الظاهرة الاردوغانية بين الاسلام والعلمانية
بقلم:رحاب أسعد بيوض التميمي
لقد تحول رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان الى ظاهرة سياسية أصبحت محل جدل وأخذ ورد ودفاع وهجوم في العالم أجمع وكان إكتساح حزبه للإنتخابات البلدية الأخيرة رغم حملة التشكيك به والهجوم الشخصي العنيف عليه وتسخير إمكانيات دولية إقليمية ودولية من أجل إسقاطه،ورغم ذلك كانت النتيجة فوز ساحق لحزبه،مما أدى الى ردة فعل عنيفة من قبل معارضيه وأعدائه بعد أن بشروا بسقوطه القادم المدوي,مما جعلهم يُشعلون حربا شعواء ضده وإتهامه بجميع التهم،حتى وصفه العلمانيون العرب والأتراك أشد الناس عداوة له بأنه يريد إعادة الخلافة العثمانية وبأنه يعتبر نفسه أحد سلاطين بني عثمان وصار يُسمى حزبه بالعثمانيين الجدد,وهناك أيضا بعض التيارات الإسلامية تشن عليه حربا لاهوادة فيها وهي بذلك تلتقي مع العلمانيين في محاربتهم للظاهرة الأردوغانية.
فمن هذا المدخل للموضوع أريد أن أناقش هذه الظاهرة بهدوء وليس من باب الأنحياز أو التحيز وإنما من باب الإنصاف والوصول إلى الحقيقة,فقد أكون مخطئة أو قد أكون مصيبة فإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وأن أصبت فمن الله.
فمن خلال قرائتي لهذه الظاهرة الإستثنائية والملفتة للنظروما أنجزته على أرض الواقع والتغيرالكبيرالذي حصل في تركيا في عهده على جميع الصعد،أرى أن أردوغان زعيم صاحب رؤيا ثاقبة على جميع المستويات(رؤيا دينية،وسياسية،واقتصادية،واجتماعية،وفكرية وثقافية،وجغرافية،وتاريخية)وبأنه يتمتع بذكاء خارق وحضورعلى مستوى قيادي عالي جدا ودهاء وقدرة على المناورة السياسية وقدرة حاسمة وحازمة في إتخاذ القرار,وبأنه قد لجأ الى إستخدام أساليب في التعامل مع الواقع التركي المعادي للإسلام بأن الحرب خدعة والضرورات تبيح المحظورات كما هو في الفقه الإسلامي,من أجل خوض حرب داخلية شرسة لكي يستعيد تركيا من يد العلمانيين الأتاتوركيين يهود الدونمة الذين هدموا الدولة العثمانية المتغولين على جميع مؤسسات الحكم خصوصا الجيش والقضاء....
فمن هذا المنطلق أتفهم جيداً أن يغتاظ كل الكفربأطيافه والعلمانيين بمختلف توجهاتهم والحكام بجميع مسمياتهم من فوزحزب طيب رجب أردوغان في اﻹنتخابات البلدية في تركيا,ﻷنه يسلك طريقاً ﻻ تروق لهم ولأن حساباته مختلفة عن حساباتهم،وحدوده يتسرب منها ما يقض مضاجعهم،وﻻ يخفى على أحد أنه أصبح مصدرقلق لهم بسبب إحراجه لهم في نصرة القضايا التي يقفون مكتوفي اﻷيدي تجاهها ولو بالحد اﻷدنى حسب إستطاعته رغم العزلة التي يعيشها ﻹختلاف منهجه عنهم.
لكن ما ﻻ أتفهمه أن ﻻ يروق هذا النجاح لبعض من يؤمنون بالله واليوم اﻷخر،بل أن يذهب البعض ﻹدانته بقياسه على سفلة الحكام،وكأنه ليس هناك إلا طريقة واحدة للتعامل مع أنصار الشيطان مهما كلف الثمن،ومهما كانت التحديات،فاﻹسلام ﻻ يمنع الحاكم بالبحث عن اﻷولوية التي ينطلق منها وفق فهم الواقع الذي يفرض عليه من خداع للخصم لتمريرما يريد،فالحرب خدعة كما هو مباح في ديننا.
