عيونٌ ومجونٌ
كالنايِّ صوتُكِ عندَ الفجرِ يسمَعُهُ
عانٍ بعيدٌ عنِ الأوطانِ ذو شجنِ
أشفقْتُ منهُ , وإشفاقي على وَتَري
إذ ذابَ شوقاً , وتَحناناً , أيا وطني!
يا جرحَ لحني , وآلامي بهِ طرِبَتْ
منهُ إليهِ ,ونارُ البُعدِ تحرثني
ما فارقَتني عيونٌ طالما سهرَتْ
فيها القوافي على الأيامِ تُلهِمُني
كالفجرِ كنْتِ جِوَارَ النّبعِ طالعةً
والآسُ حانٍ كحلمِ الطفلِ في الوسَنِ
للنبعِ لحنٌ رقيقٌ هادِئٌ خَفِرٌ
وشدوُكِ العذبُ بوحُ الوحيِ في أُذني
والنَّحلُ سكرى , وقدْ هامَتْ على فننٍ
جاءَ الصّباحُ عميمَ الطّلِّ في الفَننِ
ولسْتُ أدري طنينُ النّحلِ أَثملني
أم عاطرُ الزّهرِ فوّاحاً على الغُصُنِ
هلْ هامَ مثلي بعينيكِ فحانُهما
تغري اللبيبَ فتدعوهُ إلى المُجَنِ
صوني جمالاً كبوْحِ الشِّعْر في لُغتي
جرّحْتِ قلبي فذابَ القلبُ في المِحَنِ
ياربّةَ الحُسنِ ردّي القلب َ مِنْ سفر ٍ
(لا تظعني , فتُهيجي القلبَ للظَعَن ِ)
إليهِ أسعى وحادي العيسِ يعذُلُني
والرِّيحُ تجري بما لا تشتهي سفُني
عودي إلينا أناشيداً مُعطّرَةً
-يا جارةَ النّبع- تُشجيني مدى الزّمَنِ
ظلِّي ظنوناً , وأوهاماً , وأُحجيةً
مثلَ العميدِ إذا ما طافَ بالوثَنِ
عودي انثُري مِنْ حِلاكِ الوردَ في غدِنا
كي تغسلينا مِنَ الأحقادِ والعفَنِ
هاتي امطري من سماكِ ألفَ أُغنيةٍ
تشدُ البوادي , وتزْهُ كالسّنا مُدُني
هيا ارقصي في ديارِ الحُبِّ مُلهِمةً
عودي حناناً , وتَهياماً بلا وَهن ِ
كوني ظِلالاً , وأنساماً , ونَيسَنةً
علَّ الحنانَ يُجلّي ظَلمةَ الحَزَنِ
عودي إلينا طلوعَ الفجرِ , وانتعلي
خُفَّ الربيعِ فترْبُ الأرضُ للهَتَن ِ
مُرِّي علينا فهذا الدّهرُ أوحشَنا
أنتِ الشّآمُ , وأنتِ في المدى عدَني
آنَ الأوانُ - أيا أُختاهُ- بل طفحَتْ
كأسُ المَنونِ بفعلِ الجهلِ والفِتَن ِ
طالَ الظلامُ , وعاثَ الظلمُ في وطني
يا ليتَ شمساً مِنَ الأضغاثِ توقِظُني
طوفي علينا كحلمِ الفجرِ هامِسةً
حُبّاً , وصفحاً , وآياتٍ مِنَ السِّنَنِ
أرجوكِ , أرجوكِ أنْ تُمحى دفاترَنا
حتّى تساوى بنا الإسرارُ بالعلَنِ
أهلي صِحابي وأحفادي هنا درجُوا
فالكلُّ لحنٌ منَ التّحنانِ يسكنني
مِنْ أجلِ عينَيكِ أحلامي أُقدِّسُها
ما مِنْ جيوشٍ على الغبراءِ تُهزمُني
مِنْ أجلِ عينَيكِ عادَ الوردُ مُشتعِلاً
رغمَ النَّوى , وبرغمِ التِّيهِ والغبَنِ
هذي الدِّيارُ بها أحبابُنا سكنُوا
عودي إليها وحثِّي الخَطوَ يا هٌجُني
هذا التُّرابُ شميمٌ مِنْ أحبّتِنا
فيها هوانا , وفيها فلْيكُنْ كفني
فيها عرفْتُ حنانَ الأمِّ جاثيةً
فوقَ السّريرِ , ويُمناها تهدهدُني
سيّان ِ , سيّان ِ إنْ غابَتْ , وإن ْحضرَتْ
فيها المَثاني , وفيها في الشِّتا يمني
فالشّامُ أهلي , وفي قلبي وباصرتي
بالرُّوحِ أنتِ , وفي الإحساس , والبدَنِ
أنتِ الحبيبةُ يا سمراءُ بل قدَري
والحُبُّ يبعثُني حيّاً على الزَّمنِ
من ديواني آهة على ضفاف الجراح- دار بعل دمشق