ما حكم اللعن والسب ؟
الجواب :- الحمد لله الذي ارسل رسوله متمما لمكارم الاخلاق وجعله بالمؤمنين والبشر رؤوف رحيم ولم يجعله فضا غليظ القلب ولا فاحشا بذيء اللسان وصلى الله ربي عليه واله الاطهار وصحبه الاخيار ومن سار على نهجه واقتفى اثاره الى يوم الدين وبعد:- فان أصل اللعن في اللغة كما قال صاحب لسان العرب : اللعن : الإبعاد والطرد من الخير ، وقيل الطرد والإبعاد من الله ، ومن الخَلْق السب والدعاء .
وقال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة وغيره: هو الطرد والإبعاد على سبيل السخط، أو الطرد والإبعاد من الخير، وكلاهما بمعنى واحد، لكن قد يختلف المعنى بحسب قائل اللعن:
ـ فإذا كانت اللعنة من الله تعالى في الآخرة؛ فهي العقوبة والعذاب والطرد من رحمته.
ـ وإذا كانت منه سبحانه في الدنيا؛ فهي انقطاعٌ من قبول رحمته وتوفيقه.
ـ وإذا كانت من الإنسان؛ فهي بمعنى الدعاء على غيره.
ـ وقد تكون من الإنسان بمعنى السب لغيره.
اما اللعن من الانسان للإنسان فقد وردت أحاديث كثيرة فيها الزجر عن لعن من لا يستحق اللعن، والتحذير الشديد منه، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على ملة غير الإسلام، فهو كما قال، وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك، ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة، ومن لعن مؤمناً فهو كقتله، ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله".
وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن، فإن كان لذلك أهلاً، وإلا رجعت على قائلها".
وروى الطبراني بإسناد جيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى باباً من الكبائر.
كما أن تسبب المرء في أن يُلعن والداه أيضاً من الكبائر، كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل يا رسول الله: وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه".
وروى البخاري رحمه الله في صحيحه عن عبد الله بن عمر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلانًا وَفُلانًا وَفُلانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ) .
وروى البخاري أيضا عن عمر أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله ، وكان يلقب حمارا ، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب ، فأتي به يوما فأمر به فجلد ، قال رجل من القوم : اللهم العنه ، ما أكثر ما يؤتى به ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تلعنوه ، فو الله ما علمت ، إلا أنه يحب الله ورسوله ) .
فاللعن لا شك انه قول وهو من الأمور التي يتوقف المرء فيها على حكم الشارع الحكيم وليس من ديننا التعبد والتقرب لله تعالى باللعن ..فلا يجوز لعن البشر الا كما ادبنا الله وعلمنا..فاذا كان اللعن على وجه التعميم لاهل الكفر والضلال وعلى العموم لاهل المعاصي فلا شك بانه جائز كما لو لعن السارق بشكل عام او شارب الخمر او المشركين او الكافرين ولم يخصص مخصصا بعينه..قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/203) : ويجوز لعن الكفار عامة اهـ .
وكذلك لعن من وردالنص بلعنه مثل إبليس، فقد لعنه الله تعالى، فقال: وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ {35} الحجر، وقال تعالى: إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا* لَّعَنَهُ اللّهُ {النساء:16-17}.
أو يكون النص قد ورد بموته على الكفر كفرعون وأبي لهب ، وأبي جهل ، فلعن هذا جائز كما قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/214) : ويجوز لعن من ورد النص بلعنه ، ولا إثم عليه في تركه اهـ .
اما تخصيص وتعيين اللعن لمن لا يستحق اللعن او من يُرجى هدايته فلا يجوز ولا يصح وكذلك لمن لم يرد النص بتعينه لما ذكرنا من ادلة أعلاه وفي حاشية الجمل على المنهج قال :- ويحرم لعن المسلم المستور ويجوز لعن أصحاب الأوصاف المذمومة كالفاسقين والمصورين، وأما لعن المعين من كافر أو فاسق فقضية ظواهر الأحاديث الجواز وأشار الغزالي إلى تحريمه إلا من علم موته على الكفر. انتهى.
وقال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى :- والمختار عند الأمة: أنا لا نلعن معينا مطلقاً. ولا نحب معينا مطلقاً. انتهى.
والله تعالى اعز و أعلم.ونسال الله السلامة من كل اثم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.