فمثلا كيف يمكن أن أنقلب على أردوغان ﻷنه لم يطبق الحدود فورتسلمه السلطة وهناك تحديات كثيرة تواجهه وتواجه حكمه،عدا عن المتربصين من الداخل والخارج الذين ينتظرون لائحة تلوح في اﻷفق ﻹسقاط حزبه،وإبقاء تركيا دولة علمانية منسلخة عن دينها،فاﻷولوية دعته لترسيخ دعائم حكمه أولاً وقبل كل شيئ لإستعادة مكانة تركيا الرائدة بأهميتها كونها كانت عاصمة الخلافة اﻹسلامية التي إحتضنت الاسلام ﻷكثرمن خمسة عقود وكان لها فضل عظيم على اﻷمة الاسلامية قبل أن يضيعها اﻷتاتوركيون؟؟
وإلا لو لم يجعل في برنامجه أولويات لإنتهى أمره وكان سبباً في ضياع فرصة لإنتزاع تركيا من يد غلاة العلمانيين الأتاتوركيين من يهود الدونمة(فأهل مكة أدرى بشعابها)وهولم يستلم أرض طيبة خالية من الصخوروالمطبات حتى يطالب بوصول القمة في تطبيق أحكام الله.
أنا مع المنادة بتطبيق حكم الله الى النخاع حتى لو حكمنا عبد حبشي كأن راسه الزبيبة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم
((اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله)) حديث صحيح رواه البخاري
لكن ليس من حق أحد أن ينكرعلى من يتولى أمرالمسلمين أن يكون مناوراً ومخادعاً للعدو والخصم المتربص به,خاصة ونحن في زمن تحكمه اﻷلة،واﻷجهزة اﻹلكترونية والامور المترتبة عليها من تجسس،ومراقبة وإحاطة قد تجعل من يتولى المسؤولية بحاجة شديدة الى الحذر والحنكة لخداع من ينتظرون سقوطه.
إن مسيرة حكم أردوغان تشهد أن الرجل صاحب رؤيا عمودها الفقري تقوم على تخليص تركيا من الأتاتوركية والعودة بها نحو الإسلام وإنهاء عدائها له,بدليل أنه إستطاع بتصرفاته تطهير أهم مؤسسات الدولة من قادة الجيش اليهود الدونميين أشد الناس عداوة للإسلام والذين كانوا يشكلون الخطر الحقيقي على اﻹسلام في تركيا،وبذلك نجح ولو بشكل غير رسمي من إخرج تركيا من كونها الحليف اﻷول لما يسمى بإسرائيل الى المشاكس اﻷول لها والوحيد الذي يعترض على فُجرها،وخاصة أن تركيا قبل أن يستلمها أردوغان كانت على شفا حفرة نتيجة حكم اليهود غيرالمباشر من خلال العسكر الذي سيطرعليه يهود الدونمة حتى أوشكت أن تخلع من دينها كما خلعت اسبانيا من اﻹسلام،لوﻻ أن قدرالله لها أن تعود لحاضرة الامة بعد أن ساق الله لها هذا الرجل،فتصرف بحكمة وطول نظر وبدهاء وذكاء وتمهل حتى إستطاع سحب البساط رويداً رويداً من تحت أرجل اﻷتاتوركيين،وإستطاع إعادتها الى حاضرة اﻹسلام.
فهل من العدل أن أُنكرعليه إنجازاته أو أغض النظرعن التحديات التي كانت تقف عقبة أمام حكمه وأنقلب عليه لأنه لم يعتبر أن إسقاط صورة أتاتورك مثلاً وتماثيله من اﻷماكن العامة أولوية؟؟
أنا أعتبرتصرفه ذلك حكمة بالغة منه بأنه مررما يريد من دون أن ينظرإلى توافه اﻷمور التي كانت ستكلفه حكمه لو إلتفت إليها خاصة أن أتاتورك كان يُعتبر المُلهم والمُخلص لفئة كبيرة من الشعب التركي,وواضح أنه اذا ما إستمرفي نهجه هذا فإنه سيصل الى اللحظة التي سيهدم بها كل أصنام اتاتورك وينزع جميع أفكاره ورجاله من تركيا,بل سيُحاكم أتاتورك في قبره على جريمته التاريخية التي إرتكبها عندما وجه الطعنة النجلاء في قلب المسلمين عندما هدم خلافتهم ،واﻷصل حتى لو كانت الرؤية غير واضحة لتقييم حكمه،ثم ثبت مع مرورالوقت أن إنجازاته لامست أرض الواقع تغييراً وإصلاحاً,فمن العدل إنصافه والوقوف بجانبه.
