التلويث الفكري و الإعلامي في العالم الإسلامي تعتمد أمريكا اليوم في إطار حملتها لمحاربة الإسلام على عدة ركائز, أذكر منها زعامتها للعالم, وتسخيرها لعملائها في البلاد الإسلامية, وتوجيهها لوسائل الإعلام العالمية و المحلية. وسأتناول الركيزة الأخيرة باعتبارها من أهم آليات سياسة العولمة التي تروج لها أمريكا. إن الإعلام بما يوفره من نقل سريع و فعال للصورة و الصوت و الكلمة يعتبر من أخطر الوسائل في توجيه الرأي العام, وصناعة الذوق الجماعي, والتأثير المباشر في أفكار الجمهور ومشاعره, وخاصة بعد الثورة التكنولوجية التي حصلت في مجال الاتصالات, تلك الثورة التي جعلت من العالم كله عبارة عن قرية صغيرة, لهذا السبب, وفي ظل غياب دولة الخلافة الراشدة, تمسك أمريكا ومعها الدول الغربية الكافرة وعملاؤها في العالم الإسلامي بوسائل الإعلام المرئية و المسموعة و المقروءة, بقصد الترويج لأفكار الكفر و التمكين لمخططات الكفر في بلادنا. كما يعمل هذا الإعلام الضال على تمييع الإسلام وتشويه صورة العاملين للإسلام, وتخويف الأُمة منهم وتيئسها من عودة الخلافة . فقد قال مايلز كوبلاند: في كتابه لعبة الأمم في موضوع الدعاية و الإعلام: ( كما أنه يتعذر إيجاد حل لمشكلة مراقبة الصحافة إلا أنه يمكن ضبط الصحافة في غالب الأحوال من خلال ممارسة بعض الضغط من قبل الحكومة, بأشكال عديدة دون الجوء إلى المراقبة الصريحة, فيكفي مثلا ً تعيين مستشار لكل هيئة من هيئات تحرير المجلات و الصحف و كذلك بالتهديد بزيادة الضرائب و الرسوم على المجلات وفرض غرامات مالية كبرى عليها ) . انتهى ما قاله كوبلاند. فهذا الإعلام الخبيث له عدة وسائل وأساليب لتضليل العقول و تخدير المشاعر, ومن ثم تجهيل الرأي العام و اختطافه لتوجيهه حسب المراد, و مِن بين أخبث أساليبه التي تعتمد على التلميح حينا ً و التصريح أحياناً أسلوب يمكن أن نعبر عنه باسم ( آلية الإيحاء الترابطي ), و ما نعمد إليه هنا هو تعرية هذه الآلية لبيان أمثلة من أساليبها الهادفة إلى تثبيت الهيمنة الرأسمالية على العالم وأمركتها, ومن ثم نجد الفارق بين النظرة الغربية للإعلام و نظرة الإسلام إلى الإعلام. و إذا نظرنا إلى التقدم التقني في وسائل الإعلام والنشر الذي وصل إليه العالم, نرى وسائل النشر و الإعلام تكاد تلتصق بالإنسان كالتصاق الثوب بالبدن, وتكاد تأخذ قسطاً وافراً من وقته, فقد أصبح لكل من وسائل الإعلام المسموعة و المرئية شأن كبير عند الأسر, فأطلق علماء الغرب على التلفاز ( ثالث الوالدين ) ومن هنا تكمن خطورته على الناشئة و الأجيال التي نعدها ذخرا للمستقبل, فإذا كانت هذه الأجيال تنشأ على لا مبالاة الأب و الأم و خبث الوالد الثالث فتلك الطامة الكبرى, ونذكر المذياع ( الراديو ) حيث لا يستغني أي شخص عن ملازمته, ولقد أحاط الغرب الصحف بهالة كبيرة فسماها بأسماء تدل على أهميتها من مثل: ( صاحبة الجلالة ) و ( السلطة الرابعة ) و ( صوت الذين لا صوت لهم ) وعلى سبيل المثال ففي حرب الخليج الثانية دأبت وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية و نشطت نشاطاً منقطع النظير لتجيير الرأي العام ضد النظام العراقي آنذاك. فقد ضخمت الخطر العراقي بشكل كبير أولاً على جيرانه وثانياً على العالم أجمع وذلك بتصوير هذا النظام متمثلا ً برئيسه بالوحش الكاسر الذي يريد حرق الأخضر واليابس و أنه إذا لم يوقف هذا الخطر عند حده فسيكون وبال ذلك خطيرا ً جدا ً علىالعالم بشكل عام وعلىالعالم الغربي بشكل خاص. وقامت الأجهزة الإعلامية ببث البرامج الوثائقية و المقابلات التلفازية بشكل يومي لفضح – على حد زعمها- وحشية النظام العراقي في التعامل مع أهل الكويت واختلقت بعض القصص والأحداث التي تصور بشاعة القتل و العنف, حتى غدا الشعب الأمريكي أو بالأحرى أصبح هناك رأي عام بضرورة وقف هذا الخطر الداهم, والنتيجة أن أصبح سهلا ً على الحكومة الأمريكية تمرير مشروع إرسال جيوش أمريكية إلى الجزيرة العربية. نعم لقد وجهت الحكومة الشعب الأمريكي لقبول الدخول في الحرب عن طريق أجهزتها الإعلامية العملاقة و البيانات السياسية الصادرة عن مؤسسات الدولة. و أشدد على أنه من المستحيل التأثير على هذه الأجهزة الإعلامية من قبل مؤسسات مستقلة غير تابعة للنفوذ الأمريكي, فكل ما يبث من خلال هذه الأجهزة من ألفه إلى ياءه مدروس بعناية ودقة من قبل مختصون ومفكرون حتى يضمنوا أن تصل الرسائل الموجهة بدقة إلى عامة الناس و يضمنوا الفائدة الكبرى من هذه المعلومات المنشودة, وأود أن أشير إلى مقابلة صحفية مع زبغنيوبريجينسكي, مستشار الأمن القومي للرئيس السابق المخضرم ريتشارد نيكسون, أجرتها معه قناة CNN) قبيل حرب الخليج حيث قال ( أنا آخذ فقط عشرين بالمئة من الأخبار السياسية المنشورة في الجرائد و التلفاز أما الثمانون الباقية فإنها ببساطة كذب و تضليل. )