قال الشّاعر العربيّ الأكاديميّ المفكّر غازي بن عبد الرّحمان القصيبيّ رحمه الله تعالى في مطلع قصيدته الرّائعة مخاطباً الرّئيس أنور السّادات يوم زيارته القدس:
لا تُهَيِّءْ كفني، ما مِتُّ بعدُ....... لم يزَلْ في أضْلُعي برْقٌ ورعْدُ
هذا البرق والرّعد الّذي تحدّث عنه رحمه الله هو عينُه الّذي ينفُثُه الأكاديميّ المفكّر الآخر د. عبد السّتّار قاسم في مقاله التّالي.
د. عبد السّتّار قاسم أكاديميّ لا تلينُ له قناة، عصيٌّ على تطويع الماكرين والخائنين إيّاه، الصّورة لديه واضحة عن واقع أمّته، يُدرك تمام الإدراك أنّ مشكلة الأمّة واحدة غير قابلة لأن تُقسّم إلى أجزاء وتفاريق. هي في فلسطين ذاتها في المغرب وفي اليمن وفي كلّ مكان. وهو ينحدر من أسرة كريمة من بلدة دير الغصون المجاورة لعتّيل. وينحدر من دير الغصون ومن نفس الأسرة أيضاً الأكاديمي والخبير الاقتصادي رئيس وزراء السّلطة الفلسطينيّة السّابق سلام خالد فيّاض، والبلدتان لا يفصل بينهما سوى "وادي مصّين"، وهو الوادي الّذي يشكّل الحدّ الشّماليّ لأراضي دير الغصون، كما أنّ "وادي عمار" يشكّل الحدّ الجنوبيّ لأراضيها. ولِمَنْ لم يُدرك حقائق التّاريخ بعد فلْيعلمْ انّ القائد العظيم بيبرس البُنْدُقداري الّذي وُلِدَ في قريةٍ من قُرى ريف كِبْتشاك شماليّ البحر الأسود سنة 1226 م، ثمّ بيع في مصر عبدأ، أقول هذا الّذي كان عبداً مملوكاّ لا يحفِلُ به أحد قد كنس المُسْتعمرين أو المُسْتدمرين الأوروبّيّين " الصّليبيّين " من بلاد الشّام كنْساً، وطهّر الأرض من رجسهم تطهيراً، وحتّى يُعيد تعمير القرى الخالية من سكّانها أقطعها لرجالٍ كانوا في حملته الجهاديّة الواسعة النّطاق الّتي شملت كلّ بلاد الشّام حتّى الأناضول، فكانت دير الغصون من نصيب الأمير بدر الدّين محمد بن ولد الأمير حسام الدّين بركة خان؛ أمّا عتّيل فقد أقطعها رحمه الله إلى الأتابك فارس الدّين أقطاي الصّالحيّ. مات بيبرس رحمه الله في دمشق في 01/07/1277. أقول للغافلين واليائسين والكائدين والخائنين اقراوا حقائق التّاريخ جيّداً، فإنّها أغلى من الذّهب. واعلموا جيّداً أنّ لكلّ أمّةٍ من أمم الأرض يومٌ تنهضُ فيه، تكون قبله نائمة، وترجع بعده إلى المنام. . . إلّا أمّة محمد فإنّ البطولة سجيّةٌ من سجاياها، تجري في عروقها، تُخالط روحها. فكلّما أدركها ليلٌ وظنّ النّاس أنّها قد انتهت، أرجعها صفاء الّليل إلى نفسها فحاسبتْها، وسدّتْ الثّلمات في قلعتها، وجدّدَتْ من عتادها، وأصلحتْ ما بينها وبين ربّها، فطلع عليها بعد الّليل فجرٌ جديد. وفي هذا يقول غازي رحمه الله في نفس القصيدة:
لا تُهَيّءْ كـفني ما زال لي .......في صُمودِ القِمَمِ الشّمّاء وعْدُ
لا تـَغُــرّنّـكَ مـنّي هــدْاَتـي ..... لا يـمـوت الثّأْرُ لـكـنْ يسْتَـعِــدُّ
لا يَـغٌرّنّـكَ نـصلٌ مـوغِــلٌ ......في عُــروقـي فـأنـا مـنهُ أَحَــدُّ