إن من اﻹنصاف أن نذكر أعمال طيب رجب أردوغان خلال فترة رئاسته لإسناده ودعمه ونُصرة له على العلمانييين،وكل أطياف الكفر,وخاصة أن تركيا بحكم موقعها في أوروبا ومع التطورالتكنولوجي وفتح حدودها أمام الأوروبيين دون تأشيرة وسعي أردوغان لضم تركيا الى اﻹتحاد الأوروبي قد تكون البوابة التي ستدخل بها أوروبا اﻹسلام سلمياً،فأهميتها كدولة مسلمة سبقت العالم العربي المسلم بكل المجالات وتقع في مصاف الدول اﻷوروبية في التنافس التجاري والصناعي وفي كل مجالات الحياة,وهذا قد يكون مشجعاً أكبرللأوروبيين في اﻹقبال على اﻹسلام على إعتبارها تصلح ان تكون قدوة وصورة مشرقة عن اﻹسلام أكثر من دول العالم اﻹسلامي التي خذلت اﻹسلام بتواطؤ حكامها مع الأعداء وجعلتنا في مصاف اﻷمم المتأخرة بل في أخر الصفوف،ثم إن جئنا نستعرض جزءاً من إنجازات الرجل نجد أنها لا تتناقض مع مصلحة المسلمين وليس فيها عداء للإسلام.
هل من المصلحة التعامل السريع والجاد مع كل القضايا والمستجدات دون اﻹعتبار ﻷي حسابات أخرى ودون النظر الى الواقع؟؟
فكما أننا تكلمنا بإنصاف عن سياسة مرسي وأن التهاون والضعف تجاه من يحاربون الله ورسوله من الفاسدين والمفسدين ومن ظهرحقدهم ولؤمهم للعيان على دين الله هو السبب الرئيسي في ضياع فرصة التمكين لشرع الله في مصر،فليس من اﻹنصاف أن ننكرعلى أر دوغان توفيق الله له في إختيار الطريق اﻷسلم في الحكم تتلائم والوضع المتردي الذي إستلمه والذي يعتبر أشد تعقيداً من الوضع المصري،إرث ينزف حقداً على اﻹسلام وموروث أتاتوركي حاقد مسيطرعلى كل أركان الدولة بدئاً من الجيش مروراً بالقضاء إنتهائاً بكل أركان الدولة، عدا عن موقعها في أ وروبا التي تعادي اﻹسلام،والفرق بين الرجلين واضح أن مرسي تصرف بحسن نية وبمداهنة ومهادنة وبضعف شديد وبدون رؤيا مع من كانت سوء نيتهم ظاهرة للعيان وحقدهم يتطاير شرراًعلى اﻹسلام ثم يخرج ليناً في خطابه هيناً معهم وكأنه سوبرمان والقاعدة الشرعية تقول(حُسن النية ﻻ يبرر سوء العمل)أما أردوغان فكان متيقظاً هو وكل رجالاته من حزب العدالة والتنمية لكل أعدائه وأعداء الدين ولم يغفل عنهم لحظة,وكلما مكروا له رد كيدهم عليهم أمام شعبه وخرج بلهجة شديدة يتوعدهم,عدا عن أنه حينما شعر بتمرد القضاء وتأمره طهره فوراً،كما ان أردوغان كان أكثرشيئ ساهم في إنجاح سياسته أنه تعامل مع اﻷرضية التي إستلمها والتي تعج بالشياطين بهدوء وحنكة ومسايرة وخدعة ,حتى استطاع أن يحقق جزء من المهم وإحتفظ لنفسه بنوايا خفية من باب الحيطة والحذرظهرت أثارها على اﻷرض فيما بعد،فالدعوى الى المطالبة بحكم الله واجب شرعي.
