلسل الأحداث نجد أن فرنسا سعت في المدة الأخيرة إلى تكوين تحالف بين كتلة الأحزاب الديمقراطية المتمثلة في حركة نداء تونس ومن تحالف معها وكتلة الأحزاب اليسارية المجتمعة في الجبهة الشعبية لتكون جبهة واحدة قوية لإسقاط الحكومة وإستعادة هيمنتها على البلاد من خلال إيصال عملائها لسدة الحكم لكن هذه المساعي وجدت صداً كبيراً من قبل القيادي شكري بالعيد الذي كان يدعو صراحة إلى عزل أعضاء حزب التجمع الدستوري المنحل عن الحياة السياسية وتحصين الثورة, وموقفه الواضح من هذه الجبهة على خلاف موقف رفقائه الذين إستحسنوا هذه المبادرة طمعاً في تحقيق بعض المكاسب السياسية بعد إسقاط الحكومة.
وبحكم الرفض الشديد لشكري بالعيد لهذا المقترح كان لا بد من تصفييته جسدياً والسير قدما في تحقيق هذا الهدف للوصول للغاية المرجوة وهي إسقاط الحكومة, وقد إنكشف هذا المخطط وظهر للعيان من خلال المطالب التي رفعتها المعارضة التونسية وظهورهم اللافت في وسائل الإعلام يطرحون مقترحاتهم حتى قبل أن تجف دماء الضحية, وقبل البحث في حيثيات الجريمة ومن يقف خلفها, وكأن الأمر كان منتظراً ومتوقعاً والكل في إنتظار ساعة الصفر والتغطية الإعلامية من قبل وسائل الإعلام الفرنسية وتوجيه التهم الجاهزة للإسلامين, والتدخل السافر للحكومة الفرنسية من خلال تصريحات مسؤوليها وتجديد دعمهم للقوى الديمقراطية مباشرة بعد عملية الإغتيال, مما دعا الحكومة الأمريكية أن تطلب من فرنسا مباشرة عدم التدخل في الشأن الداخلي في تونس على إثر قرار الجبالي بتشكيل حكومة كفاءات "مقبولة أمريكياً" حتى ترتيب البيت من جديد بإجراء إنتخابات في وقت قريب, والأرجح هو تشكيل حكومة توافق وطني يكون نصيب الأسد فيها لكل من نداء تونس وحركة النهضة بشقها المعتدل (الجبالي ومن والاه) وإقصاء الشق البريطاني في الحكومة (نهضة الغنوشي وحزب المؤتمر) وهو ما يبرر رفض حركة النهضة وحزب المؤتمر لمقترح الجبالي بتشكيل حكومة جديدة.
والأيام القليلة القادمة ستكشف المشهد السياسي في تونس بكل وضوح, وهو مشهد لا تلوح فيه بوادر الإستقرار بعد أن إرتهنت القوى السياسية في البلاد للأجنبي و جعلت من تونس حلبة لصراع المصالح بين الدول الإستعمارية.
إنّ الاتّجاه العام في الأمة للتغيير لا يمكن الاستيلاء عليه بمؤامرة السّفارات والمخابرات مهما كان مكرها وعلى كلّ المخلصين اعتبار العمالة خيانة للأمة تُسقط عن صاحبها حقّ العمل السياسي، فالسياسة هي رعاية شؤون أبناء البلد والأمّة لا رعاية مصالح الغرب فرنسا كانت أم بريطانيا أم أمريكا أم سواها, ففي مبدا الإسلام العظيم يحصر الاتّصال بالجهات الأجنبيّة في الدولة وحدها مع ضمان حقّ المحاسبة والمساءلة.
إن الأحداث في تونس شاهد على ضرورة التغيير الجذري، فقد ثبت بعد مرور عامين على الثورات المباركة، أن دول الربيع العربي لم تكن بحاجة لرئيس جديد وحكومة جديدة، بقدر ما هي تحتاج إلى تغيير شامل وجذري يستأصل نفوذ دول الغرب ودبلوماسيتها من بلاد المسلمين.