الدّائرة توشِكُ أن تستدير مرّةً أُخرى، وإنّ غداً لناظره قريب، وسيعلم الظّالمون أيّ مُنْقَلَبٍ ينقلبون. أختم بالبيت قبل الأخير من رائعة غازي رحمه الله، وغفر له، وجعل الجنّة مأواه:
الصّليبيّون أمسِ ارْتَحلوا....... وغداً يَمْضي الصّليبُ المسْتَجِدُّ
**************
**************
**************
عروبة فلسطين لا يهوديّة إسرائيل
بقلم بروفيسور عبد الستار قاسم
26 شباط ( فيراير) 2014
اتصل بي مراسل صحيفة معاريف الصهيونية سائلا حول موقفي من طرح يهودية الدولة، لكنّني رفضت إجراء مقابلة معه لأن ذلك تطبيع مع الإعلام الإسرائيلي، والتطبيع خيانة. وهنا أقدّم إجابتي:
لا سلام في المنطقة العربية الإسلامية ما لم يعترف العالم بعروبة فلسطسن. فلسطين جزء لا يتجزأ من أرض الشام، من أرض سورية، التي هي جزء لا يتجزأ من أرض العرب، وجزء لا يتجزأ من أرض المسلمين، وكل من يقول عكس ذلك إنما يستعدي الفلسطينيين والعرب والمسلمين، ويستعدي التاريخ، ويهدد المقدسات العربية إسلامية ومسيحية. أما من يتساوَق مع نُكران عروبة فلسطين، أو يُشكّك بها سواء كان فلسطينيّا أو عربيّا فإنما هو خائن لله وللشعب وللأمة وللوطن.
نتن ياهو يريد اعترافاً فلسطينياً بيهودية الدولة لكي يفتح المجال واسعاً أمام إلغاء الشعب الفلسطيني تماما، وهو يدرك أنه يسابق التاريخ، ويريد الاطمئنان على مستقبل إسرائيل قبل أن ينقلب التاريخ في المنطقة. وهو يدرك أيضا أن التاريخ سينقلب، وأن الضعيف لا يبقى ضعيفا، والقوي لا يبقى قويا، وأن أمة عظيمة كأمة العرب لا يمكن أن تبقى في هذا التدهور في مختلف مجالات الحياة. يُراهن نتن ياهو على قطعان الخونة الفلسطينيين والعرب لكي يحصل على أكبر المكاسب قبل أن تدور عجلات التاريخ في الاتجاه المعاكس. قد يحصل على اعتراف بيهودية الدولة من خَوَنٍ يعترفون بإسرائيل ويدافعون عن أمنها، لكن حُكم الخَوَن لا يطول تاريخيا. ربما يطول حكم الظالم لكنّ حكم الخائن لا يطول.
مأساتنا تتجسد في الخونة الذين يعترف بهم العالم ممثّلين لشعب فلسطين، لكن العالم مع الأقوياء، والمواقف تتغير خاصة عندما يقرر الشعب الفلسطيني لفظ أوساخ الخيانة من جسده.
إسرائيل لا تملك مقومات استراتيجية جوهرية تجعلها قابلة للحياة لفترة طويلة، وإن ملكت فإنها تملك فقط خيانة قيادات عربية وفلسطينية. الخونة من الفلسطينيين والعرب هم الذين يمكّنون إسرائيل وذلك من خلال إذلال الشعوب وقمعها وإضعافها لتبقى مطيّةً للبُغاة الذين يُمِدّون قادة فلسطين والعرب بالأموال ومصادر الشهوات. وإذا كانت دول قد دخلت على خط تخريب الحراك العربي نحو التغيير، فإن عرقلة مسار التاريخ لا تدوم، وإذا كان هناك فئات متمسلمة تكفيرية مجرمة قد دخلت على خط تخريب الإسلام والإساءة للمسلمين فإن هؤلاء لن يُعمّروا كثيرا.
المستقبل لنا وللأمة، ولن تكون فلسطين إلا عربية، وإذا كان هناك من سيغادر هذه الأرض فهم الصهاينة الغزاة وليس أصحاب الأرض وأحبابها.