فهل ما فعله أردوغان بالانقلاب على الجيش بتطهيره شيئاً فشيئاً من يهود الدونمة بدعوى أنه لم يعلنها اسلامية فوراً يتعارض مع الإسلام؟؟
وكيف أعترض على أردوغان الذي لم يقبل بالعبودية وإختارطريق الحرية متحدياً السيادة العالمية رغم مسايرتها بدعوى أنه ما زال معطلاً للحدود؟؟
كيف أغض النظرعن كل إنجازاته تجاه دينه وشعبه بعد أن رفع اﻷذان وملأ المساجد بالمصلين وأعاد للحجاب مكانه وفتح دور تحفيظ وتعليم القرأن بأنه لم يعلنها إسلامية؟؟
وهل من العدل أن ﻻ أعتبرلقراره في إعادة تعليم العربية من جديد في المدارس التركية أهمية وهي لغة القرأن,وإعاد ة تعليم اللغة العثمانية التي كانت تكتب بالإحرف العربية ليُعيد صلة الشعب التركي المسلم بتاريخه الإسلامي والتي كتب فيها تاريخ الدولة العثمانية المجيد والذي ألغاها اتاتورك ليفصل الشعب التركي المسلم عن تاريخه الإسلامي المجيد،وسيرة سلاطينه العظام الفاتحين في خطوة تحمل كل التحدي لمن يعارضونه،ثم فتحه اﻷجواء التركية بدون تأشيرة لتشجيع الناس على اﻹطلاع على مهد الخلافة العثمانية لتكون شاهداًعلى عظمة اﻹسلام أمام العالم،وردا على إتهامهم للإسلام باﻹرهاب؟؟
ألا يغفرللرجل أنه نشل اﻹقتصاد التركي من اﻹنهيار بسبب الديون التي أوشكت أن تجعلها في مصاف الدول الفقيرة،فأصبح هناك فائض في ميزانية الدولة،ومن ثم أثر ذلك على ارتفاع مستوى الفرد المعيشي والدولة الوحيدة التي أصبحت ليست مدينة للبنك الدولي تركيا...
كيف أنسى مواقفه في الحد اﻷدنى ووفق ما يملك من تصرف تجاه نصرة القضية الفلسطسنية رغم القيود التي حاول العلمانيين لفه بها حينما كسرالحصارعن غزة بإرسال الباخرة متحدياً فُجر العالم واليهود؟؟
ألا يُحسب له أن كل فُجارالعالم ضده وأن أعدائه نفسهم أعداء اﻷمة في مصر وفي سوريا وفي العراق وفي إيران،فندعو الله أن ينصرالإسلام بأردوغان ليصل الى اللحظة التاريخية الفارقة للحكم بما أنزل الله وأن يتهيأ الواقع في تركيا لهذا الأمر, فالرجل ما زال هناك تحديات وصعوبات تواجهه داخلية وخارجية من اﻹنصاف أن ندعو له بتجاوزها لعل الله يقدرعلى يديه خيراً كثيراً للأمة.
ومن الأمور التي توضح قناعاته الداخلية أنه في إحدى محاضراته عندما كان رئيسا لبلدية استنبول قال مخاطبا طلاب الجامعة
(ان العلمانية في تركيا سوف تنتهي فلا يمكن أن يكون الإنسان مسلما وعلمانيا في في نفس الوقت)
هذه الكلمات توضح نوايا الرجل وهي موجودة على يو تيوب,فخطواته ومنهجه في الحكم واضح بأنه يسيرفي هذا الإتجاه والله أعلم،حتى ولو أعلنها في بعض اﻷحيان علمانية من باب التقية،ولو أن الحكام العرب مشوا عل نهج أردوغان وكان وﻻئهم لله ورسوله وأنجزوا جزءاً من إنجازاته لما جازالخروج عليهم،والله لو لم يخرج من حكمه بشيئ سوى إسترجاع تركيا من أنياب العلمانييين الأتاتوركيين لكفته,وكما قال رسول الله صل الله عليه وسلم
((اللهم انصرالإسلام بأحد العمرين))
فأصابت الدعوة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي هدم الله على يديه عروش وجيوش القياصرة والأكاسرة وبلغ الإسلام مشارق الأرض ومغاربها,نقول اللهم أنصرالإسلام بأردوغان وفي النهاية ستكون خلافة على منهاج النبوة كما وعد رسول الله صل الله عليه وسلم هذا مانؤمن به .
الكاتبة
رحاب أسعد بيوض التميمي