بالشكر تدوم النعم وببطرها تزول
قال تعالى : { لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَـجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) }. [سورة سبأ] .
هنا يخبرنا الله تعالى عن قوم لم يصبروا على النعمة وبطروها وملوا هذه النعمة ، فسألوا الله المشقة والعناء والنصب بعد الراحة والدعة ورغد العيش وهذا ظاهر من قوله تعالى فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا ) فعاقبهم الله _عزوجل_ بذهاب نعمتهم و غرق ديارهم و خروجهم منها وتمزقهم حتى ضرب بهم الامثال فقالت العرب : (تفرقوا تفرق أيدي سبأ ) , وكذلك بنو اسرائيل الذين سألوا البصل والفوم عندما ملوا المن و السلوى وطالبوا نبيهم بالادنى من الماكل والمطاعم فكان عليهم الإنتقال من الأرض المقدسة المباركة إلى غيرها ، ولذلك قال لهم نبيهم كما أخبر الله تعالى عنه : {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ } فجُوزوا بضرب الذلة والمسكنة عليهم ، وباءوا بغضب من الله وهذه سنة الله فيمن بطر نعمته عليه واحتقرها ، وكفرها ولم يشكرها ويؤدي حقها ...فإذا كان هذا العقاب قد وقع على من كفر نعمة العيش فكيف بمن زهد بنعمة التوحيد والسنة ونور المعتقد وهداية التشريع ؟! وأشاد ببلاد البدعة والضلالة والفسق والفجور والقوانين الوضعية وجعلها قدوة يحتذى بها ومجدها وفضلها على عقيدة ومفاهيم وقيم التوحيد و السنة .؟؟. فمن فعل هذا والله انه ليخشى علبه ان بكون ممن قال الله فيهم { أَلَمْ تَرَ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ }
وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن سرجس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مما يتعوذ منه : (( الْحَوْر بَعْدَ الْكَوْر)) رواه مسلم ، ومعناه : الرجوع من الاستقامة أو الزيادة إلى النقص ، لأن نعم الله الدينية والدنيوية لا يحتملها إلا الشاكر الصابر ولذلك ختمت الآيات بقوله { إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَٰتٍ لّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }.. نعم ان النعمة تحتاج الى صبر على شكرها واداء حقها لتدوم وان البلوى تحتاج الى صبر على مكافحتها وتحملها ومجالدة ازالتها حتى ياذن الله ان تنجلي وتزول نعوذ برينا من الهم والغم ونساله ان يرزقنا الصبر على الشكر في الرخاء والصبر على مكافحة البلاء ونعوذ به سبحانه ان نحل انفسنا او قومنا دار البوار اللهم ونعوذ بك من الحور بعد الكور فلا عاصم الا انت يا الله وما لنا مولا سواك ربنا. وطبتم بمحبته ورضاه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.